مع من يتضامن الفلسطينيون؟

11 ديسمبر 2014
+ الخط -

لنادي برشلونة جمهور عريض فلسطيني. ليس الأمر متصلا فقط بأداء النادي وإنجازاته ونجومه، بل يمكن ملاحظة مبررات أخرى يعرضها المشجعون عند المفاضلة أو المقارنة بين النادي وخصومه، أهمها أن النادي كتالوني، وكتالونيا تطالب بالانفصال عن إسبانيا، وخاضت صراعا طويلا وداميا في سبيل هذا الانفصال أو الحكم الذاتي، على الأقل.

ينحاز الفلسطينيون عادة للكيانات الشبيهة بكتالونيا، ويمكن توقع تضامنهم مع أي قضية ينادي القائمون عليها بحريتهم وتقرير مصيرهم، بصرف النظر عن إلمام الفلسطينيين بتفاصيل الحالة التي يتضامنون مع طرف فيها. هكذا انحاز الفلسطينيون للأكراد والأرمن ونمور التاميل والخمير الحمر، وحتى بعض عصابات مجاهل أميركا اللاتينية. في الغالب ينحاز الفلسطينيون مع من يعتقدون أنه يشبههم.

يمكن رصد صنفين عريضين لطالما تضامن معهما الفلسطينيون بالبداهة من دون كثير تفكير وتمحيص: الأول يندرج في إطاره الواسع كل جماعة أو حركة أو إقليم أو شعب يطالب بالحرية ويسعى إلى التحرر. أي أن السعي إلى الحرية ودفع أثمانها الباهظة في عرف الفلسطينيين وفطرتهم مدعاة للتضامن والدعم. والصنف الثاني يجمع كل من يواجهون أعداء الفلسطينيين ويخوضون معهم صراعاً مفتوحاً. والأعداء هنا إسرائيل ومن خلفها أميركا، ويصل الأمر حتى إلى بريطانيا، ويتسع ليشمل النظام العالمي. وهنا يمكن ملاحظة المفارقات الهائلة في تضامن الفلسطينيين الشعبي تحديدا، بدءاً بصدام حسين ثم كوريا الشمالية فكوبا وفنزويلا وصولا إلى إيرلندا. كل من يواجه أميركا وإسرائيل يستحق تضامن الفلسطينيين وباندفاع بالغ، ولا يقتصر الأمر على التفسير الرائج "عدو عدوي صديقي"، بل يصل إلى التضامن العاطفي العارم غير المتزحزح.

بعد تحول مشروع التحرر إلى مشروع التسوية أو التفاوض في سبيل كيان أو دولة فلسطينية، بدأ التحول في تضامن الفلسطينيين مع الآخرين، ومع استقرار السلطة الفلسطينية وتحول الثورة الفلسطينية إلى مشروع حكم ذاتي يطمح إلى تحصيل دولة، بدأت حالة النظام الطامح إلى الاستقرار والبقاء تتفشى إلى كثير من الفلسطينيين، تحديداً المرتبطين بهذا المشروع والقائمين عليهم وداعميهم. أي أن السلطة الفلسطينية، كنظام يسعى إلى الاستقرار وتحقيق المكاسب، بات يعبر عن مواقف مغايرة من قضايا من كان الفلسطينيون يتضامنون معهم، وهذا عززه السعي إلى الاندماج في المؤسسات الدولية وإدارة دبلوماسية ذات طابع دولاني.

ومع الربيع العربي تجلى بوضوح التغير الذي طرأ على أولويات تضامن الفلسطينيين، فالسلطة تصرفت كنظام عربي يخشى موجة التغيير، وقمعت المظاهرات المحتفية بالثورة المصرية، ثم انحازت للثورة المضادة ومعها جماهيرها وحركاتها. وبالنظر إلى مجموع الفلسطينيين بعيدا عن السلطة وتياراتها، فإن انحسار مشروع التحرر وغيابه أدى إلى انحياز الفلسطينيين إلى تضامنات فرعية، بعضها مصلحي وبعضها متصل بهويات فرعية. من هنا يتضامن فلسطينيون مع تيارات مذهبية وجماعات وحركات إسلامية أو سنيّة، أو ينحازون إلى داعميهم ومموليهم. ولا أدل على التغير الفادح في معايير التضامن الفلسطينية من التضامن مع نظم ودول استبدادية تسحق شعوبها الساعية إلى الحرية، ولا تحارب إسرائيل ولا تعاديها أيضاً.

إن التدقيق في خريطة التضامن الدولي مع الفلسطينيين يشي بأن ساحات التضامن الأكثر فعالية هي تلك البعيدة عن تضامن الفلسطينيين المتقلب والمتذبذب، ويمكن ملاحظة التحول في نوعية التضامن الدولي، فبعد أن كان شعبياً عاماً، بات ينحصر في النخب المدركة والمتابعة لحقيقة الموقف في فلسطين بحمولة عاطفية أقل، وبوعي العداء لإسرائيل وسياساتها، بصرف النظر عن سلوك الفلسطينيين واستحقاقهم للتضامن والدعم.

اليوم وعند تساؤل الفلسطينيين عن التضامن معهم، لا بد من النظر في تضامن الفلسطينيين أنفسهم وتبدل معاييره ومحدداته، والسعي إلى الحصول على إجابات صادقة مدركة للتبدلات في معاييرهم هم، وهل تستحق المعايير الجديدة تضامنا وتدفعه وتوسّعه!

المساهمون