صار المطبخ غرفة واضحة محددة، وصار النوم في غرفة، والجلوس في غرفة، والأكل في غرفة، واستقبال الضيوف في غرفة. شوّشت كل هذه التقسيمات ذهن هيلانة، أرهقها التفصيل، توزيع أفعال العيش على غرف. كل هذا حصل في غرفة واحدة منذ وعت الدنيا.
"حين دخل أبي التنظيم توقف عن الفلاحة، كان النضال للدفاع عن الأرض وانتزاع الحق فيها، في إحدى محصلاته ابتعاداً عن العلاقة اليومية معها". هنا مقتطف من عمل روائي جديد لـ عبّاد يحيى يصدر قريباً عن "منشورات المتوسط".
ما يحدث مراراً مع قضية الأسرى هو تجميد بدواعي القداسة والاحتفاء، نتعامل كما خطباء المايكروفونات في الاحتفاليات الوطنية، مع الأسرى كموضوع خارج دائرة الفعل السياسي، حتى بلغ الأمر نزع القيمة النضالية للاعتقال ثم نزع المعنى السياسي.
الألفة قاتلة، ومن يألف شيئا لسنوات طوال كما ألف عبّاس الوظيفة لن يقوى على تصور حياته، ولا العيش، من دونه، وفي الغالب سيحبّه. حتى الشر المطلق والألم المطبق يمكن أن تحوّلهما الألفة إلى مرغوب باعث على السكينة.
النظر لموقف الدكتاتور من هجرة شعبه يتم من خلال السلوك السياسي للنظام، فملف الهجرة واللجوء ينظر إليه على أنه جزء أساسي من الأداء السياسي للنظام المستميت في حماية بقائه، ليصبح واحداً من أوراق اللعب السياسي
ما إن زحفت موجات الثورة المضادة والتطييف والاستقواء بالتوازنات الدولية لإبقاء الدكتاتوريات، وإجهاض أحلام المتعبين وتركهم وحيدين في مواجهة التقتيل، حينها عدنا إلى القدر الأوروبي، للحلم الوحيد بالخلاص من كل ما نعانيه.
"الاتهام" وعي جمعيّ يدرك أن "النظام" مفردة ذات دلالة، لم تبلغها الكيانات الجاثمة على صدور الشعوب العربية. ولذلك، ربما يتورط الجميع في حرب ضد الجميع، وهم يبحثون عن ذاك "النظام" الذي يريد بعضهم إسقاطه، ويريد بعض آخر حمايته.
يتفجر النقاش مع كل حفلة صاخبة، فعالية عامة ليس الشأن الوطني موضوعها، مهرجان فني، عرض أزياء، حفل زفاف تكاثرت الكاميرات فيه، أو حتى نشاط نظمه طلاب مدرسة للعب بالألوان. هكذا نجد أنفسنا في دوامة صراخ متبادل، بات مع الوقت متوقعاً.
وحدها جنازات الشهداء قد تجمع الجماهير، هذا بعد أن تخوض السجال الكريه عن تنظيم الشهيد، وأي الرايات سيحمل المشيعون، وهل ستوافق أجهزة الأمن عليها، وبفعل منغصات كهذه، بدأت حتى جنازات الشهداء شأنا عائلياً، أو محلياً، تتدخل فيه الفصائل أو بقاياها.
لا يمكن النظر إلا بعين الريبة لأي خطاب أو سجال يتجاوز بديهيتنا الوحيدة، نحن الفلسطينيين، أننا تحت احتلال يقتلنا يوميا، وأي قيادة لا تجيب عن سؤال الاحتلال ليست إلا مشروع فساد كبير ومفتوح.