06 سبتمبر 2015
الدكتاتور يفكر بالهجرة
يدفعنا انفجار ملف اللجوء والهجرة، أخيراً، إلى التفكير بالدكتاتور، كيف يفكر وهو يرى "شعبه" يهاجر بكل الحيل والوسائل، ويتجسّد أمله بالخلاص وحلمه بالنجاة بمشروع وحيد هو الهجرة، ترك الدولة بما فيها. كيف يرصد الدكتاتور الأرقام التي ترده تباعاً عن أعداد الراحلين من شعبه؟ وهل كل المستبدين سواء في تعاملهم مع هذا الملف؟
قد تتبادر إلى الذهن إجابة متسرعة، تدعمها ملاحظات على أرض الواقع، مفادها أن الدكتاتور لا يعبأ فعلا بهجرة الشعب ورحيله، والشعب هنا هو كل الرافضين وجوده والمكتوون بناره، فهو لم يعبأ بقتلهم وإبادتهم، فلماذا سيعبأ بهروبهم من جحيمه؟ والنموذج الواضح هنا هو سورية، صحيح أن النظام غير قادر على منع الهجرة واللجوء. وبالتالي، لا يمكن القول إنه يريدها، لكنه أيضا وعبر إشارات كثيرة، إعلامية وغيرها، لا يبدو عابئاً بها، ولا يراها خطراً. وعلى جهة مقابلة هنالك مصر، حيث الدكتاتور يضيّق بكل الوسائل الممكنة أي محاولة للهرب أو الهجرة يسعى إليها المصريون، وتحديدا المعارضين، يفرض موافقات أمنية على أي حركة سفر إلى دول لجوء محتملة، ويمنع الناس من السفر، ويصر على بقائهم في السجن الكبير.
الواضح، هنا، أن النظر لموقف الدكتاتور من هجرة شعبه لا بد أن يتم من خلال السلوك السياسي للنظام. وهذا يعني أن ملف الهجرة واللجوء ينظر إليه على أنه جزء أساسي من الأداء السياسي للنظام المستميت في حماية بقائه، ليصبح هذا الملف المصيري، ملف الشعب والوطن، واحداً من أوراق اللعب السياسي، من دون أي اعتبار مستقل له، هو ككل شيء في عرف الدكتاتور، مباح للاستعمال والاستخدام بما يخدم مصالحه وبقاءه. يمكن هنا، باستطراد بسيط، اقتراح تعريف للدكتاتورية، وهي النهج السياسي الذي يحكمه محدد واحد ووحيد، هو البقاء على رأس السلطة.
يعني ما سبق أن ملف اللجوء والهجرة واللاجئين يتحول إلى ورقة ضغط في الحالة السورية على دول المحيط والمنطقة، للمسارعة إلى الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، مع بقاء الأسد وفق الوصفة الروسية الإيرانية، وملف اللاجئين الصاخب تنزع عنه الصفة السياسية، ويتحول إلى قضية إنسانية تحتاج الكثير من الدموع والكاميرات الأوروبية. ولكن، في الوقت نفسه، يتحول إلى ورقة سياسية بيد النظام، للضغط والمساومة.
أما في الحالة المصرية، والسيسي ونظامه منزعجون من تكاثر معارضي الخارج، وخشيتهم من تحولهم إلى لوبٍ ضاغط إعلاميا وسياسيا، خصوصاً مع وضوح الفعالية السياسية والمؤسسات المستوعِبة لمعارضي الخارج المصريين، قياساً بالهدوء النسبي للاجئين السوريين، بعد خروجهم. هنا، يرى الدكتاتور أن بقاء هؤلاء تحت سيطرته وفي سجنه الكبير أفضل، خصوصاً أنهم يوفرون له موضوعا لممارسة حروبه على الإرهاب، ومادة لتشغيل آلة قمعه المتضخمة بشكل غير مسبوق. يجب أن يظل هؤلاء في الداخل، حتى تشتغل ماكينة الاستبدادية السيساوية بشكل جيد وصاخب، ويظل قادراً على الخروج بخطابات: نحن الوطنيون الشرفاء، وهم الإرهابيون المندسون بين ظهرانينا.
أما أفضل نموذج للتدليل على تحويل ملف الهجرة إلى ورقة سياسية، وبيان فهم الدكتاتور لهذا الملف الخطير، هو دكتاتور آخر، معمر القذافي، الذي قد يكون صاحب أكبر رصيد تحذيرات لأوروبا من هجرة أبناء الجنوب الخطيرين، وقد يكون المستبد الأكثر استغلالاً لهذا الملف في سبيل تدعيم بقائه. كان القذافي يعرف أن شواطئ ليبيا بوابة المقهورين على البحر الفاصل بين الجحيم والحلم، واستغلها أحسن استغلال، بل وبطريقة مبتذلة إلى أبعد حد، حين عرّف نفسه حارس بوابة أوروبا الضروري على علّاته كلها. ولذلك، يمكن القول إن المهربين على الشواطئ الليبية، اليوم، هم المنفذ الأمين لسياسات القذافي، خصوصاً حين يبدو أن وقف هذه المأساة الكبيرة بحاجة لدكتاتور كبير بحجم القذافي.
الواضح، هنا، أن النظر لموقف الدكتاتور من هجرة شعبه لا بد أن يتم من خلال السلوك السياسي للنظام. وهذا يعني أن ملف الهجرة واللجوء ينظر إليه على أنه جزء أساسي من الأداء السياسي للنظام المستميت في حماية بقائه، ليصبح هذا الملف المصيري، ملف الشعب والوطن، واحداً من أوراق اللعب السياسي، من دون أي اعتبار مستقل له، هو ككل شيء في عرف الدكتاتور، مباح للاستعمال والاستخدام بما يخدم مصالحه وبقاءه. يمكن هنا، باستطراد بسيط، اقتراح تعريف للدكتاتورية، وهي النهج السياسي الذي يحكمه محدد واحد ووحيد، هو البقاء على رأس السلطة.
يعني ما سبق أن ملف اللجوء والهجرة واللاجئين يتحول إلى ورقة ضغط في الحالة السورية على دول المحيط والمنطقة، للمسارعة إلى الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، مع بقاء الأسد وفق الوصفة الروسية الإيرانية، وملف اللاجئين الصاخب تنزع عنه الصفة السياسية، ويتحول إلى قضية إنسانية تحتاج الكثير من الدموع والكاميرات الأوروبية. ولكن، في الوقت نفسه، يتحول إلى ورقة سياسية بيد النظام، للضغط والمساومة.
أما في الحالة المصرية، والسيسي ونظامه منزعجون من تكاثر معارضي الخارج، وخشيتهم من تحولهم إلى لوبٍ ضاغط إعلاميا وسياسيا، خصوصاً مع وضوح الفعالية السياسية والمؤسسات المستوعِبة لمعارضي الخارج المصريين، قياساً بالهدوء النسبي للاجئين السوريين، بعد خروجهم. هنا، يرى الدكتاتور أن بقاء هؤلاء تحت سيطرته وفي سجنه الكبير أفضل، خصوصاً أنهم يوفرون له موضوعا لممارسة حروبه على الإرهاب، ومادة لتشغيل آلة قمعه المتضخمة بشكل غير مسبوق. يجب أن يظل هؤلاء في الداخل، حتى تشتغل ماكينة الاستبدادية السيساوية بشكل جيد وصاخب، ويظل قادراً على الخروج بخطابات: نحن الوطنيون الشرفاء، وهم الإرهابيون المندسون بين ظهرانينا.
أما أفضل نموذج للتدليل على تحويل ملف الهجرة إلى ورقة سياسية، وبيان فهم الدكتاتور لهذا الملف الخطير، هو دكتاتور آخر، معمر القذافي، الذي قد يكون صاحب أكبر رصيد تحذيرات لأوروبا من هجرة أبناء الجنوب الخطيرين، وقد يكون المستبد الأكثر استغلالاً لهذا الملف في سبيل تدعيم بقائه. كان القذافي يعرف أن شواطئ ليبيا بوابة المقهورين على البحر الفاصل بين الجحيم والحلم، واستغلها أحسن استغلال، بل وبطريقة مبتذلة إلى أبعد حد، حين عرّف نفسه حارس بوابة أوروبا الضروري على علّاته كلها. ولذلك، يمكن القول إن المهربين على الشواطئ الليبية، اليوم، هم المنفذ الأمين لسياسات القذافي، خصوصاً حين يبدو أن وقف هذه المأساة الكبيرة بحاجة لدكتاتور كبير بحجم القذافي.