"العمل في الليل أنهكني وأربك حياتي. لكن ما باليد حيلة. أنا مجبرة لا بطلة". هذا ما تقوله فدوى طناش (46 عاماً)، وهي أرملة مضطرة إلى العمل ليلاً. بعد وفاة زوجها، كان العمل بالنسبة إليها ضرورياً لتتمكن من إعالة أسرتها. في الوقت الحالي، تعمل في واحد من أكبر مستشفيات البلاد، ويبقى لها بضع ساعات في النهار لترتاح فيها.
يُطلق وصف "نساء الليل" على ممتهنات حرف ومهن يبدأ دوامها بعد حلول الظلام وحتى ساعات الفجر. دوام هؤلاء يختلف مع دوامات العمل التي اعتاد عليها الناس.
تخبر فدوى التي تعيل أربعة أبناء "العربي الجديد"، أنّها تعمل ليلاً في أحد المستشفيات منذ أكثر من 16 عاماً، وهي مسؤولة عن مراقبة النظافة في غرف المستشفى وتنظيم دخول المرضى إلى قسم الطوارئ. ترى أن عمل الليل أخطر وأقسى على المرأة بالمقارنة مع الرجل، خصوصاً أنّ سوء الظنّ لا يرحمها. وتشير إلى أنّ "الرجل أكثر تحمّلاً لضغوط العمل ليلاً. وحين يعود إلى بيته نهاراً، لا يكون مرغماً على الطهي وتنظيف المنزل ومتابعة شؤون الأولاد، بعكس المرأة التي تجد نفسها مجبرة على القيام بكلّ هذه الأعمال نهاراً، بالإضافة إلى عملها ليلاً". وتقرّ أنّ "الأمر كان صعباً بالنسبة إليّ، خصوصاً في السنوات الأولى. كنت أشعر بخلل كبير في حياتي لأنّني أعمل عندما ينام معظم الناس، وأرتاح حين يعمل هؤلاء". تضيف: "ارتبكت حياتي تماماً، وفقدت الشعور بمتعة الحياة بسبب هذا العمل".
تتابع فدوى أنّ علاقتها مع محيطها تغيّرت وتأثّرت سلبياً بسبب انغماسها في العمل منذ ساعات الليل الأولى وحتى وقت متأخر منه، وأحياناً حتى ساعات الفجر. لم تعد تتواصل كما يجب مع معارفها وأسرتها. في الليل، تعمل في المستشفى وفي النهار تنام قليلاً قبل أن تستيقظ لمتابعة شؤون المنزل. لكنّها اليوم اعتادت على نمط حياتها هذا. المهمّ بالنسبة إليها تأمين كلّ احتياجات أطفالها.
لا تبدو حال الطبيبة سهام مزايك أفضل حالاً، هي التي تتناوب مع زملائها لتغطية الدوام في الليل والنهار. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ العمل في الليل "يجعل الإنسان يشعر بعزلة في محيطه، حتى لو أحاط نفسه بآلاف الأشخاص. الطبيعة تحكم على الناس العمل نهاراً والنوم ليلاً". تضيف أنّ عملها في الليل يجعلها عرضة للانتقادات من قبل المحيطين بها، خصوصاً جيرانها وسائقي سيارات الأجرة. وتتابع أنّها كلّما عادت إلى البيت عند ساعات الفجر الأولى، "ألاحظ أنّ بعض الناس يحدّقون بي بقسوة. في بعض الأحيان أسمع الشتائم".
تخبر سهام أنّها في إحدى المرات، استقلّت سيارة أجرة ليلاً عائدة من عملها إلى بيتها في الرباط. في تلك الليلة، تجرأ سائق التاكسي، وكان كبيراً في السن، على نصحها بالتوبة و"العدول عن مهنة الحرام". لم يكن منها إلا أن صرخت في وجهه بأن يتوقف عن الكلام ولا يتّهم الناس بالباطل.
في بعض الأحيان، حين تمرّ أمام شبان حيّها العاطلين من العمل، تسمع كلمات نابية، "فأحتار كيف أدافع عن نفسي". وفي سعيها إلى التخلّص من كلّ ما تسمعه، قرّرت ارتداء وزرة الطبيب البيضاء وهي عائدة إلى بيتها في ساعات الصباح الأولى. منذ ذلك الوقت، "توقّف كثيرون عن انتقادي وشتمي".
ليلى، رفضت الكشف عن هويّتها، تعمل في أحد فنادق مراكش في فترات الليل أيضاً، بالتناوب مع زملائها. تقول لـ "العربي الجديد": "تعرّضت للتحرش الجنسي أكثر من مرّة بسبب عملي في الليل، سواء من قبل الزبائن أو في الشارع، وذلك عند مغادرتي منزل والدَيّ ليلاً أو بعد العودة إليه". وتلفت إلى أنّ نظرات الناس وتشكيكهم في حسن أخلاق العاملات وارتباك الحياة اليومية، هي من نتائج العمل ليلاً.
في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ "العربي الجديد" إنّ "ضريبة العمل في الليل تُعدّ أكبر بالنسبة إلى النساء بالمقارنة مع الرجال، نظراً للطبيعة الذكورية في المجتمع المغربي". تضيف: "تجدر الإشارة إلى أنّ عمل المرأة حالياً في بعض المهن الليلية هو نتيجة تغيّرات عميقة طرأت على المجتمع. في الماضي، كان من النادر العثور على امرأة تعمل ليلاً بحكم العادات والتقاليد والخوف من كلام الناس الذي يؤثّر في سمعتها. لكن في نهاية المطاف، أتت الضغوط الاقتصادية والرغبة في إثبات الذات كدافع لتتجاوز تقاليد مجتمعها، علماً أن المجتمع الذكوري ما زال ينظر إلى عمل المرأة في الليل بطريقة سيئة".