مفاجأة "المؤتمر الوطني" السوداني المكشوفة
تتسارع الخطى في الخرطوم نحو عقد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، فقد انتهت مؤتمرات فروع الحزب في الولايات (الأقاليم)، ثم تتواصل، هذه الأيام، اجتماعات هيئاته القيادية، قيادة الشورى ثم مجاس الشورى المركزي والمكتب القيادي، وصولاً إلى عقد المؤتمر العام غدا الخميس، 23 أكتوبر/تشرين أول الحالي. وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني يعقد اجتماعاته ومؤتمراته بشكل راتب، إلا أن هذا المؤتمر يكتسب أهميته من أنه سيحسم الجدل حول مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقرر لها العام المقبل، وما إذا كان الرئيس عمر البشير سيترشح لدورة جديدة، أم أنه سيتنحى لإفساح المجال لوجه جديد، كما سبق وأعلن. وبحسب الترتيبات، من المفترض أن يختار مجلس شورى الحزب خمسة مرشحين، يدفع بهم إلى المؤتمر العام، ليختار من بينهم مرشح الحزب، وهو الترتيب نفسه الذي جرى في الولايات، ولم يحسم بعد.
وبحسب تسريبات تتداولها صحافة الخرطوم، وكثير منها محسوب على الحزب الحاكم، من المرجح أن يكون الرئيس البشير، ونائبه الأول، الفريق بكري حسن صالح، والنائب الثاني، الدكتور حسبو محمد عبد الرحمن، ومساعد الرئيس، البروفيسور إبراهيم غندور، من بين المرشحين، بجانب القياديين السابقين، علي عثمان محمد طه، النائب الأول السابق للرئيس، والدكتور نافع علي نافع الذي شغل منصب مساعد الرئيس ونائب رئيس الحزب.
وعلى الرغم من تسريبات كثيرة عن وجود تكتلات وجماعات ضغط وتأييد سياسي وقبلي وجهوي لهذا المرشح، أو ذاك، إلا أن المطلعين على دقائق الأمور يجزمون بأن الأمر كله بيد الرئيس البشير، وأنه وحده من سيحدد مجرى الأحداث. فإن بدت منه رغبة في تجديد ترشيحه، وهو ما ترجحه معطيات كثيرة، فكل عمليات الترشيح والتأييد والتكتللات ستصبح بلا معنى، لأن لا أحد من قياديي الحزب، الحاليين والسابقين، يجرؤ على الترشح الحقيقي والجاد أمام الرئيس البشير. أما إن ظهر أن رغبة الرئيس في التنحي حقيقية، وعلى الرغم من الاعتقاد أنه، في هذه الحالة، سيرشح نائبه وصديقه المقرب، الفريق بكري حسن صالح، فمن المرجح أن تطل لدى بعضهم رغبات قديمة في خلافة البشير، ما يعني إمكانية ظهور مرشحين مستعدين لمنافسة الفريق بكري.
ويتم استبعاد احتمال تنحي الرئيس البشير، لأن هذه النغمة التي سادت، في العامين الأخيرين، قد تراجعت كثيراً، وظهرت بدلا منها تحركات وتصريحات من قيادات كبيرة في "المؤتمر الوطني"، تؤكد أن البشير هو مرشح الحزب الوحيد، بل أن حتى المنافسين المحتملين، أو الطامعين السابقين، طه ونافع، أدليا بتصريحات متعددة، أخيراً، تتجه نحو التمسك بترشيح البشير. وحده الدكتور أمين حسن عمر، قيادي الحزب والوزير السابق المسؤول حالياً عن مكتب متابعة سلام دارفور، خرج للعلن متحدثاً عن أن من الأصلح ألا يجدد البشير ترشيحه، وبدا صوته نشازاً وسط قيادات حزبه.
المرجحون لاستمرار البشير يستندون، كما قلنا، على تراجع نغمة رغبته في الابتعاد وخفوت الأصوات الداعية لذلك، وتوقفه شخصياً عن تكرار الحديث في مسألة رغبته في عدم الترشح. أضف إلى ذلك تعديلات أجراها قبل حوالي العام، وأبعد فيها المنافسين المحتملين من قيادات الحزب. وكانت قيادات قد اقتنعت بإمكان عدم ترشح البشير، وبدأت في طرح وتسويق نفسها مباشرة، أو عبر مؤيدين من داخل قيادات الحزب الحاكم، ومنهم نافع وعلي عثمان طه، بجانب رئيس جهاز الأمن السابق، الفريق صلاح قوش، وقد أخرجوا من مناصبهم بطرق مختلفة. وكذلك كان مصير الدكتور غازي صلاح الدين، أعلى المنادين من داخل الحزب بعدم دستورية ترشح الرئيس البشير مرة أخرى، إذ اضطر للخروج من الحزب وتأسيس حركة إصلاحية جديدة.
ولا يختلف المتابعون للأوضاع السياسية في السودان على أن بقاء سيف المحكمة الجنائية الدولية مسلطاً على الرئيس البشير هو السبب الرئيسي الذي يجعل تنحيه طواعية عن السلطة من المستحيلات. فالرجل يجد بقاءه في منصبه أكبر ضمانة لسلامته وحمايته الشخصية، ومن المستبعد أن تشارك أي من دول المنطقة، ودول كثيرة، بغض النظر عن موقفها من حكومة السودان، في أي عملية أو محاولة لتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، بأي طريقة. بينما قد يشكل خروجه من السلطة وزوال الحصانة الرسمية عنه إغراءً لأي مجموعة من المغامرين، أفرادا أو حكومات، لمحاولة التسليم.
ومما زاد في ترجيح كفة بقاء البشير، وترشيحه من حزبه لدورة جديدة، مراهنة بعض فصائل المعارضة عليه، لإحداث تغيير كبير في الأوضاع السياسية في البلاد، باعتباره أقوى من الحزب والحكومة. وبالتالي، أقدر على الدخول في صفقة سياسية جديدة، تضمن إحداث تحول في البلاد، في مقابل تأييد مسألة بقائه في قيادة الدولة.
وفي ظل هذا الحراك، ما زال بعضهم يتساءل عن إمكانية إجراء انتخابات عامة في البلاد، في النصف الأول من عام 2015، في حين أن عملية الحوار الوطني ما زالت متعثرة، وكل الأحزاب، حتى الحليفة والشريكة ل "المؤتمر الوطني" تعلن مقاطعتها الانتخابات، يستوي في ذلك حزب المؤتمر الشعبي، بقيادة الشيخ حسن الترابي، وحركة الإصلاح الآن، بقيادة غازي صلاح الدين.
والحقيقة أن كل الظروف المحلية والاقليمية والدولية تسير عكس عجلة الانتخابات، إلا أن حزب المؤتمر الوطني يبدو ماضياً في هذا الاتجاه إلى نهاياته، فهو يكمل بناءه الحزبي لمرحلة تحديد المرشحين لكل المواقع، كما أكمل تعيين طاقم مفوضية الانتخابات، وبدأت المفوضية في إجراءات فتح سجل الناخبين.
رسالة "المؤتمر الوطني" واضحة، عملية الحوار الوطني يجب أن تسير في الاتجاه الذي يريده، وإلا فإنه سيجري الانتخابات بالطريقة التي يريدها ويجيدها، وهو الأكثر جاهزية لها، والأقدر من حيث الإمكانات.