وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، في بيان صحافي، إنّ عبد المهدي استقبل البارزاني، في العاصمة بغداد، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، وذلك في أول زيارة يقوم بها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى بغداد، بعد أزمة استفتاء انفصال كردستان الذي أجري نهاية أيلول/سبتمبر 2017، والذي تسبب في أزمات كبيرة بين بغداد وأربيل، ودفع القوات الحكومية إلى استعادة السيطرة على كركوك. وقال عبد المهدي، خلال مؤتمر صحافي مشترك، عقده مع البارزاني، إنّ الأخير "أحد القادة البارزين على مستوى المنطقة والعالم، وأنّ زيارته إلى بغداد لها أهمية كبيرة". من جهته، قال البارزاني، خلال المؤتمر، إنّ "زيارتي إلى بغداد هي من أجل تهنئة أخي وصديقي دولة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة". وفيما عبّر عن "الدعم الكامل لعبد المهدي"، أضاف "سنتواصل في سبيل تعزيز العلاقات والثقة التي كانت موجودة أصلاً، ولحل الإشكالات العالقة".
من جهته، قال مسؤول قريب من مكتب عبد المهدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ من أهم الملفات التي بُحثت بين الطرفين ملف تشكيل الحكومة وحصة الأكراد فيها، فضلاً عن الملفات العالقة بين بغداد وأربيل. وأوضح أن "البارزاني ركز على موضوع عودة البشمركة إلى كركوك، وأكد أنّ عودة البشمركة بنسبة معينة ستقلل من حدة الخلاف وتسهل من حل الأزمات العالقة بين الجانبين". وأشار إلى أنّ "الطرفين متقاربان في وجهتي نظريهما تجاه حل الأزمات بين بغداد وأربيل، وأنّ الاجتماع كان اجتماعا متميزاً، بما يؤشر إلى صفحة جديدة من العلاقات المشتركة".
وأثارت هذه الزيارة، مخاوف مكونات محافظة كركوك من عقد اتفاقيات وصفقات بشأن المحافظة. وقال القيادي التركماني في تحالف الإصلاح، عبد الله البياتي، في حديث مع "العربي الجديد"، "نخشى من عقد صفقات جديدة تعيد البشمركة وسيطرة الأكراد على المحافظة"، مبيناً أنّ "مسؤولي المحافظة من العرب والتركمان سيعقدون اجتماعا لبحث مجريات الأحداث السياسية، وسنخرج برؤى مشتركة تخدم كركوك، بكل مكوناتها". وقبيل زيارة البارزاني كان مسؤول عراقي في بغداد أشار إلى مفاوضات متقطعة وغير معلنة بين الأكراد وعبد المهدي بشأن كركوك والملفات العالقة بين الجانبين، بينها ملف النفط في المحافظة، الذي تم الاتفاق أخيراً على تصديره عبر إقليم كردستان. وقال المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إنّ "الجانب الكردي يستغل مفاوضاته مع عبد المهدي، عبر طرح ملف كركوك وتحديداً إعادة لواء من قوات البشمركة إليها واستعادة الأكراد لمنصب المحافظ". وأشار إلى أنّ "التسريبات بشأن تلك المفاوضات، تكشف عن سعي عبد المهدي للتقارب مع الأكراد، من خلال تقديم تنازلات وتسهيلات لهم، كخطوة أولى لفتح الحوار معهم بشكل رسمي".
من جهته، قال النائب عن تحالف "النصر"، رشيد عدّاي، في تصريح صحافي، إنّ "عبد المهدي لديه علاقات إيجابية وجيدة مع الأحزاب الكردية، وسيعمل على استغلال هذه العلاقة، لحل المشاكل العالقة بين الجانبين". وأكد أنّ "عبد المهدي سيعمل على ملف كركوك بعيداً عن التشنجات، من أجل الوصول إلى تفاهمات واتفاقات مشتركة، حول إدارة المحافظة"، متسائلاً عن "إمكانية إعادة البشمركة إلى المناطق المتنازع عليها، والسماح بعودة السطوة الكردية على محافظة كركوك؟".
كما قال النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، شاخوان عبد الله، في تصريح صحافي، قبل اللقاء إنّ "أهم شرط من شروط زعيم الحزب الديمقراطي، مسعود البارزاني، لفتح باب الحوار مع بغداد بشأن كركوك هو خروج القوات العسكرية العراقية من كركوك، وأن يتم تشكيل إدارة مشتركة فيها". وأكد أنّ "هذا الشرط يشكل نقطة رئيسية في أحدث مشروع للحزب الديمقراطي لتطبيع أوضاع كركوك"، موضحاً أنّ "الحزب بدأ اجتماعات ولقاءات على مستوى عالٍ، ويحاول الاتفاق مع القوى السنية والحكومة العراقية الجديدة". وأوضح أنّ "المشروع تم تداوله مع قوى سياسية في بغداد، وأنّ البارزاني سيبحث وضع كركوك مع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بهدف إنهاء حالة العسكرة في المحافظة".
ويؤكد مراقبون أنّ عبد المهدي لا يتحمل لوحده مسؤولية التقارب مع الأكراد، إذ إنّ المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الكتل السياسية التي دعمته للوصول إلى رئاسة الحكومة، ثم تنصلت من دعمه. وقال الخبير السياسي، غسان عبد الرزاق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكتل التي دعمت عبد المهدي وأوصلته إلى رئاسة الحكومة، تنصلت عن دعمه، وتتصارع على تحقيق مكاسب سياسية، ما تسبب بإحراج عبد المهدي وعدم قدرته على إكمال تشكيلته الحكومية". وأوضح أنّ "كل هذه الضغوط دفعت عبد المهدي للتوجه نحو الجانب الكردي بحثاً عن جهة تدعمه، وبالتأكيد فإنّ كل جهة سياسية تسعى لتحقيق مكاسب، الأمر الذي منح الأكراد فرصة تمرير مطالبهم"، مشدّداً على أنّ "هذه الأجواء السياسية ستنعكس سلباً على كركوك، وأنّ إعادة سيطرة الأكراد عليها أمر أصبح وارداً، إلّا في حال تحملت الكتل السياسية مسؤوليتها وأعادت دعمها لعبد المهدي". وتحذّر مكونات محافظة كركوك، من العرب والتركمان، من مغبة عودة سيطرة الأكراد على المحافظة، ما يعني عودة الصراع المكوناتي فيها، ما سيؤدي إلى اهتزاز الاستقرار الأمني فيها. وكانت الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي، قد سيطرت على كركوك والمناطق المتنازع عليها، وأخرجت البشمركة منها، عقب استفتاء كردستان، نهاية سبتمبر/أيلول العام 2017.