تفصل إيران والسداسية الدولية ساعات عن قرار مصيري، قد يغيّر مجرى الأيام الآتية، في ظلّ إمكانية التوصّل إلى اتفاق بين طهران ودول "5+1" ينهي المسألة النووية. كما يترقّب الداخل الإيراني، مآل اللحظات الحاسمة، لمعرفة مصير تخصيب اليورانيوم والحظر الاقتصادي المفروض على البلاد.
ومن المفترض أن تكون جولة المحادثات في العاصمة النمسوية فيينا، الأخيرة، فاتفاق جنيف المؤقت، والموقّع العام الماضي، سيُصبح نافذاً غداً الثلاثاء، وعلى هذا الأساس ستنتهي مهلة التفاوض، بعد عام من تعليق العقوبات المفروضة على إيران، في مقابل إيقاف طهران التخصيب بنسبة 20 في المائة.
وركزت كل الصحف الإيرانية في صفحاتها الأولى، أمس الأحد، على آخر التطورات النووية، خصوصاً حضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى فيينا. إذ أعادوا إلى الأذهان حضورهم مجريات اتفاق العام الماضي، حين اجتمعوا للإعلان عن الاتفاق المؤقت، وهو ما اعتُبر في إيران في حينه "إنجازاً تاريخياً".
وقد يكون الاتفاق، صيغة جديدة منقحة عن اتفاق جنيف، الذي تم تمديده مرة في يوليو/تموز الماضي. فاتفاق جنيف سيصبح نافذاً بكل الأحوال، لكن "جوان" استبعدت نسف سياسة الحوار بالمطلق، وتوقّعت استمراره لأشهر أخرى، بعد التوصّل لاتفاق يسمح بتجميد العقوبات، ما سيُعدّ امتيازاً لإيران، مع أن هذا الأمر سيُبقي على تفاصيل خلافية أخرى، سيتمّ التفاوض لاحقاً حولها.
كما رجّحت صحيفة "كيهان"، حصول التوافق في الملف النووي، على الرغم من أنها انتقدته علناً، واعتبرته "نسخة عن اتفاق جنيف، الذي وثق فيه الإيرانيون بداية، ولكنه كان اتفاقاً استمرّ لعام كامل واستمرت معه سياسة الولايات المتحدة بفرض المزيد من العقوبات على إيران".
وتساءلت "كيهان" عن الفائدة التي قد تنجم عن اتفاق من هذا النوع، في وقت التزمت فيه طهران طيلة العام الماضي بتعهداتها حسب الصحيفة. إذ أوقفت البلاد التخصيب بنسبة 20 في المائة، ورققت اليورانيوم العالي التخصيب إلى أكسيد اليورانيوم، ومع هذا ترفض واشنطن منح طهران الحق في التخلص من الحظر المفروض عليها، وهي النقطة الأصعب التي تقف بوجه التوافق حالياً. لا بل إن الكونغرس يناقش فرض عقوبات جديدة حسب "كيهان".
وأضافت الصحيفة أن "الهدف الأول من عدم توقيع اتفاق نهائي، هو إخضاع طهران للشروط الغربية تدريجياً". وأشارت إلى أن "أي اتفاق مؤقت، سيؤدي إلى تراجع نشاط إيران النووي، ويجعل البلاد غير قادرة على اللحاق بركب الدول المتقدمة".
كما يتحدث الفريق الإيراني المفاوض برئاسة وزير خارجية البلاد محمد جواد ظريف، عن صعوبة مسار المحادثات، لكنه لم يخفِ تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق، بغضّ النظر عن كونه دائماً أو مؤقتاً. إذ إن الجميع بات يرجّح صيغة شبيهة لجنيف، وفي حال حدوث سيناريو من هذا النوع، سيجد الوفد المفاوض وقتاً للاحتفال بهذا الإنجاز، كما ستفعل الولايات المتحدة أيضاً.
ويقول المراقبون، إن "طهران وواشنطن تبحثان عن صيغة مرضية، ولو بشكل نسبي في الوقت الحالي، فكلاهما يعلمان أن اتفاقاً نهائياً مطمئناً ومرضياً بالكامل لإيران أو للغرب، أمر شبه مستحيل، ولكنهما يبحثان عن مخرج لا يبدد الحوار المستمر لأكثر من عام ولا يخلق تبعات سلبية في الداخل الإيراني أو الأميركي، في وقت يتربّص فيه صقور المحافظين الإيرانيين بظريف وفريقه، وينتظر جمهوريو أميركا الذين سيطروا على الكونغرس فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما".
فعندما توالت الأنباء عن احتمال عودة ظريف من فيينا إلى طهران، للتشاور مع المعنيين مساء الجمعة الماضي، عاد الفريق النووي وأكد أنه لم تطرأ أي مستجدات تستدعي مغادرة الرجل. ولكن التسريبات أفادت عن تلقّي ظريف اتصالاً هاتفياً من القيادة العليا في إيران، والمقصود هنا مؤسسة المرشد الأعلى، الذي يواكب المستجدات أولاً بأول، فطلب من ظريف البقاء وتقديم التسهيلات اللازمة للتوصل لاتفاق، ولو كان مؤقتاً. وسيتضمن الاتفاق المرتقب، نقاطاً هامة، وسيكون أولها تجميد العقوبات على إيران لأشهر أخرى، يستمر خلالها التفاوض حول بعض النقاط التي ستبقى عالقة على طاولة الحوار.
فإيران ترغب بتوقيع اتفاق يلغي الحظر عليها، ويسمح لها بالحصول على يورانيوم مخصب أو وقود نووي بغض النظر عن الصيغة. كما بات من المحتمل أن ترضى طهران بتقديم تنازلات على هذا الصعيد، والاتفاق مع طرف ثالث، روسيا على الأرجح، لتأمين الوقود للمفاعلات.
ولكن النقطة الخلافية الأخرى تتعلق بمفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل، فعلى الرغم أن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، طرحت إعادة تصميم قلب المفاعل ليعمل بالماء الخفيف، لكنه لن يكون كافياً لتبديد شكوك الغرب.
أما النقطة الأخيرة فتتعلق بمدة الاتفاق، فحتى لو رضيت طهران خلال هذه المرحلة بالحصول على اليورانيوم من الخارج، أو الاستغناء عن أجهزة الطرد، وهو أمر مستبعد، فلن ترضى باتفاق يستمر لربع قرن، كما يريد الطرف الأميركي على سبيل المثال، فايران تتحدث عن مدة لا تتخطى السبعة أعوام.
ووسط كل هذا، تؤدي بعض العوامل الخارجية، دوراً في صياغة الاتفاق، فالطرف الفرنسي يمثل الطرف المعارض المتشدد على طاولة الحوار، ويعزو خبراء الأمر إلى العلاقات الفرنسية السعودية من جهة، وإلى "التفهّم" الأميركي لإسرائيل، التي لا تريد منح إيران أي امتيازات.
إلا أن الجميع بات متأكداً من أن لواشنطن وطهران مصلحة في التوصل لصيغة لا تنسف الحوار في الوقت الحالي، وتحقق النجاح لسياسة حكومة البلدين، وهو ما سيدعم توجههما معاً نحو تعاون من نوع آخر، لحلحلة بعض القضايا الإقليمية كمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويعني ذلك أن مسألة النووي لن تنتهي بين ليلة وضحاها، حتى ولو تمّ توقيع اتفاق، لكنه لن يكون المرجو ولا المأمول منه لا من طهران ولا من الغرب، لكن الوضع الحالي يقتضي توجهاً من هذا النوع، بحسب مراقبين.