تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة بين اللغة العربية ولغات العالم المختلفة اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ وما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
- بدأت كنوع من التّحدّي. كنت حينها في السنة الثانية من دراستي الجامعيّة ووقع بين يديّ كتاب للفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت. قلت في نفسي سأترجم هذا الكتاب إلى العربية وسيكون مشروع تخرّج من الجامعة. لم أفكر حينها في نشره. وفعلاً، بعد سنتين انتهيت من ترجمة الكتاب بالتزامن مع تخرّجي من قسم اللغة الإسبانية وآدابها. وكان كتاب "تجريد الفن من النزعة الإنسانيّة" أول كتاب أترجمه عن الإسبانية ويُنشر. قريباً ستصدر طبعة ثانية من الكتاب وهذا دليل على أهميته. أما أول مادة أدبية أُترجمها وأنشرها فكانت قصة قصيرة بعنوان "ثورة" عرضتها على الكاتب أسامة إسبر فأعجبته ونُشرت في مجلة "فكر".
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ترجمة لي نُشرت منذ شهرين وهي كتاب "آلهات الحدود" للفنانة التشكيلية كلارا كارباخال، وقد صدر الكتاب باللغة العربية في إسبانيا. حالياً أعمل كالأخطبوط في أكثر من مشروع ترجمة إلى العربية والإسبانية على السواء. أكاد أنتهي من ترجمة رواية لمانويل ريفاس بعنوان "الأصوات المرتعشة" ستصدر عن دار نينوى قريباً. كذلك سأنتهي من ترجمة أنطولوجيا للقصة القصيرة جداً ستصدر عن دار أوغاريت. وفي الشعر أضع اللمسات الأخيرة على ترجمة لديوان شاعرة مكسيكية بعنوان "عندما يموت البحر" سيصدر عن دار التكوين. أما إلى الإسبانية، فانتهيت مؤخراً من ترجمة ديوان الشاعر أدونيس "أول الجسد آخر البحر" وستصدر الترجمة في مايو عن دار باسو روتو الإسبانية.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية، وكمترجم إليها؟
- العقبات كثيرة، بدءاً من تلك المتعلقة بطبيعة كل لغة، بما في ذلك اللغة العربية نفسها. أعتقد بصعوبة إتقان الكتابة باللغة العربية، حتى بالنسبة لنا نحن أبناء اللغة. يمكن أن يمضي المرء عمره في تعلّم اللغة العربية. ثمة أيضاً عقبات أخرى مثل عقبة تعريب المصطلحات العلمية والتقنية الحديثة في ظل افتقار المكتبة العربية إلى معاجم تخصصيّة في بعض اللغات، كما هو الحال في الإسبانية على سبيل المثال. وصولاً إلى عقبات من نوع لوجستي أو إداري مرتبطة بعدم وجود خطط ومشاريع ترجمة. فضلاً عن عقبات التمويل ودور النشر وهضم حقوق المترجم وما إلى ذلك. أما بالنسبة لتجربتي في الترجمة إلى الإسبانية فالعقبة الكبرى التي أواجهها مرتبطة باللغة وجمالية النص، لا سيما إذا كان شعراً. أنا دائماً أسأل نفسي متى سأكون قادراً على ترجمة شعر المتنبي إلى الإسبانية؟
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- أعتقد أن السؤال هل يوجد فكرٌ عربيٌّ؟ وفي حال وجوده أين هو؟ وهل يصل إلى الخارج؟ أين هي المؤسسات الثقافية العربية التي تروّجه وتنشره في الخارج؟ حتى الترجمات الموجودة للفكر العربي حالياً، وهنا أتحدّث عن إسبانيا بحكم إقامتي فيها، كلها ترجمات لمفكرين من القرن التاسع عشر. تصوّر مؤخراً صدرت ترجمة إسبانية لكتاب "طبائع الاستبداد". إذاً ما أريد قوله هو أن الأمر يتعلق بعدم وجود فكر عربي حقيقي معاصر، وفي حال وجوده، تفتقر المؤسسة الثقافية العربية إلى الوعي الاستراتيجي لنشره في الخارج. بهذا المعنى من الطبيعي التوجّه إلى ترجمة الأدب العربي، ولا سيّما الشعر والرواية. حالياً ثمّة محاولة مهمة في إسبانيا من قبل مجلة بانيبال. أتمنّى أن تُدعم هذه المحاولة بالمال الكافي من قبل المؤسسات الثقافية.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- كل الكتب التي ترجمتها إلى العربية كانت بمبادرة مني وبناء على ذائقتي الشخصيّة. وقد نالت استحسان دور النشر. مؤخراً تواصلت معي بعض دور النشر العربية وعرضت عليّ كتباً لترجمتها. قبلت بعضها ورفضت الآخر لأسباب لها علاقة بالأجر. منذ فترة راسلتني دار نشر لبنانية لترجمة رواية لكاتب تشيلي وطلبت مني ترجمة بعض الصفحات واقتراح عنوان مناسب للرواية. قمت بالمطلوب بناءً على قناعاتي، وكانت الرواية صعبة الترجمة نظراً لكثرة العبارات الجنسية التي، بطبيعة الحال، تقوم عليها دعائم النص الروائي. بعد فترة أخبرتني دار النشر أنهم اعتمدوا مترجماً آخر. منذ أسبوع تقريباً اطلعت على الترجمة ورأيت أن كل عبارات الجنس، التي تشكل دعامة الرواية، ترجمت على الشكل الآتي: ممارسة الحب. هذه حادثة يجب أخذها بعين الاعتبار. بالنسبة للترجمة إلى الإسبانية، جميعها تمت بناءً على اتفاق مسبق بيني وبين الناشر الإسباني.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك الأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- كل شيء في هذه الحياة سياسة، بما في ذلك الترجمة. ولهذا تحظى السياسة بهذه الأهمية في عالمنا. أعتقد بضرورة الاختلاف واحترام الرأي الآخر وضرورة التعبير عنه. في نهاية الأمر المترجم ينقل الفكر، ولا يتبناه بالضرورة.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- عادةً ما أطبق ما يقوله أبو نواس (تَصِفُ الطّلولَ على السّماعِ بها/ أفذو العِيانِ كأنت في العِلْمِ. وإذا وَصَفْتَ الشّيءَ مُتّبِعاً/ لمْ تخْل من زَلَلٍ، ومن وَهْمِ). أي أنني أحاول الابتعاد عن الوصف، وأقصد بالوصف الكتب التي تشرح أفكار الكاتب. أذهب مباشرة إلى النبع، إلى كتبه ومؤلفاته نفسها وأغرق نفسي فيها. بهذا المعنى أستطيع القول إن علاقتي معهم مباشرة. علاقة قراءة.
■ كثيراً ما يكون المترجم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- لي محاولات خجولة في كتابة الشعر أحتفظ بها لنفسي، فضلاً عن كتابات أخرى في مجلات وصحف مختلفة. الترجمة، في العمق، إبداعٌ آخر شأنها شأن الكتابة. والمترجم مبدع آخر شأنه شأن الكاتب. أعتقد أن الترجمة تفتح آفاقاً لغوية جديدة على الكاتب. إذا جمعت بين الأمرين سيزيد ذلك من جودة النص المكتوب أو المُترجم.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- عادتي الوحيدة هي القراءة. أقرأ كثيراً قبل أن أترجم. أتذكر أنني قبل أن أبدأ بترجمة أدونيس إلى الإسبانية قرأت معظم شعر الحداثة الإسباني وغالبية شعراء جيل الـ27. كذلك الأمر عندما أترجم إلى العربية. إذا كنت أمام نص روائي أقرأ روايات كثيرة، وإذا كنت أمام نص شعري أقرأ شعراً، وهكذا. أعتقد بضرورة خلق مرجعية لغوية تراكمية أعود إليها أمام أي مطب لغوي يعترضني. يومياً أستيقظ الساعة السادسة وأعمل في الترجمة. في كثير من الأحيان، أيضاً، وبعد الانتهاء من الترجمة، أرسل نصوصي إلى أصدقاء كتّاب ومترجمين لإبداء الرأي.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- حتى الآن لم أندم على أي نص ترجمته.
■ ما الذي تتمناه للترجمة من اللغة العربية وإليها، وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنى أن تلعب دوراً تحريضياً في ثقافتنا العربية، لا سيّما في ما يتعلق بالتأثير على أسلوب الكتابة وتحرير اللغة العربية وتجديدها. كذلك أتمنى أن تساهم في الجدل الفكري وطرح الأسئلة على الثوابت الدينية في مجتمعاتنا العربية في ضوء النظرة العلمية إلى الوجود. أما حلمي كمترجم فهو تأليف قاموس إسباني عربي يساعد الباحثين والمترجمين من الإسبانية إلى العربية في ضوء النقص القاموسي الواضح.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- الأدب العربي هو جزء من الأدب العالمي بشكل عام ويساعد الآخر في التعرّف على التغيّرات الجوهرية التي حدثت ولا تزال تحدث في العالم العربي، وذلك من خلال النزعات الأدبية والفنية المختلفة سواء في الرواية أو الشعر أو المسرح أو السينما، إضافة إلى التيارات الأيديولوجية والسياسية. وعندما ننقل هذا الأدب، إنما ننقل في حقيقة الأمر ثقافتنا. بالتالي أنت بذلك تتيح للآخر إمكانية التعرّف عليك، على أعماق ثقافتك. فيتماهى بك ويصبح أنت كما يقول التوحيدي: "الآخر هو أنت".
بطاقة
كاتب ومترجم سوري من مواليد دمشق عام 1989، يقيم في إسبانيا. حاصل على إجازة في الأدب الإسباني من جامعة دمشق، وماجستير في الترجمة من جامعة ألكالا دي هنارس، ويعد الآن لنيل درجة الدكتوراه في دراسات الترجمة. من ترجماته إلى العربية: "تجريد الفن من النزعة الإنسانية" لـ خوسيه أورتيغا إي غاسيت (2013)؛ "الأدب الإسباني في القرن العشرين" (2014)؛ رواية "الضباب" لـ ميغيل دي أونامونو (2015)؛ مسرحية "المنور" لـ أنطونيو بويرو باييخو (2017)؛ "آِلهات الحدود" لـ كلارا كارباخال (2020). وله في الترجمة إلى اللغة الإسبانية: "ديوان الشاعرات العربيات المعاصرات" (2016)؛ "سوريا. بيو كابانياس" (2019)؛ "أول الجسد آخر البحر" لـ أدونيس (2020). وله في البحث الأكاديمي كتاب بعنوان "السلطة والمفكرون في الأندلس" صدر بالإسبانية عن مؤسسة ابن طفيل الإسبانية (2017) ضمن "الموسوعة الثقافية الأندلسية" بالاشتراك مع خورخي ليرولا وعبد النور باديلو.