29 سبتمبر 2017
مقابلتي الصحافية مع نصرالله
أجريت مقابلة، لصحيفة فلسطينية في رام الله، مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، نُشرت في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2000. وفي حرب يوليو/تموز عام 2006 التي عشتها متنقلاً بين صيدا وعين الحلوة وبيروت، كتبت رسالة إلى السيد نصرالله، عبر أحد كوادر الحزب، طالباً مقابلة خاصة في أثناء الحرب لنشرها في جريدة الاتحاد في حيفا التي أصابتها صواريخ حزب الله، لكن الظروف الأمنية له في أيام الحرب لم تسمح بذلك، وتم اقتراح مقابلة مع نائبه السيد نعيم قاسم، فلم أوافق.
كانت رسالتي تلك، وهذا اعتراف، تفيض بشحنات عاطفية جيّاشة لشخص نصرالله، فعلى الرغم من موقفي الضمني ضد تلك الحرب التي رأيت فيها انهيار لبنان وتدمير أوصاله، ومقتل كثيرين من أطفاله ونسائه ورجاله، إلاّ أنني لم أتمالك إبداء تعاطفي مع مشهد تدمير دبابات الميركافا في وادي الحجير في جنوب لبنان الذي تطل عليه قرية أمي القنطرة، ومشاركة بعض أقاربي في القتال، واستشهاد التوأمين الشابين فادي وشادي، ابنيّ ابنة خالي الأكبر، في المعارك التي دارت في تلك المنطقة.
أعترف، بعد خمسة عشر عاماً على ذلك اللقاء الوحيد، أن الأسباب التي دفعتني إلى طلبها لم تكن سعياً وراء سبق صحافي، وإنما كان دافعي الأول والأخير فلسطينياً خالصاً، ففي تلك الأيام، كان المجتمع الفلسطيني في مدينة الناصرة، وربما في كل فلسطين، مهدداً بانقسام خُشي أن يتخذ طريقاً طائفياً خطيراً، فقد برز خلافٌ شديد بين الحركة الإسلامية في الداخل ورئيس بلدية الناصرة، رامز جرايسي، وجبهته حول مشروع بناء جامع على أرض الساحة الملاصقة لكنيسة البشارة في الناصرة، ما أنذر بما يشبه صراعاً مسيحياً مسلماً بين الفلسطينيين. كنت أعرف أن للسيد حسن نصرالله، في تلك الحقبة، مكانة في قلوب الفلسطينيين، وأنه باعتباره زعيم حزب رفع لواء القتال ضد إسرائيل، وعالم دين معمم، قد يكون لرأيه المعلن في قضية مسجد شهاب الدين في الناصرة ما يؤثر على الإسلاميين هناك، وتخفيف اندفاعتهم نحو التصعيد مع مجتمع الناصرة ومسيحييها، كي لا تستفيد إسرائيل من الشقاق داخل الصف الوطني الفلسطيني.
كانت المفاجأة، في تلك المقابلة، أن المستشار الصحافي للسيد نصرالله الذي جلس معي، قبيل المقابلة، ليعرف طبيعة الأسئلة التي سأطرحها، وحين ذكرت له موضوع الخلافات الفلسطينية في الناصرة بشأن مسجد شهاب الدين، طلب مني بإصرار، بلهجة عراقية واضحة، أن لا أطرح هذا الموضوع على نصرالله، وحين أبديت دهشتي، وسألت لماذا، كان جوابه بأنهم يفضلون في حزب الله ألا يدخلوا في تفاصيل هذا الموضوع تحديداً، فأجبته إنني، بصفتي صحافياً، لا أعدك بألا أطرح هذا السؤال، وهذا ما حصل. تركت السؤال إلى نهاية المقابلة، وكان المستشار بين الحضور، فقلت لنصرالله إن لدي سؤلاً طلب مني مستشارك ألا أطرحه، ولكني أرى أنه جوهر المقابلة، فقال اسأل ما تشاء، وسألت، لكن جوابه لم يتعدَّ الدعوة إلى وحدة الشعب الفلسطيني والحرص عليها، مع حرصه على عدم تحديد موقف واضح.
لا أدري أيّ مشاعر يمكن أن تنتابني، اليوم، لو أنني حاورت نصرالله، بعد كل هذا الدم الذي تدفق في قرى سورية ومدنها، ومساهمة حزب الله بفيضانه الرهيب. وربما أستطيع أن أفهم مشاعر الأمس التي حملتها، ولكني لا أقبلها اليوم، حين أواجه نفسي، فقد كان وصول حزب الله إلى ما وصل من تغول في لبنان، وغرق في محاربة أحلام السوريين بالحرية واقتلاع طغيان نظام الأسد المهيمن على وجودهم برمته، لم يكن منفصلاً ألبتة عن إغراق لبنان في حرب 2006 المدمرة، ثم التسلط بقوة السلاح على بيروت بعد ذلك بعامين.
أعترف، بعد خمسة عشر عاماً على ذلك اللقاء الوحيد، أن الأسباب التي دفعتني إلى طلبها لم تكن سعياً وراء سبق صحافي، وإنما كان دافعي الأول والأخير فلسطينياً خالصاً، ففي تلك الأيام، كان المجتمع الفلسطيني في مدينة الناصرة، وربما في كل فلسطين، مهدداً بانقسام خُشي أن يتخذ طريقاً طائفياً خطيراً، فقد برز خلافٌ شديد بين الحركة الإسلامية في الداخل ورئيس بلدية الناصرة، رامز جرايسي، وجبهته حول مشروع بناء جامع على أرض الساحة الملاصقة لكنيسة البشارة في الناصرة، ما أنذر بما يشبه صراعاً مسيحياً مسلماً بين الفلسطينيين. كنت أعرف أن للسيد حسن نصرالله، في تلك الحقبة، مكانة في قلوب الفلسطينيين، وأنه باعتباره زعيم حزب رفع لواء القتال ضد إسرائيل، وعالم دين معمم، قد يكون لرأيه المعلن في قضية مسجد شهاب الدين في الناصرة ما يؤثر على الإسلاميين هناك، وتخفيف اندفاعتهم نحو التصعيد مع مجتمع الناصرة ومسيحييها، كي لا تستفيد إسرائيل من الشقاق داخل الصف الوطني الفلسطيني.
كانت المفاجأة، في تلك المقابلة، أن المستشار الصحافي للسيد نصرالله الذي جلس معي، قبيل المقابلة، ليعرف طبيعة الأسئلة التي سأطرحها، وحين ذكرت له موضوع الخلافات الفلسطينية في الناصرة بشأن مسجد شهاب الدين، طلب مني بإصرار، بلهجة عراقية واضحة، أن لا أطرح هذا الموضوع على نصرالله، وحين أبديت دهشتي، وسألت لماذا، كان جوابه بأنهم يفضلون في حزب الله ألا يدخلوا في تفاصيل هذا الموضوع تحديداً، فأجبته إنني، بصفتي صحافياً، لا أعدك بألا أطرح هذا السؤال، وهذا ما حصل. تركت السؤال إلى نهاية المقابلة، وكان المستشار بين الحضور، فقلت لنصرالله إن لدي سؤلاً طلب مني مستشارك ألا أطرحه، ولكني أرى أنه جوهر المقابلة، فقال اسأل ما تشاء، وسألت، لكن جوابه لم يتعدَّ الدعوة إلى وحدة الشعب الفلسطيني والحرص عليها، مع حرصه على عدم تحديد موقف واضح.
لا أدري أيّ مشاعر يمكن أن تنتابني، اليوم، لو أنني حاورت نصرالله، بعد كل هذا الدم الذي تدفق في قرى سورية ومدنها، ومساهمة حزب الله بفيضانه الرهيب. وربما أستطيع أن أفهم مشاعر الأمس التي حملتها، ولكني لا أقبلها اليوم، حين أواجه نفسي، فقد كان وصول حزب الله إلى ما وصل من تغول في لبنان، وغرق في محاربة أحلام السوريين بالحرية واقتلاع طغيان نظام الأسد المهيمن على وجودهم برمته، لم يكن منفصلاً ألبتة عن إغراق لبنان في حرب 2006 المدمرة، ثم التسلط بقوة السلاح على بيروت بعد ذلك بعامين.