27 أكتوبر 2024
مقطع رياضي في مصر
ودّع المنتخب المصري لكرة القدم بطولة كأس الأمم الأفريقية التي تستضيفها مصر، بعد هزيمته من منتخب جنوب أفريقيا في الدور ثمن النهائي بهدف نظيف، وقد أثار هذا الخروج المهين للمنتخب على أرضه ووسط جماهيره، حالة واسعةً من الإحباط الممزوج بالسخط والغضب الجماهيري، حيث ارتفعت أحلام ملايين المصريين إلى عنان السماء بالفوز بالكأس وإحراز اللقب الثامن، ولا سيّما بعد حفل الافتتاح المُبهِر، ثمّ جاءت الصدمة الكبيرة، لا من الخروج المُبكِّر وحسب، بل من الأداء المتهافت والباهت للفريق في كلّ مبارياته في البطولة، وتحت وطأة الهجوم الكاسح، تقدّم رئيس اتحاد كرة القدم وأعضاء فيه باستقالات فورية، في محاولة لامتصاص الغضبة الشعبية، وسط أنباء عن تحقيق جهات رقابية في مخالفات مالية وإدارية للاتحاد، فضلاً عن مسؤوليته عن المستوى البائس الذي ظهر به الفريق.
إذا ما نحينا عواطفنا جانباً، فإن الواقع يقول إن خروج المنتخب ليس مسبباً هذه الأزمة، بقدر ما كان كاشفاً عن أوجه قصور فنية وإدارية كبيرة، ذات طبيعة هيكلية يعاني منها المنتخب، وتعاني منها المنظومة الكروية بصفة عامّة، فهذه النتيجة سبقتها مقدّماتٌ عديدة، غطّى عليها الوصول إلى نهائيات كأس العالم في روسيا العام الماضي بعد غياب 28 عاماً، وقبلها الوصول إلى نهائي البطولة الأفريقية الماضية في الغابون مطلع 2017 بعد غياب سبع سنوات، ما أعطى مؤشرات فنّية زائفة.
لم يمثّل خروج المنتخب مفاجأة للكرويين، من ذوي الأعين الخبيرة من المتابعين الدؤوبين
لأدائه خلال السنوات الماضية، فقد وصل إلى المونديال بشقّ الأنفس بضربة جزاء في الثواني الأخيرة، أمام فريق متواضع معدوم الطموح في مجموعة كانت الأضعف ضمن مجموعات التصفيات. وفي كأس العالم، كانت الصدمة بتذيّل قائمة الترتيب، بالحلول في المركز ما قبل الأخير، بعدما تلقّى المنتخب ثلاث هزائم في مبارياته الثلاث، بعد فوضى إدارية هائلة، شهدها معسكره في روسيا.
وفي البطولة الأفريقية، وعلى الرغم من تحقيقه العلامة الكاملة في الدور الأوّل، والانطباع الخادع الذي تلقته الجماهير، لم يقدّم الفريق أداءً مُقنعاً أو مُطَمئِناً، حيث بدا بصورة مفكّكة، وخطوط مُتباعدة، وعناصر غير متجانسة، من دون قيادة في الملعب، مع قصورٍ في النواحي البدنية، والخططية، وأخطاء فادحة في التشكيل، وثغرات واضحة في التمركز الدفاعي، إلى جانب غياب خطّ الوسط، فلا تسديد ولا قدرة على بناء هجمات. ولولا يقظة حارس المرمى، والعارضة، ورعونة المنافسين، لتغيّرت نتائج الدور الأوّل.
جاءت أزمة اللاعب المُتحرّش، وغياب التعاطي الناجع معها، لتكشف عن أزمة إدارية كبيرة داخل معسكر المنتخب في أثناء البطولة، تمثّلت في غياب الانضباط والقدرة على السيطرة والحسم، بعد تغليب الجوانب الأخلاقية على سواها. وجاءت مهزلة عودة اللاعب إلى المعسكر، بعد قرار باستبعاده، لتترك أسوأ الأثر، وترسل رسائل شديدة السلبية، ثمّ كانت ثالثة الأثافي بظهور اللاعبين في "إعلان الاعتذار" المدفوع، الذي فوجئت به إدارة المنتخب مع الرأي العام، وثبت تصويره قبل بدء البطولة المُفترض أن يخوضها اللاعبون بكلّ عزم وتصميم على الفوز بها، ولهذا كان الخروج منطقيّاً إلى حدٍّ بعيد.
استقالة مجلس اتحاد كرة القدم قرار سليم، إذ بدا واضحاً عدم وجود أيّ رؤية للمستقبل، مع عشوائية كبيرة في إدارة شؤون اللعبة، وحضور بارز للمحسوبية، حتى تداخلت الأدوار بصورة عجيبة، فقد كان بعضهم يحضر اجتماعات الاتحاد في الصباح، ويشارك في اتخاذ قرارات، ثم يظهر في المساء على الشاشات لينتقد تلك القرارات (!).
ومع هذا، ليست المشكلة في شخص بعينه، أو مجموعة من الأشخاص، وإنما جذور الخلل في
المنظومة إجمالاً، فالتعامل الناجع مع الأزمة يتطلّب تعديل اللائحة الانتخابية لاتحاد الكرة التي تحمل عواراً كبيراً في تكوينها، يُفرز كياناً مشوّهاً، فالجمعية العمومية التي تنتخب مجلس الاتحاد مكوّنة من 227 نادياً، أُضيف إليهم 36 نادياً في نهاية 2018 ليصير عدد الأعضاء 258 نادياً، وهو عدد كبير جداً، غالبيتها من أندية الأقسام الثاني والثالث والرابع، فضلاً عن مراكز الشباب، وهذا يؤدي إلى تفريع العملية الانتخابية من مضمونها، عبر إهدار مكانة أندية الممتاز، حيث يتساوى صوت أكبر نادٍ مع صوت أقلّ مركز الشباب في أصغر قرية. كما أنّه يفتح الباب واسعاً أمام الفساد بالتربيطات والرشى الانتخابية وشراء الأصوات. ولن تكون مفاجأة إذا ما عاد المجلس المُستقيل في الانتخابات، ما دامت اللائحة من دون تعديل.
بقدر ما أحزنت هزيمة المنتخب ملايين المصريين، بعدما أحالت أحلامهم هباءً، قرعت الأجراس إلى ضرورة إعادة هيكلة المنظومة الرياضية المصرية، بعد استئصال جذور الفساد والمحسوبية التي تفشّت فيها خلال الفترة الماضية، فضلاً عن ضرورة وضع حدّ لعملية "الرسملة" المتوحشة التي ضربتها، وتعدّدت مظاهرها، ووصلت إلى "برجزة" المدرّجات بحرمان جمهور الكرة الحقيقي من الحضور في هذه البطولة، فكلّما تحوّلت هذه الرياضة إلى صناعة، كان يجري استبعاد الجمال الذي يتولّد من متعة اللعب لمجرّد اللعب، وفقاً لتعبير إدواردو غاليانو.
إذا ما نحينا عواطفنا جانباً، فإن الواقع يقول إن خروج المنتخب ليس مسبباً هذه الأزمة، بقدر ما كان كاشفاً عن أوجه قصور فنية وإدارية كبيرة، ذات طبيعة هيكلية يعاني منها المنتخب، وتعاني منها المنظومة الكروية بصفة عامّة، فهذه النتيجة سبقتها مقدّماتٌ عديدة، غطّى عليها الوصول إلى نهائيات كأس العالم في روسيا العام الماضي بعد غياب 28 عاماً، وقبلها الوصول إلى نهائي البطولة الأفريقية الماضية في الغابون مطلع 2017 بعد غياب سبع سنوات، ما أعطى مؤشرات فنّية زائفة.
لم يمثّل خروج المنتخب مفاجأة للكرويين، من ذوي الأعين الخبيرة من المتابعين الدؤوبين
وفي البطولة الأفريقية، وعلى الرغم من تحقيقه العلامة الكاملة في الدور الأوّل، والانطباع الخادع الذي تلقته الجماهير، لم يقدّم الفريق أداءً مُقنعاً أو مُطَمئِناً، حيث بدا بصورة مفكّكة، وخطوط مُتباعدة، وعناصر غير متجانسة، من دون قيادة في الملعب، مع قصورٍ في النواحي البدنية، والخططية، وأخطاء فادحة في التشكيل، وثغرات واضحة في التمركز الدفاعي، إلى جانب غياب خطّ الوسط، فلا تسديد ولا قدرة على بناء هجمات. ولولا يقظة حارس المرمى، والعارضة، ورعونة المنافسين، لتغيّرت نتائج الدور الأوّل.
جاءت أزمة اللاعب المُتحرّش، وغياب التعاطي الناجع معها، لتكشف عن أزمة إدارية كبيرة داخل معسكر المنتخب في أثناء البطولة، تمثّلت في غياب الانضباط والقدرة على السيطرة والحسم، بعد تغليب الجوانب الأخلاقية على سواها. وجاءت مهزلة عودة اللاعب إلى المعسكر، بعد قرار باستبعاده، لتترك أسوأ الأثر، وترسل رسائل شديدة السلبية، ثمّ كانت ثالثة الأثافي بظهور اللاعبين في "إعلان الاعتذار" المدفوع، الذي فوجئت به إدارة المنتخب مع الرأي العام، وثبت تصويره قبل بدء البطولة المُفترض أن يخوضها اللاعبون بكلّ عزم وتصميم على الفوز بها، ولهذا كان الخروج منطقيّاً إلى حدٍّ بعيد.
استقالة مجلس اتحاد كرة القدم قرار سليم، إذ بدا واضحاً عدم وجود أيّ رؤية للمستقبل، مع عشوائية كبيرة في إدارة شؤون اللعبة، وحضور بارز للمحسوبية، حتى تداخلت الأدوار بصورة عجيبة، فقد كان بعضهم يحضر اجتماعات الاتحاد في الصباح، ويشارك في اتخاذ قرارات، ثم يظهر في المساء على الشاشات لينتقد تلك القرارات (!).
ومع هذا، ليست المشكلة في شخص بعينه، أو مجموعة من الأشخاص، وإنما جذور الخلل في
بقدر ما أحزنت هزيمة المنتخب ملايين المصريين، بعدما أحالت أحلامهم هباءً، قرعت الأجراس إلى ضرورة إعادة هيكلة المنظومة الرياضية المصرية، بعد استئصال جذور الفساد والمحسوبية التي تفشّت فيها خلال الفترة الماضية، فضلاً عن ضرورة وضع حدّ لعملية "الرسملة" المتوحشة التي ضربتها، وتعدّدت مظاهرها، ووصلت إلى "برجزة" المدرّجات بحرمان جمهور الكرة الحقيقي من الحضور في هذه البطولة، فكلّما تحوّلت هذه الرياضة إلى صناعة، كان يجري استبعاد الجمال الذي يتولّد من متعة اللعب لمجرّد اللعب، وفقاً لتعبير إدواردو غاليانو.