مكاسب حماس وخسائرها
أحد أهم أهداف إسرائيل من العدوان على غزة، "تكسير عظام" حركة حماس، بحيث تصبح سيطرتها على قطاع غزة شكلية لا فعلية، وتفقد شعبيتها وقدرتها على ضبط الأوضاع في الداخل الغزاوي، بما يعني بالتبعية إمكانية ترجيح كفة فتح في ميزان القوة بين الفصائل الفلسطينية، تمهيداً لإبرام اتفاقات تسوية، أو على الأقل، استئناف التفاوض، من دون مضايقات وتشويش من حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.
وتقاسمت أطراف عربية مع إسرائيل ذلك الهدف، بعضها للسبب نفسه، وهو التخلص من صداع وقوف المقاومة حجر عثرة أمام إنهاء القضية بتسويات مجحفة.
وبعضها الآخر لأسباب مختلفة، منها استكمال تصفية وحرق كل التنظيمات ذات الطابع، أو حتى المسمى الإسلامي، خصوصاً حماس، التي ينظر لها كظلٍ أخواني في الأراضي الفلسطينية.
النتيجة حالياً على الأرض أن حماس لم تنهزم عسكرياً، ولم تحترق سياسياً. ولم يعد متيسراً استبعادها من المعادلة الفلسطينية والإقليمية، بل على العكس، أصبح الرقم الحمساوي أكثر ثقلاً ومحورية في معادلة المشهد الإقليمي الراهن.
وخرجت حماس من عدوان "الجرف الصامد" أكثر صموداً وتماسكاً، بل وثقة في مواجهة إسرائيل، فضلاً عن تلك الأطراف إياها. فمن ناحيةٍ، لم يكن من المتوقع، في ظل الخلل الرهيب في ميزان القوة العسكرية، أن تنجح حماس وفصائل المقاومة الأخرى في تكبيد إسرائيل أكثر من 60 قتيلاً، بل أن تصمد أصلاً أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية. ومن ناحية ثانية، بدت إسرائيل مرتبكة، وتعاني أوجه قصور عسكرية وسياسية في افتعال الأزمة ثم إدارتها.
صحيح أن حماس وفصائل المقاومة فقدت كثيراً من مخزونها التسليحي. وانكشفت حدود قدراتها على إيذاء إسرائيل عسكرياً. لكن تلك الحدود ذاتها كانت مفاجئة للجميع بدءاً بإسرائيل، وكما تطورت قدرات المقاومة في خمس سنوات مضت، منذ عملية "الرصاص المصبوب"، فلا شيء يضمن منع تطويرها مجدداً، بعد العدوان الأخير.
والأخطر هو اتضاح تطور قدرات المقاومة في مجال التخطيط العملياتي وإدارة المعارك بكفاءة عالية، تفتقدها جيوش نظامية كثيرة، خصوصاً في الحرب غير المتماثلة.
وبدلاً من أن تنتهي حماس عسكرياً وسياسياً، إذا بها تخرج أكثر قوة سياسياً، وبهيبة وسمعة عسكرية لم يتمتع بها طرف عربي في مواجهة إسرائيل منذ حرب أكتوبر سوى "حزب الله".
عادت حماس من تحت الأنقاض، لتؤكد للجميع أنها طرف أصيل في القضية الفلسطينية، حرباً وسياسة. وبعد أن كانت المصالحة مع السلطة والحكومة الوطنية خطوة مؤقتة، لها ما بعدها من مشكلات وخلافات وتحديات كانت كافية لتقويض المصالحة، صارت حماس في وضع أكثر ثقلاً وثقة، سيمنح مواقفها، بل وشروطها، زخماً وظهيراً شعبياً يتجاوز غزة إلى الضفة.
وقد بدأت بالفعل إرهاصات الاعتراف بالفشل في كسر حماس، والغريب أنها صدرت من الغرب، بل والولايات المتحدة ذاتها. أما الأطراف العربية التي تستهدف حماس وتصر على تصفيتها، فلا تزال ترفض تصديق فشل حملتها المشتركة مع إسرائيل على غزة. لتكرر مجدداً سوء التقدير في البداية وخطأ التقييم في النهاية، فقبل ثماني سنوات (يوليو/تموز 2006)، اتهمت الأطراف ذاتها حزب الله بالتسبب في حرب لا مبرر لها، والمسؤولية عن الخسائر المادية والبشرية في لبنان.
وبدلاً من تدمير قوة حزب الله، أو كسر إرادته، كف الجميع عن التفكير في إقصائه، أو نزع سلاحه، وخرج الحزب أكثر صلابة وحضوراً، بل وإقراراً بإمكاناته وبدوره. وها هو المشهد يتكرر بصورة أكثر وضوحاً، إذ عادت حماس من تحت الأنقاض لتنفض غبار القصف، وتقول للجميع إن معركة انتهت والحرب مستمرة. حماس قائمة، فانتبهوا، والمقاومة قادمة، فاستعدوا.