31 مايو 2017
ملحمة "الصرامي" الثلاث
للصرامي (صرماية تسمية بالعامية الشامية للحذاء، ومثلها تاسومة) العربية علاقة حميمة مع ممثلي الاستعمار الأميركي-الإيراني في أوطاننا. ويمكن اختصارها في ثلاث وقائع: حدثت الأولى في سياق الغزو الأميركي للعراق، حين رمى الصحافي العراقي، منتظر الزيدي، حذاءه على الإمبراطور جورج بوش الابن عام 2008. كانت تلك "الصرماية" رمية بوجه الطرف الأميركي من المعادلة الذي كان على وشك انسحابه من العراق. لكن، ما حدث أنّ الاميركيين سلّموا العراق لنخب إيرانية الولاء، خرّبته وعاثت فيه فسادًا وقتلًا، فجعلته أكثر بلد يشكّل تهديدًا للصحافيين في العالم. لم يعد ممكنا لصحافي عراقي أن يرمي "صرمايته" بعدها بوجه تلك النخب التي حوّلت البلاد إلى مستعمرة ثيوقراطية إيرانية، من خلال حكم طائفي مجرم وقاتل، نهب كامل مقدراتها أمثال نوري المالكي وهادي العامري قائد "منظمة بدر" ووزير الداخلية الحالي وقائد مليشيات "الحشد الشعبي" (واشنطن بوست، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2014).
كان علينا أن ننتظر حتى 6 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011، لنرى "الصرماية" الثانية ترمى في بيروت. وهذه المرة، على أحمد الجلبي لا غير، في أثناء مشاركته في ندوة أقامها حزب الله ضد نظام البحرين. ومعلوم أن هذا كان قد أتى إلى العراق على دبابة الاحتلال الأميركي، وكان صلة الوصل بين جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، البحرينية المرتبطة بإيران، وواشنطن ("نيويورك تايمز"، 25 يناير/كانون الثاني 2012). حاول حزب الله التملّص من ذلك حينها بالهمس بأنّ إيران هي من فرضت ذلك عليه، وكان ذلك صحيحا. فإيران أمرته باستقبال الجلبي في بيروت، وهو أطاع، لكن مشاركاً مصرياً في المؤتمر لم يقبل الإهانة التاريخية المضمرة بأنّ يعطيه شخص، مثل أحمد الجلبي، دروساً عن الديمقراطية، فعالجه بنعاله. منذ ذلك الحين، ظهر الجلبي أكثر من مرّة على قناة حزب الله التلفازية.
رمت "الصرماية" الثالثة الصحافية اليمنية، ذكرى العراسي، في وجه حمزة الحوثي في مؤتمر جنيف يوم 5 حزيران/يونيو الجاري. صوّبت العراسي "تاسومتها" على قرعة الرجل، لتقول إنّها رسالة من أبناء اليمن، الجنوبيين خصوصا، والذين يذبحون كل يوم بلا رحمة من غزاة أتوا من الشمال، فارضين سيطرتهم بقوّة السلاح. "أنا كجنوبية عدنية، أهلنا يموتون، وأنت تأتي لتعمل لنا مؤتمر؟ بصفتك ماذا تعمل لنا مؤتمر؟". أتت الرمية "الثالثة الثابتة" هذه المرة في وجه ممثل الميليشيات الحوثية حمزة الحوثي، لتفضح مجدداً ما تتعرّض له اليمن من توافق أميركي-إيراني مضمر بات الآن معلنًا، على تسليمها بأي ثمن لممثلي النفوذ الإيراني من "الحوثعفاشيين"، و"عفّاش" هي التسمية التي يطلقها اليمنيون على علي عبد الله صالح. ما فعلته العراسي تذكير بأنّ ما يحصل لليمن، وفي الجنوب خصوصاً، من جرائم من الحوثيين في عدن وتعز وغيرها لا يشذّ عما يحصل في العراق وسورية.
خلال الأشهر الماضية من غزوتهم الوحشيّة، قصف الحوثيون مستودعات الغذاء والأدوية في اليمن، محاولين تجويع السكان (الاقتصادية، 13مايو/أيار 2015). دخل الحوثيون إلى المدارس، وخطفوا الأطفال بعمر الثانية عشرة من المدارس في عمران، وأرسلوهم إلى الحرب لقتل اليمنيين في عدن وتعز والضالع ("هيومن رايتس واتش"، 12 مايو/أيار 2015). ويستعمل مشجعو الحوثيين وصالح، من شمال اليمن خصوصًا، صور أطفال مقتولين في سورية، مثل صور مجزرة بانياس، وينشرونها على أنها صور ضحايا القصف السعودي. كما يقطع الحوثيون الإنترنت عن مدينة عدن، لمنع تسرّب أخبار جرائمهم هناك، حيث تغطي الشوارع جثث المدنيين الذين يقتلونهم (الجزيرة الإنجليزية، 2 إبريل/نيسان 2015) ولا يتورّعون عن استخدام المدنيين دروعًا بشريّة (الجزيرة.نت،1حزيران/يونيو 2015). وخلال الهدنة التي وافق عليها التحالف العربي لأسباب إنسانية، والتي امتدت خمسة أيّام، استمرّ الحوثيون في قصف متوحش لمدنٍ، مثل عدن وتعز، بكل ما يملكونه (الجزيرة.نت، 15مايو/أيار 2015). كما قصفوا مستشفى "الثورة" في تعز (الواقع اليمني، 16 مايو/أيار 2015 )، وهم يقومون بتجويع المدن، حيث يصارع الناس في تعز للحصول على المياه والغذاء والكهرباء (الجزيرة.نت، 14 يونيو/حزيران 2015). هذا غيض من فيض ما يقومون به كلّ يوم، في ظلّ الصمت الغربي والتواطؤ لجعلهم يبدون في مظهر "المستضعفين". ففي 28 مايو/أيار الجاري، مثلاً، وثّق الناشطون جريمة بشعة في تعز، حيث قصف شارع "فرزة ديلوكس" وسقط عشرات. وحينما قدم الناس لإسعافهم أطلقت المليشيات الطلقة الثانية، لتحصد مزيدًا من الأرواح.
قنّاصة الحوثيين قتلة أطفال بامتياز أيضًا، فهم أردوا بلذّة الطفل علي أحمد النجره من أبناء قرية القبة في الضالع يوم 15 يونيو/حزيران الجاري، كما لقي الطفل عبد الله محسن أحمد الفقيه مصرعه في قرية خوبر جنوب شرق سناح، عندما قتل يوم 11 يونيو/حزيران الجاري، برصاص قناص حوثي جوار منزله. يهاجم الحوثيون أيضًا عاملي الإغاثة والمدنيين في عدن (منظمة العفو الدولية، 13 مايو/أيار 2015). كما يقاتل مع "الحوثعفاشيين" ضباط من الحرس الثوري الإيراني، أسرتهم المقاومة الشعبية (رويترز، 11 إبريل/نيسان 2015)، وقد أعلن الإيرانيون أنفسهم ذلك، وأكّده الأميركيون ("العربية" الإنجليزية، 27 مارس/آذار 2015، "نيويورك تايمز"، 9 إبريل/نيسان 2015). وخلال كلّ ما سبق وأكثر منه، وقف الحوثيون يوم 24 مايو/أيار الجاري في مسقط، قبل اللقاء بممثلي الإمبراطور أوباما هناك، ليهتفوا "الموت لأميركا!"، بينما هم يعلمون، قبل غيرهم، أنّ أميركا تدعمهم، وتحاول تشريع غزوتهم في ضغطها على الشرعية اليمنيّة، وعلى التحالف العربي بقيادة السعودية، لقبولهم أطرافاً للحوار من دون شروط مسبقة، ومن دون انسحابهم من المناطق التي احتلوها، وهي تستعمل أداتها "الأمم المتحدة" في ذلك ("العربي الجديد"، 24 مايو/أيار 2015).
وفي إطار ردّهم الديمقراطي على ما فعلته العراسي، هدمت المليشيات الحوثيّة، أخيراً، منزلها، هي التي كانت قد فقدت ثلاثة من أقربائها في عدن، بسبب غزوهم مدينتها. يعطينا هذا فكرة عن نوع الحكم على الطريقة الحوثيّة الذي سيكون في اليمن إنْ قيد لهؤلاء المجرمين أن يتحكموا برقاب العباد. ولأجل ذلك كلّه، تعبر ملحمة الصرامي الثلاث هذه عن فحوى المسألة الاستعمارية المطروحة بكليّتها، وتعبّر عن موقع الجماهير العربية في المعركة التاريخيّة الدائرة.
لأجل الشهداء والأطفال والأمهات الثكالى في اليمن والوطن العربي، سلمت يداك أيتها البطلة ذكرى العراسي.
رمت "الصرماية" الثالثة الصحافية اليمنية، ذكرى العراسي، في وجه حمزة الحوثي في مؤتمر جنيف يوم 5 حزيران/يونيو الجاري. صوّبت العراسي "تاسومتها" على قرعة الرجل، لتقول إنّها رسالة من أبناء اليمن، الجنوبيين خصوصا، والذين يذبحون كل يوم بلا رحمة من غزاة أتوا من الشمال، فارضين سيطرتهم بقوّة السلاح. "أنا كجنوبية عدنية، أهلنا يموتون، وأنت تأتي لتعمل لنا مؤتمر؟ بصفتك ماذا تعمل لنا مؤتمر؟". أتت الرمية "الثالثة الثابتة" هذه المرة في وجه ممثل الميليشيات الحوثية حمزة الحوثي، لتفضح مجدداً ما تتعرّض له اليمن من توافق أميركي-إيراني مضمر بات الآن معلنًا، على تسليمها بأي ثمن لممثلي النفوذ الإيراني من "الحوثعفاشيين"، و"عفّاش" هي التسمية التي يطلقها اليمنيون على علي عبد الله صالح. ما فعلته العراسي تذكير بأنّ ما يحصل لليمن، وفي الجنوب خصوصاً، من جرائم من الحوثيين في عدن وتعز وغيرها لا يشذّ عما يحصل في العراق وسورية.
خلال الأشهر الماضية من غزوتهم الوحشيّة، قصف الحوثيون مستودعات الغذاء والأدوية في اليمن، محاولين تجويع السكان (الاقتصادية، 13مايو/أيار 2015). دخل الحوثيون إلى المدارس، وخطفوا الأطفال بعمر الثانية عشرة من المدارس في عمران، وأرسلوهم إلى الحرب لقتل اليمنيين في عدن وتعز والضالع ("هيومن رايتس واتش"، 12 مايو/أيار 2015). ويستعمل مشجعو الحوثيين وصالح، من شمال اليمن خصوصًا، صور أطفال مقتولين في سورية، مثل صور مجزرة بانياس، وينشرونها على أنها صور ضحايا القصف السعودي. كما يقطع الحوثيون الإنترنت عن مدينة عدن، لمنع تسرّب أخبار جرائمهم هناك، حيث تغطي الشوارع جثث المدنيين الذين يقتلونهم (الجزيرة الإنجليزية، 2 إبريل/نيسان 2015) ولا يتورّعون عن استخدام المدنيين دروعًا بشريّة (الجزيرة.نت،1حزيران/يونيو 2015). وخلال الهدنة التي وافق عليها التحالف العربي لأسباب إنسانية، والتي امتدت خمسة أيّام، استمرّ الحوثيون في قصف متوحش لمدنٍ، مثل عدن وتعز، بكل ما يملكونه (الجزيرة.نت، 15مايو/أيار 2015). كما قصفوا مستشفى "الثورة" في تعز (الواقع اليمني، 16 مايو/أيار 2015 )، وهم يقومون بتجويع المدن، حيث يصارع الناس في تعز للحصول على المياه والغذاء والكهرباء (الجزيرة.نت، 14 يونيو/حزيران 2015). هذا غيض من فيض ما يقومون به كلّ يوم، في ظلّ الصمت الغربي والتواطؤ لجعلهم يبدون في مظهر "المستضعفين". ففي 28 مايو/أيار الجاري، مثلاً، وثّق الناشطون جريمة بشعة في تعز، حيث قصف شارع "فرزة ديلوكس" وسقط عشرات. وحينما قدم الناس لإسعافهم أطلقت المليشيات الطلقة الثانية، لتحصد مزيدًا من الأرواح.
قنّاصة الحوثيين قتلة أطفال بامتياز أيضًا، فهم أردوا بلذّة الطفل علي أحمد النجره من أبناء قرية القبة في الضالع يوم 15 يونيو/حزيران الجاري، كما لقي الطفل عبد الله محسن أحمد الفقيه مصرعه في قرية خوبر جنوب شرق سناح، عندما قتل يوم 11 يونيو/حزيران الجاري، برصاص قناص حوثي جوار منزله. يهاجم الحوثيون أيضًا عاملي الإغاثة والمدنيين في عدن (منظمة العفو الدولية، 13 مايو/أيار 2015). كما يقاتل مع "الحوثعفاشيين" ضباط من الحرس الثوري الإيراني، أسرتهم المقاومة الشعبية (رويترز، 11 إبريل/نيسان 2015)، وقد أعلن الإيرانيون أنفسهم ذلك، وأكّده الأميركيون ("العربية" الإنجليزية، 27 مارس/آذار 2015، "نيويورك تايمز"، 9 إبريل/نيسان 2015). وخلال كلّ ما سبق وأكثر منه، وقف الحوثيون يوم 24 مايو/أيار الجاري في مسقط، قبل اللقاء بممثلي الإمبراطور أوباما هناك، ليهتفوا "الموت لأميركا!"، بينما هم يعلمون، قبل غيرهم، أنّ أميركا تدعمهم، وتحاول تشريع غزوتهم في ضغطها على الشرعية اليمنيّة، وعلى التحالف العربي بقيادة السعودية، لقبولهم أطرافاً للحوار من دون شروط مسبقة، ومن دون انسحابهم من المناطق التي احتلوها، وهي تستعمل أداتها "الأمم المتحدة" في ذلك ("العربي الجديد"، 24 مايو/أيار 2015).
وفي إطار ردّهم الديمقراطي على ما فعلته العراسي، هدمت المليشيات الحوثيّة، أخيراً، منزلها، هي التي كانت قد فقدت ثلاثة من أقربائها في عدن، بسبب غزوهم مدينتها. يعطينا هذا فكرة عن نوع الحكم على الطريقة الحوثيّة الذي سيكون في اليمن إنْ قيد لهؤلاء المجرمين أن يتحكموا برقاب العباد. ولأجل ذلك كلّه، تعبر ملحمة الصرامي الثلاث هذه عن فحوى المسألة الاستعمارية المطروحة بكليّتها، وتعبّر عن موقع الجماهير العربية في المعركة التاريخيّة الدائرة.
لأجل الشهداء والأطفال والأمهات الثكالى في اليمن والوطن العربي، سلمت يداك أيتها البطلة ذكرى العراسي.