يعود الجدل السياسي والتاريخي إلى الساحة الجزائرية حول قضية ممتلكات المستعمرين الفرنسيين في الجزائر قبل استقلال البلاد في الخامس من يوليو/تموز 1962، بعد انفراج نسبي في ملف العلاقات التاريخية بين البلدين. فبعد أكثر من 50 سنة من انتهاء حرب التحرير، وجد المستعمرون السابقون وعائلاتهم الفرصة المناسبة للمطالبة باستعادة ممتلكاتهم العقارية وأراضٍ يزعمون ملكيتها لهم، ويعتبرون أن السلطات الجزائرية أخذتها منهم بتعسف. وعلى الرغم من أن هذه القضية لم تنل اهتماماً كبيراً من الرأي العام الجزائري حتى الآن، بسبب المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها، لكن الملف يتطور شيئاً فشيئاً، وقد يخلق حالة من الجدل في وقت لاحق.
فقبل شهرين أبلغ القضاء الجزائري سكان مبنى يقع في وسط مدينة وهران، بضرورة إخلاء شققهم السكنية لأنها عادت إلى شركة فرنسية يملكها مستعمران فرنسيان، كانا يملكان المبنى قبل عام 1962، ونجحا في استصدار قرار من السلطات لصالحهما. كان القرار صدمة كبيرة على السكان الذين يقيمون في هذا المبنى منذ ما قبل العام 1962. وبحسب رئيس جمعية سكان المبنى غزالي مراد، فإن الجمعية تأسست سنة 2013 للدفاع عن سكان المبنى الذي يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، وأغلب السكان يسكنون هذا المبنى منذ ما قبل الاستقلال، وهو يعود إلى الأخوين كوهين وبرياتني موسى، اللذين غادرا الأراضي الجزائرية بعد الاستقلال كبقية "الأقدام السوداء" (مصطلح يُطلق على أبناء المستعمرين الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر). ثم آلت هذه الشقق إلى الدولة الجزائرية بعد 1966، لكن في سنوات التسعينيات فوجئ سكان المبنى بشركة فرنسية تدّعي أحقيتها بالملكية العقارية، على الرغم من أن السكان يقطنون في المبنى قبل 1962.
وأضاف مراد أن "تلك الشركة قامت في السابق بطرد سبع عائلات بين 2002 و2006، في حين تعيش 40 عائلة اليوم في صراع مرير معها". واتهم "بارونات المال والسياسة بالتورط في محاولة طي القضية، بينهم وزير الصحة الحالي عبد المالك بوضياف، الذي كان يشغل منصب والي ولاية وهران"، مشيراً إلى أن "القانون الجزائري يمنع أي عملية لإعادة الأملاك التي ذكرت سابقاً والتي كانت موضوع تنازل من قِبل الدولة، والقانون يمنع أي اجتهاد قضائي فيما يخص الرد على طلبات الملاك الأصليين لهذه الأملاك". وطالب وزير العدل الطيب لوح بالتدخّل ومعاقبة المتورطين وفق ما يكشف عنه التحقيق.
ليست قضية سكان هذا المبنى فقط هي المعنية بالجدل الجديد، إذ كانت السفارة الفرنسية قد رفعت منذ العام 2011 دعوى قضائية لطرد العائلات القاطنة في مبانٍ استولت عليها السفارة الفرنسية في العهد الاستعماري، ونجحت في العام 2011 في طرد أكثر من 90 عائلة في العديد من بلديات العاصمة الجزائرية. كما لم تسلم بعض المقرات الرسمية من أطماع المستعمرين السابقين، كمقر وزارة المالية وفندق السفير ومقر الخطوط الجوية الجزائرية ومقر الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
اقــرأ أيضاً
وجاء التصريح الأخير للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليعيد طرح الملف مجدداً في الساحة الجزائرية، إذ اتهم السلطات الجزائرية التي حكمت البلاد في السنوات الأولى من الاستقلال، بالقيام بما وصفها بالمجازر بحق الرعايا الفرنسيين وممتلكاتهم. وسبق ذلك بأسابيع قليلة، اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية الفرنسية التي انعقدت في الجزائر في 11 إبريل/نيسان الماضي خلال زيارة قام بها رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، وتم الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل مختلطة بخصوص قضية أملاك "الأقدام السوداء" والرعايا الفرنسيين، ومواصلة دراسة الحالات المعترض عليها.
والتزمت السلطات الجزائرية أمام نظيرتها الفرنسية، بتمكين "الأقدام السوداء" من استعادة ممتلكاتهم في الجزائر، وذلك بعد زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال إلى باريس في ديسمبر/كانون الأول 2012، حيث تمت مناقشة قضية الرعايا الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر ولهم أملاك عقارية. وتطرق البيان الختامي للزيارة إلى "الصعوبات التي يواجهها بعض الرعايا الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر ولهم أملاك عقارية قانونية ويسعون لممارسة حقهم في ملكيتها"، مشيراً إلى أنه "عام 2010 حدد رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى في تعليماته المختلفة إلى وزراء الداخلية والمالية والعدل والزراعة، التدابير التي يعود لكل منهم تنفيذها في آجال زمنية واضحة، لتنسيق عمل وتحرك مختلف مصالح الدولة وأجهزتها المختصة في معالجة موضوع الدعاوى القضائية التي بات يرفعها أمام المحاكم الجزائرية قدامى المستعمرين لاسترداد أملاك عقارية وأراضٍ زراعية حوّلتها الدولة لملكيتها بعد الاستقلال، وأيضاً إبطال عقود الشراء والبيع الصورية وغير الصحيحة لبعض تلك الأملاك من قِبل جزائريين، وكل ذلك في أجل زمني قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2010 كحد أقصى".
ولم يبقَ الملف جزائرياً فرنسياً فقط، بل طُرحت القضية على الهيئات الأممية، إذ كانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد قضت في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، بأحقية الجزائر في استرداد الممتلكات التي كانت بحوزة فرنسا و"الأقدام السوداء"، وذلك في سياق فصلها في قضية رفعها مستعمر سابق في مدينة وهران ضد الحكومة الجزائرية. وقد اعتبرت اللجنة الأممية في قرارها التاريخي، القرار الذي أصدرته اجتهاداً قضائياً يضع معالم حاسمة في القضايا الأخرى المرفوعة أمام اللجنة، والمقدرة بـ600 دعوى رفعها "الأقدام السوداء" ضد الحكومة الجزائرية، ما زالت تنتظر الحسم.
وكان المدير العام لأملاك الدولة محمد حمور، قد كشف في تصريح صحافي، أن "مصالح المديرية وبالتنسيق مع الهيئات الوزارية استرجعت منذ العام 2013، 180 ألف عقار بين منازل، وشقق، وأراضٍ، كانت تابعة لفئة الأقدام السوداء''، مشيراً إلى ''أن العائلات الجزائرية التي طُردت من مساكنها التي استفادت منها مباشرة عقب طرد الاستعمار الفرنسي، كانت بتواطؤ جهات وأطراف خدمة للأقدام السوداء التي اعتبرت ذلك تمهيداً للمطالبة بممتلكاتها المزعومة بعدما أصبحت شاغرة". وأوضح أن هناك تلاعباً كبيراً بتواطؤ مع مسؤولين داخل الوطن يسهّلون لهم استرداد عقارات أجدادهم في ولايات الوطن بعدما كانوا قد طُردوا منها، وأقامت فيها عائلات عقب الاستقلال.
ويشير رئيس جمعية الدفاع عن حقوق ضحايا مجازر الثامن من مايو/أيار 1945 في الجزائر محمد القورصو، إلى أن "السلطات الجزائرية منحت في مارس/آذار 1963 مهلة للأقدام السوداء حتى يحافظوا على ممتلكاتهم بطريقة شرعية، ومن غير المعقول أن يعود الآن من لم يقم بذلك حينها ليطالب باستعادة ممتلكاته". وفي مايو/أيار 1968 أصدرت الحكومة الجزائرية قراراً يقضي بتأميم ممتلكات "الأقدام السوداء" الذين غادروا الجزائر واعتبارها ملكاً للدولة. وبحسب القورصو، فإن "الجزائر تتعرض في العقد الأخير إلى حملة وضغوط سياسية كبيرة من فرنسا لمعالجة الملفات التاريخية العالقة، لكن بصورة غير متوازنة سمحت بانتقال فرنسا من وضع الدفاع عن جرائمها المرتكبة في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية ورفض الاعتذار للجزائريين، إلى الهجوم على الجزائر واتهامها بارتكاب جرائم مماثلة للجرائم الاستعمارية، بحق الأقدام السوداء والعملاء، بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس/آذار 1962، في محاولة قلب الحقائق، عبر إبراز مظلومية بعض الرعايا الفرنسيين بعد الاستقلال"، مشيراً في هذا السياق إلى تصريح هولاند في 24 مايو/أيار الماضي لوسائل الإعلام الفرنسية، وصف فيه ما حدث لـ"الأقدام السوداء" وبعض "العملاء" بالمجازر.
اقــرأ أيضاً
وأضاف مراد أن "تلك الشركة قامت في السابق بطرد سبع عائلات بين 2002 و2006، في حين تعيش 40 عائلة اليوم في صراع مرير معها". واتهم "بارونات المال والسياسة بالتورط في محاولة طي القضية، بينهم وزير الصحة الحالي عبد المالك بوضياف، الذي كان يشغل منصب والي ولاية وهران"، مشيراً إلى أن "القانون الجزائري يمنع أي عملية لإعادة الأملاك التي ذكرت سابقاً والتي كانت موضوع تنازل من قِبل الدولة، والقانون يمنع أي اجتهاد قضائي فيما يخص الرد على طلبات الملاك الأصليين لهذه الأملاك". وطالب وزير العدل الطيب لوح بالتدخّل ومعاقبة المتورطين وفق ما يكشف عنه التحقيق.
ليست قضية سكان هذا المبنى فقط هي المعنية بالجدل الجديد، إذ كانت السفارة الفرنسية قد رفعت منذ العام 2011 دعوى قضائية لطرد العائلات القاطنة في مبانٍ استولت عليها السفارة الفرنسية في العهد الاستعماري، ونجحت في العام 2011 في طرد أكثر من 90 عائلة في العديد من بلديات العاصمة الجزائرية. كما لم تسلم بعض المقرات الرسمية من أطماع المستعمرين السابقين، كمقر وزارة المالية وفندق السفير ومقر الخطوط الجوية الجزائرية ومقر الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
وجاء التصريح الأخير للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليعيد طرح الملف مجدداً في الساحة الجزائرية، إذ اتهم السلطات الجزائرية التي حكمت البلاد في السنوات الأولى من الاستقلال، بالقيام بما وصفها بالمجازر بحق الرعايا الفرنسيين وممتلكاتهم. وسبق ذلك بأسابيع قليلة، اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية الفرنسية التي انعقدت في الجزائر في 11 إبريل/نيسان الماضي خلال زيارة قام بها رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، وتم الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل مختلطة بخصوص قضية أملاك "الأقدام السوداء" والرعايا الفرنسيين، ومواصلة دراسة الحالات المعترض عليها.
والتزمت السلطات الجزائرية أمام نظيرتها الفرنسية، بتمكين "الأقدام السوداء" من استعادة ممتلكاتهم في الجزائر، وذلك بعد زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال إلى باريس في ديسمبر/كانون الأول 2012، حيث تمت مناقشة قضية الرعايا الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر ولهم أملاك عقارية. وتطرق البيان الختامي للزيارة إلى "الصعوبات التي يواجهها بعض الرعايا الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر ولهم أملاك عقارية قانونية ويسعون لممارسة حقهم في ملكيتها"، مشيراً إلى أنه "عام 2010 حدد رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى في تعليماته المختلفة إلى وزراء الداخلية والمالية والعدل والزراعة، التدابير التي يعود لكل منهم تنفيذها في آجال زمنية واضحة، لتنسيق عمل وتحرك مختلف مصالح الدولة وأجهزتها المختصة في معالجة موضوع الدعاوى القضائية التي بات يرفعها أمام المحاكم الجزائرية قدامى المستعمرين لاسترداد أملاك عقارية وأراضٍ زراعية حوّلتها الدولة لملكيتها بعد الاستقلال، وأيضاً إبطال عقود الشراء والبيع الصورية وغير الصحيحة لبعض تلك الأملاك من قِبل جزائريين، وكل ذلك في أجل زمني قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2010 كحد أقصى".
ولم يبقَ الملف جزائرياً فرنسياً فقط، بل طُرحت القضية على الهيئات الأممية، إذ كانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد قضت في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، بأحقية الجزائر في استرداد الممتلكات التي كانت بحوزة فرنسا و"الأقدام السوداء"، وذلك في سياق فصلها في قضية رفعها مستعمر سابق في مدينة وهران ضد الحكومة الجزائرية. وقد اعتبرت اللجنة الأممية في قرارها التاريخي، القرار الذي أصدرته اجتهاداً قضائياً يضع معالم حاسمة في القضايا الأخرى المرفوعة أمام اللجنة، والمقدرة بـ600 دعوى رفعها "الأقدام السوداء" ضد الحكومة الجزائرية، ما زالت تنتظر الحسم.
وكان المدير العام لأملاك الدولة محمد حمور، قد كشف في تصريح صحافي، أن "مصالح المديرية وبالتنسيق مع الهيئات الوزارية استرجعت منذ العام 2013، 180 ألف عقار بين منازل، وشقق، وأراضٍ، كانت تابعة لفئة الأقدام السوداء''، مشيراً إلى ''أن العائلات الجزائرية التي طُردت من مساكنها التي استفادت منها مباشرة عقب طرد الاستعمار الفرنسي، كانت بتواطؤ جهات وأطراف خدمة للأقدام السوداء التي اعتبرت ذلك تمهيداً للمطالبة بممتلكاتها المزعومة بعدما أصبحت شاغرة". وأوضح أن هناك تلاعباً كبيراً بتواطؤ مع مسؤولين داخل الوطن يسهّلون لهم استرداد عقارات أجدادهم في ولايات الوطن بعدما كانوا قد طُردوا منها، وأقامت فيها عائلات عقب الاستقلال.