أعلنت طهران، اليوم الثلاثاء، إطلاق مناورات ضخمة في منطقة الخليج ومضيق هرمز، بمشاركة القوات البحرية والجو فضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، مشيرة إلى أنها المرحلة الأخيرة من مناورات "الرسول الأعظم" الرابعة عشرة، سبقتها خلال الأيام الماضية المرحلة التمهيدية.
وأعلن "الحرس الثوري" الإيراني، في بيان، أن القوات البحرية والجوفضائية لحرس الثورة الإسلامية بدأت، صباح اليوم الثلاثاء، المرحلة الأخيرة من مناورات "الرسول الأعظم" الرابعة عشرة الكبرى، في منطقة محافظة هرمزجان، المطلة على الخليج، وغرب مضيق هرمز والخليج. مشيرا، بحسب ما أورده موقع "سباه نيوز" التابع للحرس، إلى أن المناورات تمتد من الخليج حتى عمق إيران برا وجوا وبحرا.
وخلال المناورات، تقوم مختلف وحدات "الحرس الثوري" منها البحرية والطائرات المسيرة والصاروخية والرادار بتنفيذ مهام، أهمها، بحسب البيان، هو "تنفيذ عمليات هجومية بالصواريخ والسفن والطائرات المسيرة ضد مواقع العدو المفترض، وعمليات زرع الألغام وقطع خطوط التواصل أمام سفن العدو المفترض وتنفيذ عمليات صاروخية من قبل مروحيات وإطلاق صواريخ "ساحل ـ بحر".
وبحسب بيان الحرس، فإنه للمرة الأولى تعتمد عمليات الرصد والمراقبة خلال المناورات على الصور المرسلة من قمر "نور" الصناعي، الذي يعتبر أول قمر صناعي عسكري إيراني، أطلقته القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، خلال إبريل/نيسان الماضي.
للمرة الأولى تعتمد عمليات الرصد والمراقبة خلال المناورات على الصور المرسلة من قمر "نور" الصناعي"
ورغم أن بيان الحرس عن المناورات لم يتطرق إليه، إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية تشير إلى أن القوات الإيرانية تمارس تمرينا على تدمير مجسم لحاملة طائرات أميركية خلال التدريبات العسكرية.
وكانت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، قد ذكرت أمس أن صورا لأقمار صناعية التقطتها شركةMaxar Technologies، تظهر نقل القوات العسكرية الإيرانية مجسما لحاملة طائرات فئة "نيميتز" إلى مضيق هرمز، مشيرة إلى أن طول السفينة المفترضة يبلغ حوالي 200 متر وعرضها 50 مترا، بينما يبلغ طول حاملة الطائرات "يو إس إس نيميتز" الحقيقية، التي تنشرها البحرية الأميركية في الخليج، أكثر من 300 متر وعرضها 75 مترا.
يشار إلى أنه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران في مناوراتها العسكرية مجسمات لأهداف عسكرية أميركية، حيث سبق أن استخدمت مجسما لحاملات الطائرات الأميركية خلال مناورات عسكرية عام 2015 في الخليج.
أهداف المناورات
وعن أهداف مناورات "الرسول الأعظم 14"، قال قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني والمتحدث باسم المناورات، العميد عباس نيلفروشان، للتلفزيون الإيراني، إن أهم هذه الأهداف يتمثل في "تطوير الاستعداد القتالي على جميع المستويات والتدريب وضمان تنفيذ الخطط العملياتية، ورفع مستوى التنسيق في تنفيذ العمليات المشتركة وتمرين الدفاع والحرب الإلكترونية الهجومية واستقرار الاتصالات متعددة المراحل".
وأشار نيلفروشان إلى أهداف أخرى للمناورات منها "تأمين خطوط النقل الجوي والبحري وضمان استمرار الإسناد وتدريب القوات على مختلف السيناريوهات والتخطيط المرن والسريع والتمرين على الحرب الثنائية".
وأوضح القائد العسكري الإيراني أن المناورات الضخمة التي تجريها القوات الإيرانية في الخليج ومضيق هرمز تعتمد على "التخطيط الحديث القائم على الحروب الهجينة (المركبة) والشبكية، تناغما مع العقيدة الهجومية للحرس والاستخدام الأفضل للقدرات والمعدات الرقمية والبصرية المختلفة ومن خلال الطائرات المأهولة أو المسيرة للمراقبة والرصد الاستخباري وإجراء تمارين حول الحرب البيولوجية".
وأشار إلى تنفيذ تمرين "الدفاع المضاد للصواريخ البالستية وصواريخ كروز"، كاشفا عن استخدام "معدات وأسلحة مباغتة، مثل صواريخ بالستية بعيدة المدى قادرة على إصابة أهداف بحرية متحركة معتدية عن بعد".
دلالات ورسائل
وتحمل المناورات الإيرانية الكبرى دلالات عدة في توقيتها وسياقها ومضامینها، إضافة إلى رسائل تسعى طهران إلى توجيهها لأطراف عدة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك لأن هذه المناورات لا تجري في ظروف عادية، حيث إنها أولا تأتي في خضم تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، في جميع الملفات الساخنة بين الطرفين، لا سيما في الملفين النووي والدور الإقليمي لإيران.
فمن جهة تسعى الإدارة الأميركية في إطار سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران، المتبعة منذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، إلى إعادة الملف الإيراني إلى الأمم المتحدة بغية تدويله مجددا، كما كان الحال قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015. ومن جهة ثانية، تشهد قواعد الاشتباك في المنطقة بين الطرفين في الآونة الأخيرة، تغييرات متسارعة، خصوصا في العراق وسورية، حيث للمرة الأولى اعترضت مقاتلات أميركية، مساء الخميس الماضي، طائرة مدنية إيرانية في أجواء سورية، في خطوة قد لا تكون بعيدة عن مساع أميركية وإسرائيلية لإخراج إيران من سورية.
وثانيا، ما يزيد من أهمية المناورات الإيرانية أنها تجرى في منطقة جيواستراتيجية حساسة، تشهد منذ العامين مناوشات واحتكاكات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، وتفجيرات ضد ناقلات النفط خلال عام 2019، جاءت بعد فرض واشنطن حظرا شاملا على الصادرات النفطية الإيرانية، دخل حيز التنفيذ اعتبارا من الثاني من أيار/مايو 2019، وسط اتهامات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة بالوقوف وراءها.
وثالثا، ما يؤكد حضور الأزمة مع واشنطن في صلب المناورات، هو إجراء القوات الإيرانية تمرينا خلال المناورات على تدمير مجسم لحاملة طائرات أميركية خلال المناورات، في إجراء عسكري، يحمل في طياته، تهديدا إيرانيا مباشرا ضد الوجود الأميركي في مياه الخليج. ودأبت طهران، خلال العامين الأخيرين، على إطلاق تهديدات بإغراق حاملات الطائرات والقطع البحرية الأميركية في الخليج في حال تعرّضها لـ"أي اعتداء وهجوم".
وفي الإطار، أكد القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، اليوم الثلاثاء، في تصريحات خلال المناورات في الخليج، أن سياسات بلاده لصون مصالحها "دفاعية"، قائلا إنها "تعني أننا لن نبادر بمهاجمة أي دولة، لكننا هجوميون بالكامل في التكتيكات والعمليات".
لن نبادر بمهاجمة أي دولة، لكننا هجوميون بالكامل في التكتيكات والعمليات
وأضاف أن مناورات اليوم للقوات الجوية والبحرية للحرس الثوري "كانت هجومية شاملة"، قائلا "إننا على مستوى العمليات والتكتيك هجوميون ونمسك بزمام المبادرة"، وموضحا ذلك بقوله: "استعرضنا مهاجمة سفن العدو في حال أرادت الاعتداء على مصالحنا، وذلك من خلال القيام بعمليات مركبة من العمليات الصاروخية الهجومية وعمليات وحدات القتال البحري مع زرع الألغام من قبل زوارق هجومية".
وبموازاة التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة، تشهد العلاقات الإيرانية الأوروبية أساسا، وتحديدا مع الأطراف الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي، خلال الآونة الأخيرة، توترا وتصعيدا على خلفية الموقف من تنفيذ الاتفاق شبه المنهار، فضلا عن توتر آخر وهو غير مسبوق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ التوصل إلى الاتفاق النووي، بعد مطالبات من الوكالة بـ"ضرورة فتح موقعين مشتبه بهما" أمام المفتشين الدوليين، وسط رفض طهران لها، معتبرة أنها "مبنية على مزاعم استخباراتية إسرائيلية".
علاوة على ما سبق ذكره، ما يؤكد أهمية توقيت المناورات، أن مواقع حساسة إيرانية تشهد حوادث أمنية، في خلال الفترة الأخيرة، تتحدث تقارير إسرائيلية وغربية أنها ناتجة عن "عمليات تخريبية"، وفي مقدمة هذه المواقع، منشأة "نطنز" النووية، التي شهدت انفجارا يوم الثاني من الشهر الجاري، لم تستبعد السلطات الإيرانية وقوف جهات أجنبية وراء الحادث، لتطلق تهديدات متعددة بأنها سترد "بشكل حازم إن ثبت تورط أي دولة أو كيان في ذلك".
وفي السياق، تلفت تصريحات قائد مقر "خاتم الأنبياء" المركزي، غلام علي رشيد، اليوم الثلاثاء، خلال المناورات، النظر، حيث قال "إننا من ميدان مناورات بحرية الحرس نعلن ونحذّر أعداءنا بأنهم حتما سيدفعون ثمن سعيهم لإظهار أوضاع إيران على أنها غير مستقرة"، مؤكدا أن "القوات المسلحة الإيرانية من خلال توظيف جميع القدرات وعناصر القوة سترد في الوقت والمكان المناسبين على تهديدات وتصرفات العدو، المخلة بالاستقرار بحزم وقوة".