استطاع الفنان الفلسطيني علي الهندي أن ينفصل في عالم النحت الخاص به عن كل شيء إلاّ عن وطنيته التي يجسدها من خلال منحوتاتٍ على أقراص الجبس الصماء، لتنطق في ما بعد أجمل العبارات الوطنية، "أنا لا أنساكِ فلسطين"، "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". كلمات نُحِتَت في بطن تلك المادة الجامدة لتتحوّل إلى لوحة ناطقة. انتشرت البودرة الناعمة الناتجة عن النحت مدخل الغرفة وطاولة العمل المكتظة بالأجسام المنحوتة والرفوف الخشبية التي توضع عليها الأجسام الجاهزة والتي زينت كل الجدران. نشأت علاقة حب بين النحّات علي وبين تلك القطع الجامدة، التي يعتبرها ابنته التي تنشأ بين يديه لتتحوّل من جماد إلى لوحة مزينة بالعبارات والرسومات المميزة.
ويقول الهندي لـ "العربي الجديد": "الفكرة قديمة لكني أحاول تجديدها عبر التصاميم الوطنية المميزة واللافتة، وعبارات المشاهير والشعراء، في اللوحات التي لا تغيب عنها خريطة فلسطين والكوفية وحنظلة، والتي تمثّل لنا كفلسطينيين رموزا هامة". ويضيف: "أحاول برفقة الفنان التشكيلي يوسف الهندي الذي التحق بي بعد فترة من عملي انتقاء الأفكار الجيدة والمناسبة، والتي يمكنها تحقيق أهدافنا، ونبرز من خلالها حب الوطن ومزج التاريخ الفلسطيني بالمقدسات والأرض والكلمات المعبرة عن الانتماء والقضية". توقف الهندي قليلاً عن الحديث ليكمل منحوتة جديدة بيده، وصل فيها إلى اللمسات الأخيرة، نفخ عن زواياها الغبار لتظهر خريطة فلسطين من رأس الناقورة حتى رفح، يلفها علم فلسطين، وقال: "ستبدو جميلة حين أنتهي من تزيينها بألوان العلم الأربعة".
يوضح الهندي أنّ هواية النحت بدأت عنده منذ فترة طويلة، لكنّه امتهن العمل فيها منذ عدة سنوات، بعد أن درس هندسة الديكور التي عزّزت لديه قدراته ومكّنته من تطوير عمله بشكل أفضل، إلى أن أصبح ينحت عباراته باللغتين العربية والانكليزية. ويُقبل الغزّيون والمغتربون بشكل كبير جداً على المنتوجات الإبداعية التي تجسد القضية الفلسطينية بقطع فنية. ويلفت الفنان الفلسطيني إلى أنّ العمل بالنحت مرهق للغاية، وقال: "من الصعب تحويل مادة جامدة الى لوحة فنية تنطق بالجمال وتحرك الأحاسيس". ويوضح أن بعض القطع تحتاج الى عدة أيام كي يتم إنجازها بالشكل المطلوب.
يعتقد الناس أن هذه المنحوتات من صنع الآلات، لكن ذلك لا يحبطه بل يمثل حافزاً بالنسبة له، ويشعره أنّه وصل إلى درجة الاحتراف الجميل. أمّا فيما يتعلق بالمواد الجامدة التي يقوم الهندي بنحت تصاميمه عليها، فيقول: "في الغالب أنحت على مادة الجبس، وفي بعض الأحيان أنحت على العظم، لكنه مكلف للغاية، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة يتجه الناس إلى طلب القطع المصنوعة من الجبس، والمسنودة بقطعة خشبية".
ويختتم الفنان الهندي حديثه إلى "العربي الجديد" بالقول: "أتمنى أن تصل أفكارنا إلى العالم. فالشعب الفلسطيني ما زال حياً بروح الفكر والإبداع المتأصلة فيه"، لافتاً إلى أنّ أعماله القادمة كلها ستشمل عبارة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".