07 أكتوبر 2024
منطق مذبحة رابعة مستمر في مصر
بهي الدين حسن
كاتب وباحث حقوقي مصري، مدير ومؤسس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، و له مؤلفات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي.
جرى، في الرابع عشر من أغسطس/ آب عام 2013، ارتكاب أبشع مذبحة في التاريخ المصري الحديث، حيث جرى قتل نحو ألف مواطن مصري، بدم بارد، في ساعات محدودة. لم تكن "رابعة" أول مذبحة بعد 25 يناير/ كانون الثاني 2011 أو بعد 3 يوليو/ تموز 2013. ولم تكن أول مذبحة تلوم فيها قوى سياسية الضحايا، وتبرئ القاتل أخلاقيا و/أو سياسيا، فقد تعرّض الضحايا، في أغلبية المذابح التي جرت في ظل حكم المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين للوم. اختلفت فقط هوية الأطراف السياسية (غير الحاكمة) اللائمة، لكن هوية القاتل لم تتغير في كل المذابح خلال أعوام 2011- 2017، أي الشرطة أو/ والجيش والأجهزة الأمنية التي أدارت المذابح وأعمال القتل خارج القانون. تتسم المذبحة في ميدان رابعة العدوية بأنها الأكبر في عدد الضحايا، وفي وقت قياسي، وأنها المذبحة التي جرى التخطيط لها بدم بارد قبل ارتكابها، بما في ذلك إعلان مخططيها مسبقا توقعهم سقوط ضحايا بالمئات على أيديهم، وعلى الرغم من ذلك، نفذوا المذبحة بالدم البارد نفسه.
في الذكرى الرابعة لهذه المذبحة المروعة، من الضروري أن يعيد كل مصري، بصرف النظر عن هويته السياسية أو الدينية، إعادة تأمل المغزى التاريخي والسياسي لهذه المذبحة، ودلالاتها بالنسبة لمستقبل بلاده، وأيضا لمدى شعوره بالأمن والأمان على الصعيد الفردي الشخصي.
ليست "رابعة" مجرد مذبحة، إنها عنوان مرحلة، وسياسةُ حكمٍ يظن أن أركانه "تتثبت" بقدر عدد الجماجم التي يعتليها. لذا، فإن "المذبحة" متواصلة منذ أربع سنوات. قد تتغير الأماكن، وقد تتنوع الوسائل مثلها مثل الضحايا الذين باتوا ينتمون إلى خلفياتٍ سياسيةٍ ودينيةٍ أكثر تنوّعا، ولكن المغزي السياسي المتواصل ل "رابعة" عبر السنين لا يتغير باختلاف المكان والزمان، ولا بتغير الوسائل، أو تنوع هوية الضحايا المصريين.
مضت أربع سنوات، لكن منطق "رابعة" يتواصل في أحكام الإعدام بالجملة على المئات في المحاكمة الواحدة التي يصفها خبراء الآمم المتحدة بأنها "استهزاء بالعدالة".. يتواصل في جرائم التصفية الجسدية الجماعية والفردية اليومية برصاص أجهزة الأمن.. في إخفاء المئات قسريا أحياء أو جثثا.. في قتل المئات تحت التعذيب ومئات المرضى بسبب إهمال علاجهم في
كان خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في 24 يوليو/ تموز 2013، حين كان وزیرا للدفاع، الذي طلب فيه من المصريين منحه تفویضاً شعبيا لما سماها "مواجھة الإرھاب"، هو أكثر المؤشرات وضوحا علي أن المذبحة، بل مذابح أخرى، قادمة، وعلى أن مرحلةً داميةً أكثر قسوة ووحشيةً تتبدّى في الأفق. وأن ما بقي من دولة القانون التي جرى تقويضها تدريجيا منذ يوليو 1952، لن يبقي عليه وزير الدفاع المتعطش للسلطة بأي ثمن، والمستهتر بلا حدود بحق الآدميين في الحياة وفي الكرامة. لذلك، رفض علي الفور مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والذي أشرف بإدارته، بمشاركة منظمات حقوقية مستقلة منحه هذا التفويض، مثلما كان المركز قد رفض تدخل الجيش في الصراع السياسي قبل ذلك بثلاثة أسابيع في 3 يوليو، على الرغم من أن مركز القاهرة كان في مقدمة المنظمات الحقوقية المستقلة التي رصدت جرائم حقوق الإنسان علي مدار العام السابق على احتدام هذا الصراع في 30 يونيو.
خلال أربع سنوات بعد خطاب التفويض، كان الإرهاب قد تمدد من مدينة رفح على الحدود مع غزة لينتشر في شمال سيناء، ويهجّر الأقباط منها، ويتقاسم السلطة عمليا في عاصمتها / العريش، ويضرب في الجنوب في سانت كاترين، ويؤسس تنظيما آخر لاستهداف الأقباط في بقية أرجاء مصر. فضلا عن تأسيس جماعتين للعنف المسلح، تستهدفان رجال الشرطة والجيش والقضاء. بينما تدفع المنظمات الحقوقية المستقلة ثمن عدم توانيها عن فضح جرائم حقوق الإنسان، على الرغم من التهديدات بالقتل وحملات التشهير المنظمة، والتوعد بإعادة الحقوقيين المنفيين خارج مصر في نعوشهم. إذ تخضع هذه المنظمات، وكذلك حقوقيون بارزون بأشخاصهم، لتحقيقات قضائية هزلية متواصلة منذ عامين، ولأحكام بائسة بمصادرة أموال وممتلكات بعض هذه المنظمات ومديريها، وإنذارات وقرارات إدارية بإغلاقها.
آمل أن تكون الذكرى الرابعة لمذبحة "رابعة" مناسبة للحظة إعادة تأمل من الضمير الجمعي للمصريين، ومن جانب كل مصري بصرف النظر عن الانتماء السياسي أو الديني، في مذابح السنوات الست السابقة وآلامها، من مذبحة "ماسبيرو" إلى "رابعة"، مرورا بمذابح شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وفي استاد بورسعيد ومدينة بورسعيد وأمام مقر الحرس الجمهوري وأمام النصب التذكاري في طريق النصر (المنصة)، ومذابح "الظل" في سيناء، والحملات المنهجية المنظمة التي جرت للتحرّش الجنسي بالنساء خلال تجمعات الاحتجاج السياسي. آمل أن يتصدّر برامج المرشحين لرئاسة الجمهورية خططهم لكيفية إعادة الاعتبار للحق في الحياة بسلامةٍ وأمانٍ وكرامةِ لكل المصريين.
دلالات
بهي الدين حسن
كاتب وباحث حقوقي مصري، مدير ومؤسس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، و له مؤلفات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي.
بهي الدين حسن
مقالات أخرى
17 سبتمبر 2024
30 اغسطس 2024
15 يوليو 2024