17 ابريل 2017
من المستهدف.. بنكيران أم "العدالة والتنمية"؟
شفيق عنوري (المغرب)
سمّى الملك محمد السادس، يوم الجمعة 17 مارس/ آذار الجاري، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، لتشكيل الحكومة، خلفا للأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي تم إعفاؤه أخيرا، بعد أن حمّله "البلاغ" الصادر عن الديوان الملكي مسؤولية تأخر تشكيل الحكومة.
عبر رئيس الحكومة المكلف عن دهشته من هذا "التكليف"، وقال إنّ هذا التعيين فاجأه، وهو فعلا مفاجئ لكثيرين، خصوصاً إذا ما استحضرنا أنّ الشخص نفسه سبق وأن شغل منصب وزير الخارجية بين يناير/ كانون الثاني 2012 وأكتوبر/ تشرين الأول 2013، قبل أن يتم إعفاؤه بسبب موقفه من الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي على أول رئيس منتخب في مصر، محمد مرسي.
في هذا الصدد، هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها بنفسها، بعد هذا المستجد: ما هي دلالات تعيين الطبيب الفقيه رئيسا للحكومة؟ وهل سيأتي بجديد أم أن "البلوكاج" سيستمر؟ وماذا وراء هذا كله، رأس رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، كان الهدف، أم أن الحزب هو المستهدف؟
يمكن قراءة تسمية العثماني رئيسا لتشكيل الحكومة من زاويتين، الأولى تدخل في خانة اعتبار قرار الإعفاء، استهدافاً لشخص بنكيران نفسه، وليس الحزب، فشخصية الرئيس الجديد مختلفة عن سابقه بشكل كبير، فهو ذو خطاب متزن، لا يتحدث إلا بعد التفكير في كلّ كلمةٍ تخرج من فمه، ولم يسبق له أن خاض في شرح الواضحات المفضحات، عكس ما كان يفعله بنكيران، بسرده الدائم والمتكرّر لما يتضمنه الدستور، بكون كلّ شيء بيد الملك والحكومة تساعد فقط، الشيء الذي لم يخدم مصالح النظام المخزني الذي يحاول إظهار نفسه ديمقراطياً، وخطاباته ساهمت، وبشكل كبير، في فضح الواقع الاستبدادي للدولة المغربية. وبالدارجة المغربية، يوصف بنكيران صاحب الشخصية المنفعلة بأنّ "لسانو مطلوق"، إلى درجة يصعب توقع ألفاظه وضبطها، عكس العثماني الذي يمكن وصفه بأنّ "كلامو موزون".
أما القراءة الثانية، فتتجاوز استهداف شخصية بنكيران، وتصل إلى استهداف حزب العدالة والتنمية، ولا يعدو تعيين العثماني محاولة لإظهار أنّ المؤسسة الملكية محايدة، وأنّها أعطت الفرصة كاملة للحزب الفائز بالانتخابات. وفي المقابل، سيستمر مسلسل العرقلة نفسه، ليأتي بعدها قرار إعفاء العثماني بشكل مفاجئ كما جاء التعيين، ويتم إبعاده بطريقة "ناعمة".
لو أنّ بلاغ الديوان الملكي تضمّن عبارة "روح الدستور" وحدها، لقلنا إنّ المقصود بها اختيار شخصية أخرى من الحزب نفسه، باعتبار أنّ هذا الأمر لم ينص عليه الدستور، لكن ما ورد قبلها، من تلميح إلى أنّ هناك قرارات أخرى لم ترد بشكل صريح في البلاغ، وهي التي حملتها عبارة "الاختيارات المتاحة"، يعطي إشارات إلى ما سيقع، خصوصا إن لم يتنازل "الخلف"، أكثر مما تنازل "السلف".
حين نتحدث عن حزب، فنحن نتحدث عن مؤسسة، أي أنّ قراراتها تتخذ بشكل تشاوري، ولا يتخذها شخص واحد، أي أنّ بنكيران الذي لم يستطع تشكيل الحكومة، كان يمثل توّجهات حزبه، بمعنى آخر، فحتى بعد تغيير الشخص واختيار العثماني، ستستمر التوجهات، ولن يتنازل أكثر مما تنازل بنكيران، أما إن حدث العكس، فسنتيّقن أنّ المخزن ضرب عصفورين بحجر واحد، تخلّص من "زلات بنكيران"، و"ضرب حزب العدالة والتنمية"، بخضوعه لشروط عزيز أخنوش، وتشكيل حكومة "هجينة"، و"غير منسجمة"، هذا إن جاز تسمية أي حكومة يتم تشكيلها في المغرب، في ظلّ الظروف الحالية بـ "المنسجمة".
الملاحظ، خلال فترة المشاورات، أنّه كلما تنازل بنكيران أكثر، واقترب من تشكيل الحكومة، رفع أخنوش السقف، واشترط المزيد، وهذا ما يمكن أن يستمر، إن كان الهدف يتجاوز شخص بنكيران، فإنّه حتى ولو قبل حزب العدالة والتنمية بالاشتراطات الحالية لأخنوش، سيرفع سقفه، ثم يرفعه.. إلى أن تتحقّق الغاية التي يبحث عنها المتحكّم الحقيقي بالمشهد كله.
الطريقة التي أعفي بها بنكيران مهينة للغاية، فقد جاءت قبل أن يعلن فشله حتى، ومن دون أن يستمع الملك منه لأسباب تأخر تشكيل الحكومة، وكأنّ الأمور خطّط لها مسبقا، والمطلوب الآن من بنكيران توضيح ما وقع في أثناء المشاورات للمغاربة الذين صوّتوا عليه، إذ عليه أن يمتلك الجرأة اللازمة، ليقول بصراحة، لما صار تشكيل الحكومة مرهونا بحزب لم يحقّق سوى 37 مقعدا؟ وما السبب الذي أجبر حزب العدالة والتنمية على التشبّث بأخنوش، وترك حليفه حزب الاستقلال، ولا شك أنّ الأمر يتعلّق بضغوطات، لكن ممن؟ وما طبيعتها؟
هذا ما يجب على رئيس الحكومة السابق أن يمتلك الجرأة والشجاعة الكافيتين للإجابة عنه.
عبر رئيس الحكومة المكلف عن دهشته من هذا "التكليف"، وقال إنّ هذا التعيين فاجأه، وهو فعلا مفاجئ لكثيرين، خصوصاً إذا ما استحضرنا أنّ الشخص نفسه سبق وأن شغل منصب وزير الخارجية بين يناير/ كانون الثاني 2012 وأكتوبر/ تشرين الأول 2013، قبل أن يتم إعفاؤه بسبب موقفه من الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي على أول رئيس منتخب في مصر، محمد مرسي.
في هذا الصدد، هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها بنفسها، بعد هذا المستجد: ما هي دلالات تعيين الطبيب الفقيه رئيسا للحكومة؟ وهل سيأتي بجديد أم أن "البلوكاج" سيستمر؟ وماذا وراء هذا كله، رأس رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، كان الهدف، أم أن الحزب هو المستهدف؟
يمكن قراءة تسمية العثماني رئيسا لتشكيل الحكومة من زاويتين، الأولى تدخل في خانة اعتبار قرار الإعفاء، استهدافاً لشخص بنكيران نفسه، وليس الحزب، فشخصية الرئيس الجديد مختلفة عن سابقه بشكل كبير، فهو ذو خطاب متزن، لا يتحدث إلا بعد التفكير في كلّ كلمةٍ تخرج من فمه، ولم يسبق له أن خاض في شرح الواضحات المفضحات، عكس ما كان يفعله بنكيران، بسرده الدائم والمتكرّر لما يتضمنه الدستور، بكون كلّ شيء بيد الملك والحكومة تساعد فقط، الشيء الذي لم يخدم مصالح النظام المخزني الذي يحاول إظهار نفسه ديمقراطياً، وخطاباته ساهمت، وبشكل كبير، في فضح الواقع الاستبدادي للدولة المغربية. وبالدارجة المغربية، يوصف بنكيران صاحب الشخصية المنفعلة بأنّ "لسانو مطلوق"، إلى درجة يصعب توقع ألفاظه وضبطها، عكس العثماني الذي يمكن وصفه بأنّ "كلامو موزون".
أما القراءة الثانية، فتتجاوز استهداف شخصية بنكيران، وتصل إلى استهداف حزب العدالة والتنمية، ولا يعدو تعيين العثماني محاولة لإظهار أنّ المؤسسة الملكية محايدة، وأنّها أعطت الفرصة كاملة للحزب الفائز بالانتخابات. وفي المقابل، سيستمر مسلسل العرقلة نفسه، ليأتي بعدها قرار إعفاء العثماني بشكل مفاجئ كما جاء التعيين، ويتم إبعاده بطريقة "ناعمة".
لو أنّ بلاغ الديوان الملكي تضمّن عبارة "روح الدستور" وحدها، لقلنا إنّ المقصود بها اختيار شخصية أخرى من الحزب نفسه، باعتبار أنّ هذا الأمر لم ينص عليه الدستور، لكن ما ورد قبلها، من تلميح إلى أنّ هناك قرارات أخرى لم ترد بشكل صريح في البلاغ، وهي التي حملتها عبارة "الاختيارات المتاحة"، يعطي إشارات إلى ما سيقع، خصوصا إن لم يتنازل "الخلف"، أكثر مما تنازل "السلف".
حين نتحدث عن حزب، فنحن نتحدث عن مؤسسة، أي أنّ قراراتها تتخذ بشكل تشاوري، ولا يتخذها شخص واحد، أي أنّ بنكيران الذي لم يستطع تشكيل الحكومة، كان يمثل توّجهات حزبه، بمعنى آخر، فحتى بعد تغيير الشخص واختيار العثماني، ستستمر التوجهات، ولن يتنازل أكثر مما تنازل بنكيران، أما إن حدث العكس، فسنتيّقن أنّ المخزن ضرب عصفورين بحجر واحد، تخلّص من "زلات بنكيران"، و"ضرب حزب العدالة والتنمية"، بخضوعه لشروط عزيز أخنوش، وتشكيل حكومة "هجينة"، و"غير منسجمة"، هذا إن جاز تسمية أي حكومة يتم تشكيلها في المغرب، في ظلّ الظروف الحالية بـ "المنسجمة".
الملاحظ، خلال فترة المشاورات، أنّه كلما تنازل بنكيران أكثر، واقترب من تشكيل الحكومة، رفع أخنوش السقف، واشترط المزيد، وهذا ما يمكن أن يستمر، إن كان الهدف يتجاوز شخص بنكيران، فإنّه حتى ولو قبل حزب العدالة والتنمية بالاشتراطات الحالية لأخنوش، سيرفع سقفه، ثم يرفعه.. إلى أن تتحقّق الغاية التي يبحث عنها المتحكّم الحقيقي بالمشهد كله.
الطريقة التي أعفي بها بنكيران مهينة للغاية، فقد جاءت قبل أن يعلن فشله حتى، ومن دون أن يستمع الملك منه لأسباب تأخر تشكيل الحكومة، وكأنّ الأمور خطّط لها مسبقا، والمطلوب الآن من بنكيران توضيح ما وقع في أثناء المشاورات للمغاربة الذين صوّتوا عليه، إذ عليه أن يمتلك الجرأة اللازمة، ليقول بصراحة، لما صار تشكيل الحكومة مرهونا بحزب لم يحقّق سوى 37 مقعدا؟ وما السبب الذي أجبر حزب العدالة والتنمية على التشبّث بأخنوش، وترك حليفه حزب الاستقلال، ولا شك أنّ الأمر يتعلّق بضغوطات، لكن ممن؟ وما طبيعتها؟
هذا ما يجب على رئيس الحكومة السابق أن يمتلك الجرأة والشجاعة الكافيتين للإجابة عنه.
مقالات أخرى
07 مارس 2017
16 يناير 2017
14 يناير 2017