من يخدش الحياء بعد أحمد ناجي؟

17 سبتمبر 2016
(أحمد ناجي، الصورة: حملة "ضد محاكمة الخيال"/ فيسبوك)
+ الخط -
في رسالته الأخيرة، عبّر الكاتب المصري أحمد ناجي، المحبوس بتهمة خدش الحياء العام، على خلفية نشره فصلًا من روايته "استخدام الحياة" في صحيفة أخبار الأدب المصرية، عن شعوره بتعنّت مؤسّسة القضاء، مطالبًا مجلس النوّاب بسرعة تعديل المادة 178 من قانون العقوبات، والتي تقيّد حرّية الكُتّاب والمبدعين بعقوبة الحبس بما يتعارض مع الدستور وحرّية التعبير.

هذا التعنّت الذي يواجهه كاتب شاب يحلم بالحرية في بلٍد قامت فيه الثورة مرّتين، أصبح رمزًا لمحاكمة الخيال، ومصدر قلق للكتّاب المقبلين على تقديم مشاريعهم الأدبية، خوفًا من ملاقاة المصير نفسه، وهو مصير على الرغم من أنه ليس بجديدٍ على المشهد الأدبي في مصر، إلا أنه يدفعنا إلى السؤال: هل يرتجف قلم الكتّاب وتحديدًا الشباب من أن يواجهوا مصير ناجي؟

القاصّ المصري سعيد الكفراوي، يرى أن حظ الكتّاب مع الزمن الذي مارست فيه "ثورة" 23 يوليو/ تموز حكمها للبلاد، كان حظًا سيئًا، فعلى مدى ستّين عامًا، يضيف الكفرواي، يُزّج بالكتّاب في السجون وتُصادر حريّاتهم، مستشهدًا بفترة الستّينييات، حيث كادت السجون تمتلئ بالكتاب من جميع العقائد السياسية، معلّقاً بالقول: "مع مجيء حكم العسكر، الذين يحكمون البلاد في عالمنا الثالث، أصبحت مصادرة الكتابة وسجن الكتاب صفةً ثابتة".

يعتقد المتحدّث أن ظاهرة سجن الكتاب بسبب آرائهم في مصر لن تنتهي، لأن حرّية التعبير لا تنتعش في ظل غياب مناخ ديمقراطي عام، مرجعًا محاكمات الكتّاب من المختلفين مع السلطة والمطالبين بالتغيير وحرّية الرأي، إلى غياب قيم الدولة المدنية، وما دامت هذه القيم غائبة، بحسبه، سيظل الصدام قائمًا بين الكاتب وبين السلطة، وستظل أبواب المعتقلات مفتوحة لكل من ينشد حرّية أو نقدًا أو معارضةً، على حدّ قوله.


جوائز الأخلاق
ويرى الكفراوي أن حظ الكاتب في انتقاد السلطة التي تستبدل نفسها بالناس ضئيل جدًا، معتبرًا أن أكثر كتّاب مصر موهبة، مثل يوسف إدريس، ولطفي الخولي، وعبد الرحمن الشرقاوي، وأغلب جيل الستينيات من شعراء مصر، مثل محمد عفيفي مطر، كانوا نزلاء الزنازين والسّجون وتعرّضوا للقمع والمطاردة.

أما الكاتب والسيناريت باسم شرف، والذي تم القبض عليه من قبل، أثناء أزمة جزيرتي تيران وصنافير، فيقول: "سجن الكتّاب والمفكّرين والفنانين معروف للجميع، والكاتب أو الفنان قبل أن يخطو خطوة واحدةً يعرف هذا جيدًا".

ويوضّح شرف أن ما حدث لأحمد ناجي هو نتيجة التعامل مع الدولة العسكرية "الأصولية"، التي ترى أن الفنون "حرام"، معتبرّا أنّها تزعم تأييدها للحرّيات والفنون والثقافة، ولكن في الحقيقة هي لا تؤمن بها، بل تعمل وفقاً للمنطق الأبوي الذي يفرض وصاياه على الشعب، يضيف المتحدّث.

يقول صاحب سيناريو "راجل وست ستات": "لا أستبعد أن نشهد في ما بعد حبس المزيد من الكتّاب، وأنا شخصياً لا أخاف من هذا المصير، فمصيري أن أكون كاتبًا، وما أتمنّاه فعليًا من الدولة هو أن تُدرك جيدًا أنه لا يوجد لديها ما تنافس به إلا الكتابة والإبداع في مختلف مجالاته، فلا الاقتصاد ولا السياحة يمكن المنافسة بهما في الخارج، وفي النهاية لن تبقى إلا الكلمة التي يردّدها الناس".


السلطة والإيروتيكا
من جهته، يصف وحيد الطويلة الكتابة عند الكثيرين بـ"فعل شجاعة"، معتبرًا أن ما حدث في الماضي لم يجعل أحدًا يتخلّى عن قناعاته بماهية الكتابة، طالما أوغلت في معنى الجمال أيًا كان شكلها، ويعلّق المتحدث: "لا أظن أن أحدًا سيخاف، كتّاب الحكومات فقط من يشعر بالخوف، لكن أيضًا علينا أن ننظر إلى تصريحات المعنيين بالجوائز، الذين يجهرون بأنهم لن يمنحوا جوائزهم إلا لكتابات تتّفق مع المعايير الأخلاقية والعادات والتقاليد في بلادهم، فهل هناك من سيكتب بالمقاس؟ الإجابة هي نعم. وهل هناك من سيكتب الواقع كما يراه هو رغم أنف كل المعايير؟ نعم. هل يجب أن نكتب ونكافح هذا التفكير الرديء؟ نعم وألف نعم".

يعتبر الطويلة أن السلطة غالبًا لا تعنيها الكتابة في الدين ولا الإيروتيكا طالما ابتعدت الكتابة عن شوارب الأنظمة، مردفًا أن أغلب الكتّاب الذين زجّ بهم في السجون كان بسبب هجاء الأنظمة وضرب التحالف بين الدين والسلطة، أما المحبوسون بسبب الأخلاق فقليلون، مشيرًا إلى أن حبس كاتب واحد كاف للدلالة على تغوّل السلطة.


الإبداع والابتذال
التّهمة التي أسقطت على الكاتب ناجي ليست مقنعة كما يراها كثيرون، وتتّفق مع هذا الرأي الكاتبة هند مختار، التي ترى أن سجن الكاتب بتهمة خدش الحياء العام، أو لغيره من أصحاب الرأي بتهمة ازدراء الأديان، لن يوقف المبدعين عن الكتابة الإيروتيكية أو مناقشة الأفكار الفلسفية أو الدينية لعدة أسباب، حتى وإن كان الكاتب يواجه عدة مشاكل: "أهمّها أن المجتمع المصري لا يقرأ عمومًا، فأكبر دور النشر لا تتجاوز إصداراتها طبع ألف نسخة للمؤلّف الواحد، وحتى لو توالت الطبعات ووصلت إلى عشرة أو عشرين طبعة للكتاب، فهو عدد قليل جدًا في النهاية مقارنة بمجتمع يصل عدده سكّانه إلى تسعين مليون نسمة".

أحد الأسباب التي تدفع الكاتب للاستمرار، حسب المتحدثة، هي أن مصير أحمد ناجي ليس بجديد على المجتمع المصري، فقد تمّت مهاجمة عميد الأدب طه حسين قضائيًا بسبب كتاب "الشعر الجاهلي في الميزان"، وأيضا الكاتب علي عبد الرازق بسبب كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، ولم يتوقّف الإبداع ونسي الناس من سجنهم وبقي الإبداع.

وتتساءل هند عن شروط بقاء الإبداع رغم وسائل القمع التي يتعرّض لها الكاتب، وعما إذا كان يستحق كل هذه الضجة أم لا؟ معتبرة أن الشباب الذي استطاع أن يقوم بثورة 25 يناير قادر على القيام بثورة أدبية قوامها حرّية الفكر والإبداع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك شعرة بين الإبداع والابتذال.


خطوط حمراء
من جهتها، الكاتبة آية عزت، الفائزة بجائزة أخبار الأدب عن مجموعتها القصصية "أبيض وأسود"، ترى أنه لا يعقل أن تكون للفن أو الأدب حدود، مستطردة، وتأسّفت المتحدّثة من سجن المبدعين إذا تجاوزوا "الخطوط الحمراء": "أعتقد أن هناك من سيفكر كثيرًا في ما يكتبه أو يقدمه من فنٍّ خوفًا من هذا المصير، وسنجد أن الكاتب الحقيقي الذي يعي رسالته جيدًا، ويسعى إلى تحقيقها وتقديمها لن يتوّقف أمام رقابة المجتمع".

تتقاطع وجهة نظر عزّت مع رؤية كثر من الكتّاب، الذين يرون أن الفترة المقبلة في مصر، ربّما تشهد حالة من التذبذب بين الكتاب الشباب، بين من يخشى مصير ناجي وبين من يواجه التهديدات أيًا كان نوعها.


(مصر)

دلالات
المساهمون