من تفجيرات داعش إلى طرد الحكومة:من يستفيد من عدم الاستقرار في عدن؟

15 مارس 2018
من آثار تفجير منشأة التغذية الخاصة بالحزام الأمني(وائل ثابت/الأناضول)
+ الخط -
لم تمرّ سوى أسابيع قليلة، على آخر اعتداءين انتحاريين تبناهما تنظيم "داعش" في مدينة عدن جنوبي اليمن، حتى نفذ اعتداء جديداً، يوم الثلاثاء الماضي، استهدف منشأة التغذية الخاصة بقوات الحزام الأمني، ما يعكس صورة عن التدهور الأمني المستمر الذي تعيشه المدينة، بالترافق مع حالة من عدم الاستقرار السياسي، والتي منعت المدينة من التحوّل إلى "عاصمة مؤقتة" فعلية لليمنيين، في ظلّ تعدد الولاءات داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعلى نحو خاص، تلك المعروفة بتبعيتها للإمارات، صاحبة القرار الأول في عدن، كما وصفتها الحكومة اليمنية.

وعاود تنظيم "داعش" تفجيراته في عدن، بصورة لافتة، إذ بلغ عدد الانتحاريين التابعين للتنظيم في الهجومين الأخيرين بأقل من شهر، خمسة انتحاريين، نشر التنظيم صورهم على الإنترنت. كما تبنى في الرابع من مارس/آذار الحالي، عملية اغتيال جنديين في حي المنصورة  نفسه. ووثق لحظات الاغتيال بالتصوير من أكثر من زاوية، في مؤشر على عودة حضور التنظيم في المدينة بصورة لافتة، بعد أن كان نشاطه تراجع نسبياً في العام 2017، على الرغم من أن أكبر العمليات التي نفذها في عدن، كانت في نوفمبر/تشرين الثاني العام المنصرم. يومها نفذ التنظيم عمليات انتحارية، مدعومة بمسلحين مهاجمين (انغماسيين)، استهدفوا مقر البحث الجنائي في عدن، واستمرت الاشتباكات مع مسلحي التنظيم لساعات، بعد أن سيطروا على المقر.

وعلى صعيد التوقيت جاء تفجير الثلاثاء بعد يوم واحدٍ من وصول فريق الخبراء الدوليين المكلف من مجلس الأمن إلى المدينة، وعقده لقاءات كان أبرزها مع وزير الداخلية أحمد الميسري. أما الهجوم الذي تبناه التنظيم الشهر الماضي، فجاء قبل أيام قليلة، من الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، لمناقشة تقرير فريق الخبراء والحسم بملف العقوبات المفروضة على يمنيين.

ومنذ إعلانها مدينة "محررة" من مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم، في يوليو/تموز2015، كانت الإمارات الدولة التي تولت واجهة نفوذ التحالف بقيادة السعودية في عدن. وكان من المقرر أن تعود الحكومة اليمنية والرئيس عبدربه منصور هادي، إلى عدن، باعتبار أن "عودة الشرعية" كانت على رأس الأهداف المعلنة للتحالف، إلا أن المدينة مع ذلك، دخلت بموجات عنفٍ وانفلات، لأسباب عدةٍ، كان أبرزها في الشهور الأولى على الأقل، فوضى الجماعات المسلحة التي خلقتها الحرب في ظل انهيار القوات العسكرية والأمنية التي كانت تتولى الأمن في المدينة، وأغلب منتسبيها كانوا من المحافظات الشمالية، في حين انقشعت الحرب في عدن، على مجموعات مسلحة جديدة بولاءات متعددة. وكانت هناك أحياء يسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، مسلحو تنظيم "القاعدة"، الذين انسحبوا في أواخر العام 2016 وفي الأشهر الأولى من 2017، على أثر حملات أمنية، بعد أن كان أحد أسباب انتشارهم هو الفراغ الذي وجدوه بغياب قوات نظامية.

في المرحلة الثانية، التي كان من المفترض فيها استيعاب المكونات المسلحة من "المقاومة الجنوبية" والمجندين والجنود في قوات نظامية، برزت أزمة تعدد الولاءات. عملت أبوظبي على إنشاء ودعم قوات موالية لها  خارج إطار الحكومة الشرعية. وكان أبرز تجلياتها قوات الحزام الأمني التي تُصنف بأنها قوات تابعة للإمارات، بالإضافة إلى وجود قوات أخرى جرى تنظيمها أو تأسيسها بأسس مناطقية وولاءات متفرقة، بما فيها جزء من أجهزة الشرطة في عدن، والمحسوبة على مدير الأمن في المدينة، شلال علي شائع. ويعد شائع من أبرز قيادات الحراك الجنوبي سابقاً، ومن المحسوبين على أبوظبي، وما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، حالياً.

وانعكس الوضع الأمني وتعدد الولاءات في القوات العسكرية والأمنية التي نشأت في الغالب بعد الحرب، على الاستقرار السياسي أو ساهم كل منهما في تغذية الآخر. وفشلت عدن في أن تكون الحاضنة للحكومة الشرعية حتى اليوم، خصوصاً مع ما يمكن وصفه بالمرحلة الثالثة في عدن، وهي وصول الصراع بين الشرعية والإمارات وحلفائها إلى مرحلة غير مسبوقة العام الماضي. وكان من أحد أسباب ذلك دعم أبوظبي لتأسيس ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، في مايو/أيار العام الماضي، وما تبع ذلك من تطورات، ساهمت في  تآكل إضافي في وجود وهيبة الشرعية، الضعيفة في الأصل. كما أدخلت سياسة أبوظبي الصراع مرحلة جديدة في أوساط القوى العسكرية والأمنية بين الموالين للشرعية والموالين للانتقالي.

ويؤكد مسؤولون حكوميون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر وأعضاء حكومته الذين تواجدوا في عدن لشهور طويلة العام الماضي، كانوا يجدون عوائق في التحرك بمختلف أحياء المدينة. وشهدت عدن مرةً على الأقل، حادثة اعتراض موكب رئيس الوزراء، من قبل قوات موالية للإمارات، بينما كان موكب رئيس الوزراء متوجهاً لحضور حفل في أحد معسكرات قوات الشرعية. ومعروف أن  الرئيس هادي اضطر لمغادرة عدن العام الماضي، بعدما كاد الوضع يصل إلى اشتباكات بين قوات موالية له وأخرى للإمارات، ووصل إلى اشتباكات محدودة في مطار عدن الدولي.

وأضيفت إلى ذلك أحداث يناير/كانون الثاني المنصرم، والمتعلقة بمحاولة القوات الموالية للإمارات و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعومة من أبوظبي، فرض سيطرتها على المدينة. ورافق ذلك اشتباكات قبل التوصل إلى تهدئة لم تنهِ عوامل الانقسام العسكري والأمني الذي أدى إلى المواجهات. وفي المحصلة تبدو عدن في الشهرين الأخيرين، بوضع أمني وسياسي أصعب من ذي قبل، ليس أقل شواهده مغادرة أغلب مسؤولي الحكومة والتصريحات المتكررة من وزراء التي تهاجم التحالف، وصولاً إلى تفجيرات داعش، على نحو يعكس فشلاً أمنياً من جهة، ويثير تساؤلات عما إذا كانت هناك أطراف أخرى مستفيدة من إبقاء عدن في حالة من عدم الاستقرار من جهة أخرى. علماً أن الحكومة اليمنية، وعلى أثر أحداث يناير/كانون الثاني الماضي، أشارت بوضوح إلى أن الإمارات هي صاحبة القرار الأول في المدينة.

دلالات