يعتبر الفساد الإداري والمالي أحد أهم الظواهر في العالم العربي، فهو سوء استعمال النفوذ العام من أجل تحقيق مصالح خاصة ومكاسب شخصية، حيث يتم اعتقال الدولة وتقويض المسار الديمقراطي وهدم الاستقرار السياسي.
ونجد في هذا الصدد، استخدام السلطة لتشجيع الثراء المدمر للأسس الاقتصادية. وقد تحول الفساد من حالات استثنائية محدودة إلى أسلوب إدارة يهدد بأزمات وانسدادات بنيوية عميقة على الدول العربية، خاصة أن العديد من القوانين أصبحت فاسدة أو محرضة على الفساد، فيصبح الفساد بالقانون وليس الفساد بمخالفة القانون.
وفي ذات السياق، تتعدد أشكال الفساد بين أنشطة فردية وأخرى جماعية، فالرشوة تعني الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل أو للامتناع عن تنفيذه بطريقة مخالفة للأصول.
أما المحسوبية فهي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص، مثلا: الحزب، العائلة، الطائفة، العشيرة، والمحاباة تتمثل في تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصلحة معينة. بينما الواسطة هي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة لأسباب تتعلق بالقرابة والانتماء.
علاوة على ذلك، نجد أشكالاً أخرى من الفساد تدخل في إطار الجريمة المالية، وخاصة نهب المال العام الذي يتجلى في الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
أما الابتزاز فهو الحصول على أموال من طرق معينة في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد. ويعنى بالاختلاس الاستيلاء على المال العام من قبل من أوكل إليه أمر إدارته أو صيانته. بالإضافة إلى الاحتكار الاقتصادي الذي يلغي المنافسة الشريفة بالأسواق فينفرد مشروع واحد أو تكتل بعرض سلعة ليس لها بديل، و كذلك، غسيل الأموال كأحد أبرز أنواع الفساد المستفحل في العالم بأسره.
وعلى هذا النحو، يشل الفساد خلايا التنمية، فيضعف الإنتاج والرخاء الاقتصادي، ويغيب التوزيع العادل للثروة، وتضيع مقدرات الدولة الطبيعية والحقوقية والمعرفية في غياهب الفقر والجهل والمرض. كما يترتب عن الفساد اندثار تكافؤ الفرص وتدمير ثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في المجتمع مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.
وتعد المنطقة العربية بؤرة شاسعة يستشري فيها الفساد، الأمر الذي أفرز نظاما ريعيا معتمدا على منظومة علاقات أدت إلى تضخم بيروقراطي مفرط واستفحال الفساد والإفساد في أواصر الدولة، الأمر الذي نجم عنه تجسير للهوة في القطاعات الاقتصادية بين القطاع المنظم وغير المنظم وفي التركيبة المجالية بين المجال الحضري والقروي، ثم في التوزيع الترابي بين المركز والجهة وكذلك في الهيكل المجتمعي بين الرجل والمرأة و بين الأغنياء والفقراء.
وفي ذات السياق، نسجل أن الدول العربية عانت من الانحطاط في معدل التنافسية الدولية فباستثناء اقتصاديات الخليج تتمركز الدول العربية في ما وراء الصف السبعين على المستوى الدولي، بل تصل إلى مراتب جد متدنية (اليمن: 145، موريتانيا: 141، مصر 118، ليبيا 108)، وبشكل مشابه يدرج مؤشر مناخ الأعمال الدول العربية تحت منزلة الخمسين عدا المملكة السعودية، والإمارات، وقطر وتونس.
وفي سياق متصل، يكشف تقرير منظمة الشفافية الدولية عن التوغل الممتد للفساد في شريان الاقتصادات العربية، إذ يحتل السودان الصف 173 عالميا والعراق 169، ثم ليبيا 160 على مستوى مكافحة الفساد الإداري والمالي. فعلى الرغم من معدلات النمو الإيجابية المحققة ببعض الدول العربية، يظل هذا النمو كميا ومعاقا وغير قادر على إنجازات وقفزات نوعية في ما يخص خلق فرص للشغل وتقوية الإنتاجية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن 30 % من الشباب العربي عاطلون و40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر و45% يعانون الحرمان، وأربع دول فقط توجد فوق المرتبة الخمسين من سلم التنمية البشرية في العالم، وهي بذلك كلها مؤشرات توضح جليا عارا اقتصاديا وتنمية هجينة وترهلا مؤسساتيا بيّناً.
وبناء على ما تقدم، فإن مواجهة الفساد تستوجب منظومة إصلاحية متكاملة الأركان تبدأ بتحديث الترسانة القانونية وتحيينها مع متغيرات الظرفية، وكذلك مراجعة أدوار ومسؤوليات الدولة التي تفصل بين السلطات وتحصن القوانين عبر استقلال القضاء، إضافة إلى أن مواجهة الفساد هي حرب ضمنية على الاستبداد بكل أشكاله، تتسم بترسيخ الآليات الديمقراطية، وتكريس المبادئ الدستورية، ثم العمل على محاصرة الفساد عبر الهيئات الرقابية وأجهزة التدقيق وتقصي الحقائق، لكي ترصد وتتابع حركة الفساد بجميع المؤسسات مع الحث على أخلاقيات النزاهة والشفافية والحق في الحصول على المعلومة للعموم. علاوة على ضرورة الاستعانة بمبادئ الحوكمة الرشيدة كمنهج للحكم التشاركي، الذي يفسح المجال للمواطنين بكل شرائحهم، وللمجتمع المدني المشاركة في صنع القرار وإعداد السياسات وتسيير القضايا العمومية، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وختاما، لا بد من تحصين الإدارة من خلال تدعيم اللامركزية في السلطة، والتوجه نحو الأهداف، وتبسيط اللوائح الإدارية، وكذلك التوعية وإشعار الناس بأن محاربة الفساد هي ركن عتيد في بناء الدولة الديمقراطية المنشودة.
(المغرب)
ونجد في هذا الصدد، استخدام السلطة لتشجيع الثراء المدمر للأسس الاقتصادية. وقد تحول الفساد من حالات استثنائية محدودة إلى أسلوب إدارة يهدد بأزمات وانسدادات بنيوية عميقة على الدول العربية، خاصة أن العديد من القوانين أصبحت فاسدة أو محرضة على الفساد، فيصبح الفساد بالقانون وليس الفساد بمخالفة القانون.
وفي ذات السياق، تتعدد أشكال الفساد بين أنشطة فردية وأخرى جماعية، فالرشوة تعني الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل أو للامتناع عن تنفيذه بطريقة مخالفة للأصول.
أما المحسوبية فهي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص، مثلا: الحزب، العائلة، الطائفة، العشيرة، والمحاباة تتمثل في تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصلحة معينة. بينما الواسطة هي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة لأسباب تتعلق بالقرابة والانتماء.
علاوة على ذلك، نجد أشكالاً أخرى من الفساد تدخل في إطار الجريمة المالية، وخاصة نهب المال العام الذي يتجلى في الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
أما الابتزاز فهو الحصول على أموال من طرق معينة في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد. ويعنى بالاختلاس الاستيلاء على المال العام من قبل من أوكل إليه أمر إدارته أو صيانته. بالإضافة إلى الاحتكار الاقتصادي الذي يلغي المنافسة الشريفة بالأسواق فينفرد مشروع واحد أو تكتل بعرض سلعة ليس لها بديل، و كذلك، غسيل الأموال كأحد أبرز أنواع الفساد المستفحل في العالم بأسره.
وعلى هذا النحو، يشل الفساد خلايا التنمية، فيضعف الإنتاج والرخاء الاقتصادي، ويغيب التوزيع العادل للثروة، وتضيع مقدرات الدولة الطبيعية والحقوقية والمعرفية في غياهب الفقر والجهل والمرض. كما يترتب عن الفساد اندثار تكافؤ الفرص وتدمير ثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في المجتمع مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.
وتعد المنطقة العربية بؤرة شاسعة يستشري فيها الفساد، الأمر الذي أفرز نظاما ريعيا معتمدا على منظومة علاقات أدت إلى تضخم بيروقراطي مفرط واستفحال الفساد والإفساد في أواصر الدولة، الأمر الذي نجم عنه تجسير للهوة في القطاعات الاقتصادية بين القطاع المنظم وغير المنظم وفي التركيبة المجالية بين المجال الحضري والقروي، ثم في التوزيع الترابي بين المركز والجهة وكذلك في الهيكل المجتمعي بين الرجل والمرأة و بين الأغنياء والفقراء.
وفي ذات السياق، نسجل أن الدول العربية عانت من الانحطاط في معدل التنافسية الدولية فباستثناء اقتصاديات الخليج تتمركز الدول العربية في ما وراء الصف السبعين على المستوى الدولي، بل تصل إلى مراتب جد متدنية (اليمن: 145، موريتانيا: 141، مصر 118، ليبيا 108)، وبشكل مشابه يدرج مؤشر مناخ الأعمال الدول العربية تحت منزلة الخمسين عدا المملكة السعودية، والإمارات، وقطر وتونس.
وفي سياق متصل، يكشف تقرير منظمة الشفافية الدولية عن التوغل الممتد للفساد في شريان الاقتصادات العربية، إذ يحتل السودان الصف 173 عالميا والعراق 169، ثم ليبيا 160 على مستوى مكافحة الفساد الإداري والمالي. فعلى الرغم من معدلات النمو الإيجابية المحققة ببعض الدول العربية، يظل هذا النمو كميا ومعاقا وغير قادر على إنجازات وقفزات نوعية في ما يخص خلق فرص للشغل وتقوية الإنتاجية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن 30 % من الشباب العربي عاطلون و40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر و45% يعانون الحرمان، وأربع دول فقط توجد فوق المرتبة الخمسين من سلم التنمية البشرية في العالم، وهي بذلك كلها مؤشرات توضح جليا عارا اقتصاديا وتنمية هجينة وترهلا مؤسساتيا بيّناً.
وبناء على ما تقدم، فإن مواجهة الفساد تستوجب منظومة إصلاحية متكاملة الأركان تبدأ بتحديث الترسانة القانونية وتحيينها مع متغيرات الظرفية، وكذلك مراجعة أدوار ومسؤوليات الدولة التي تفصل بين السلطات وتحصن القوانين عبر استقلال القضاء، إضافة إلى أن مواجهة الفساد هي حرب ضمنية على الاستبداد بكل أشكاله، تتسم بترسيخ الآليات الديمقراطية، وتكريس المبادئ الدستورية، ثم العمل على محاصرة الفساد عبر الهيئات الرقابية وأجهزة التدقيق وتقصي الحقائق، لكي ترصد وتتابع حركة الفساد بجميع المؤسسات مع الحث على أخلاقيات النزاهة والشفافية والحق في الحصول على المعلومة للعموم. علاوة على ضرورة الاستعانة بمبادئ الحوكمة الرشيدة كمنهج للحكم التشاركي، الذي يفسح المجال للمواطنين بكل شرائحهم، وللمجتمع المدني المشاركة في صنع القرار وإعداد السياسات وتسيير القضايا العمومية، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وختاما، لا بد من تحصين الإدارة من خلال تدعيم اللامركزية في السلطة، والتوجه نحو الأهداف، وتبسيط اللوائح الإدارية، وكذلك التوعية وإشعار الناس بأن محاربة الفساد هي ركن عتيد في بناء الدولة الديمقراطية المنشودة.
(المغرب)