موسم التخفيضات في تونس: سراب على الواجهات

26 فبراير 2017
+ الخط -

بسبب نسيان أحد العاملين نزع الثمن القديم، انتشرت في الأيّام الأخيرة على موقع فيسبوك صورة لبطاقة ثمن قميص نسائي من إحدى الماركات العالمية الموجودة في تونس منذ سنوات، تظهر أن الثمن الأصلي للقميص هو نفسه قبل الإعلان عن نسبة التخفيض المعلن من قبل المحل، وهي 28%.

حادثة ليست غريبة، ولكنها منحتنا وثيقة إثبات أخرى لأحد أنواع التحايل التي تُمارس في تونس من قبل المحلّات العادية لبيع الملابس الجاهزة، وحتى بعض الماركات العالمية.

يُعدّ "الفريب" أي الملابس المستعملة، ملاذًا للتونسيين من غلاء أسعار الملابس الجاهزة من الماركات المعروفة، ومهربًا من رداءة الملابس الجديدة المقلّدة. فالمواطن وهو يُمنّي نفسه بموسم "solde" يمتد على مدار أكثر من شهر، يجد نفسه ضحيّة مسمّيات مزيفة، بسبب ممارسات أصحاب المتاجر والمحلّات الذين يحترفون التحايّل بشتى الطرق، يعاضدهم ضعف رقابة فرق المراقبة التابعة لوزارة التجارة.

تلاعب بالأسعار 
طريقة الاحتيال الأكثر شيوعًا حسب من تحدثت إليهم "جيل"، هي التلاعب بالأسعار عبر رفع أسعار المنتجات بطريقة عشوائية، ثم التخفيض فيها إلى الثمن الأصلي.

فتجد ملصقات الأسعار تحمل ثلاثة أثمان في أحيان كثيرة في محاولة لإقناع الزبون بأن الحدث هو فرصة نادرة، وأن ثمن القطعة الباهظ قد صار بخسًا مقارنة بقيمته الحقيقية، هنا، تقول فاطمة الرقيق ( 23 سنة)، إنها قصدت إحدى المحلّات التجارية للملابس الجاهزة بمحافظة صفاقس قبل موسم التخفيضات، وعادت لاحقًا- أي في فترة التخفيضات- للمحلات نفسها، فتبيّن لها أن الأسعار هي نفسها، وقد تم فقط شطب أسعار أخرى وضعت فوقها لتظهر كأنها عملية خصم عادية.

بمثل هذه الطريقة، يعمد القائمون على التخفيضات إلى إقناع الزبائن بقيمة المنتج التي تتجلّى في ثمنه الباهظ، وهو ما يدفع بهم إلى الإقبال على الشراء لاعتقاد باطني بأنها الفرصة المثالية، ولا سيما أن الـ"solde" في تونس رغم نقائصه، صار موعدًا للتبضع يقبل عليه التونسيون بمنطق التبعية أكثر من أي شيء آخر، حيث تملأ الحشود أهم المراكز التجارية، أين تختنق الحركة دون رضى من أحد تقريبًا.


إعلانات كاذبة 
تكسو واجهات محلّات الملابس في تونس عبارة "solde"، وتحت أكثر من نسبة، تبدأ من 10 % وتصل حتى 70%. بيد أن العرض يبقى في حدود الواجهات، ففي الداخل نادرًا ما تجد تخفيضًا يصل إلى 70%، و هو في الغالب لا يتعدى بضعة قطع قديمة وغير مطلوبة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن متاجر الماركات المعروفة وإن وجدت بها نسبة تخفيض فهي توضع على موديلات قديمة أيضًا رفضها الزبائن طيلة السنة فتكدست ليتم التخلّص منها، فيما يتمّ إخفاء الموديلات التي تواكب الموضة وتشهد إقبالًا كثيفًا لما بعد هذه الفترة.

فريال الهواق (22 سنة)، طالبة جامعية، تقول في حديث إلى "جيل": "موسم التخفيضات في تونس كذبة فقط، ففي الوقت الذي تشاهد فيه إعلانا على الواجهات بخصم بنسبة 50% على كل المنتجات، تدلف إلى المحل فتجد أكثرها دون خصم تحت مسمى (مجموعة جديدة - Nouvelle collection)، وهو عنوان يوضع على الموديلات والمنتجات الجديدة التي تشهد رواجًا جيّدًا، وتكون دائمًا من دون خصم، حيث أن الخصم والتخفيضات لا تشمل إلا الموديلات التي يقلّ عليها الطلب".

بطريقة الإعلانات الكاذبة، تعمد المحلّات إلى جذب الزبائن في محاولة لاصطيادهم عبر استمالتهم إلى داخل المحل وإقناعهم بالشراء؛ فنسب التخفيضات المرتفعة أمام المحل، تختفي داخله وتتحوّل إلى نسب تكاد لا تُرى تطغى عليها نسبة 20%، مما يجعل من هذه التخفيضات مجرّد مجاملة لا أكثر .

تغصُّ محلّات الملابس الجاهزة منذ اليوم الأوّل من فبراير/شباط بالزبائن حتى أنك بالكاد يمكنك أن تتنقل داخلها، لكن ليس كل هذه الجموع يتبضع ويبتاع، فنحن لم نحظ بعد بالجمعة السوداء، مثل كندا وفرنسا على سبيل المثال، ولا يمكننا أن نعود من هذه المتاجر بحقائب ممتلئة بأي حال من الأحوال، إذ إن الأمر لا يعدُو أن يكون مجرّد وهم واحتيال.

المساهمون