وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب اجتماعهما لتوقيع معاهدة صداقة جديدة بين البلدين: "نريد معاً، مع فرنسا، المشاركة في تشكيل جيش أوروبي، ويجب أن ننسق سياساتنا الخارجية".
وأضافت: "نريد تعزيز التعاون الدفاعي مع فرنسا وتصدير الأسلحة معاً"، مشيرة إلى تطوير "ثقافة عسكرية وصناعة أسلحة مشتركتين".
بدوره، قال الرئيس الفرنسي: "في الوقت الذي تجتاح الحركات القومية أوروبا وفي الوقت الذي نعيش "بريكست" صعباً، يجب على فرنسا وألمانيا أن تؤكدا وجهتهما واتحادهما".
ويبدو أن المعاهدة، والتي تأتي في وقت تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، تريد من خلالها الدولتان المتجاورتان تأكيد عمق الصداقة بينهما وإعلان رغبتهما في وضع علاقتهما على أسس جديدة، وكإرساء لملحق المعاهدة الأولى التي أنهت العداء التاريخي بين البلدين بعد عدة حروب. كذلك، فإن التوقيت يخدم كلا الجانبين بحكم التهديدات التي تواجه أوروبا، مع ما تعنيه أهمية المواءمة بين الاقتصادات الوطنية وتقريب النماذج الاجتماعية على نحو أفضل، ما يخدم وحدة أوروبا وتماسكها.
وتنص الاتفاقية، التي تضمنت 28 نقطة، على تعزيز التعاون في جميع مجالات السياسة العامة والخارجية والدفاع ومجال الأعمال والمشاريع الاقتصادية والثقافية والتربوية وتطوير الذكاء الاصطناعي.
وسيكون هناك اتفاق على المبادئ التوجيهية في ما يخص التعاون بين القوات المسلحة، وقيام مجالس للدفاع والأمن تجتمع بشكل منتظم من أجل التنسيق المشترك بين البلدين، مع تأييد فرنسي لدعم ألمانيا في الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن.
ومن أجل تنسيق العمل مستقبلا، سيقوم المجلس المالي والاقتصادي بتطوير منطقة اقتصادية مشتركة ينظر فيها إلى استراتيجيات العمل المشترك، بينها التخفيف من العقبات البيروقراطية التي تعاني منها الشركات في البلد المجاور، وإلى تنسيق البحوث وتقديم توصيات إلى الحكومات للتنسيق عن كثب لتحقيق سياسات اقتصادية مشتركة.
كما سيصار إلى تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين من خلال التنسيق المشترك بين معاهد غوته والمراكز الثقافية الفرنسية للقيام بفعاليات ثقافية بشكل مشترك، والاعتراف بالمؤهلات المدرسية والتعليمية بسهولة أكبر وخلق الحماسة لدى الآخرين لتعلم لغة البلد المجاور، إضافة إلى تعزيز القدرات والمبادرات بين المواطنين والتوأمة بين المدن.
وسيكون للمعاهدة تأثير ملموس على المناطق الحدودية بين البلدين مثل ولايات بادن فورتمبرغ وراينلاند بفالس وسارلاند، حيث سيتم إنشاء ما يسمى "مناطق اليورو" لتفويض التعاون بشكل أوثق، ويمكن فيها للأطراف التعامل مع نظامين قانونيين مختلفين، ويمكن أن ينطبق هذا على قطاع التجارة والصحة والبنية التحتية، أي إمدادات الطاقة والمياه وسكك الحديد وشبكة الإنترنت في المناطق الحدودية.
وأعربت شخصيات سياسية واقتصادية عن تأييدها هذه المعاهدة بعد مرور عقود على معاهدة الإليزيه وانطلاقا من أن عالم اليوم لم يعد عالم الأمس، وبرلين وباريس بحاجة إلى تعزيز التعاون بحكم أنهما تتحملان الكثير من المسؤولية في أوروبا.
وبيّن الباحث السياسي كوهن بينديت، في مقابلة مع "ايه ار دي"، أن الوضع الآن بحاجة إلى استراتيجية أمنية أوروبية مختلفة تماما تقوم على الدفاع المشترك، وذلك بحكم التطورات الراهنة في الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهو ما لم يتم التفكير فيه في المعاهدة الأولى على الإطلاق، ومضيفا أنه على البلدين أن يصبحا أكثر تكاملا في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي لتقاسم المسؤولية، ومنها ما يتعلق بتنظيم العولمة واستراتيجية هجرة مستقلة.
في المقابل، يرفض حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف المعاهدة اعتقاداً منه أن إعادة تأهيل فرنسا ستتم بالأموال الألمانية، فيما اعتبرت "الجبهة الوطنية" الفرنسية بقيادة مارين لوبان أن المصالح الفرنسية تتعرض للخيانة في المناطق الحدودية، وأن باريس ترغب مستقبلا في أن تتشارك مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا، فيما يخشى أصحاب مبادرة السترات الصفراء الفرنسية من أن يقوم المجلس الاقتصادي المشترك بالإعداد لتخفيضات تطاول مخصصاتهم الاجتماعية.