ناج من مجزرة الصقلاوية يروي لـ"العربي الجديد" تفاصيل الجريمة

19 اغسطس 2016
لاحق الموت العائلات التي هربت من الصقلاوية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور أكثر من شهرين على مجزرة عشيرة المحامدة في ناحية الصقلاوية (شمال مدينة الفلوجة الواقعة على بعد 55 كيلومتراً غرب بغداد) لا يزال الصمت الحكومي مستمراً تجاه المجزرة التي راح ضحيتها العشرات على يد عناصر من مليشيا حزب الله العراقية وسط تجاهل المناشدات المحلية والدولية للكشف عن مصير المخطوفين والقيام بتحقيق عادل وتقديم الجناة للقضاء.

وكان محافظ الأنبار صهيب الراوي قد أعلن في وقت سابق أن نتائج لجنة التحقيق في "مجزرة الصقلاوية" أكدت مقتل عشرات النازحين وفقدان أثر 643 آخرين بعدما توجهوا إلى مليشيات الحشد والشرطة الاتحادية خلال عملية تحرير الصقلاوية من تنظيم "داعش". وأكد الراوي "أن الدلائل التي توفرت للجنة تشير إلى تورط فصيل من مليشيات الحشد، بين عناصره غير عراقيين، بتنفيذ مجزرة الصقلاوية"، في إشارة لمليشيا حزب الله العراقية التي يرافقها مقاتلون من الحرس الثوري الإيراني. كما ذكر أن "مليشيات الحشد قامت بمصادرة المستمسكات الثبوتية للنازحين والاستيلاء على سياراتهم ومصوغاتهم الذهبية".




وقد حصل "العربي الجديد" على شهادة أحد الناجين من مجزرة الصقلاوية، الذي أكد تعرض مئات الرجال النازحين لعمليات تعذيب وحشي فضلاً عن حدوث إعدامات ميدانية في منطقة الصقلاوية بعد دخول مليشيات الحشد والقوات الحكومية للمنطقة.

يقول أبو صهيب المحمدي (45 عاماً) إنه "بعد تقدم القوات الحكومية ومليشيات الحشد نحو قرى الصقلاوية، حاولنا أنا وعائلتي والساكنون في قرى البو عكاش والشهداء الثانية والبو فياض وأطراف قرية الأزرقية الدخول إلى مدينة الفلوجة، لكن عناصر تنظيم داعش منعونا وفجروا جسر سكة القطار المؤدي إلى الضفة الثانية من نهر الفرات". يكمل روايته قائلاً إن "العائلات سعت إلى عبور النهر عبر زوارق صغيرة لكن عناصر التنظيم أطلقوا النار من الضفة الأخرى لمنعنا، فلم يكن أمامنا إلا البقاء في منازلنا بعد أن وضعنا رايات فوق أسطح المنازل لعلها تمنع عنا قصف الطائرات".
ويتابع المحمدي حديثه لـ"العربي الجديد"، بعد أيام من تماثله للشفاء، قائلاً إن "المنطقة تعرضت لقصف عشوائي مستمر ما دفعنا إلى الخروج بشكل جماعي، واتفقنا على الذهاب نحو تواجد القوات الحكومية لكي نخرج من منطقة الاستهداف ولا نتعرض للاعتقال خصوصاً أننا مدنيون وترافقنا عوائلنا. خرجت أول مجموعة من العوائل تضم 300 شخص من سكان قرية البو فياض وأطراف الأزرقية باتجاه تلك القوات في يوم الخميس الموافق 2 يونيو/حزيران 2016 عند الساعة الرابعة عصراً وإلى الآن لم نعرف مصير الرجال منهم بعد عزلهم عن النساء ونقلهم إلى مكان مجهول من ضمنهم أخي واقاربي". ويضيف "بعد ساعات انطلقنا إلى الطريق العام نحو تمركز قوات الجيش، لكننا تعرضنا إلى إطلاق نار كثيف من تلك القوات ما أدى إلى مقتل فتاة صغيرة. وقد اضطرنا هذا الأمر إلى الرجوع نحو قرية البو عكاش. وفي صباح اليوم الثاني، أي يوم الجمعة 3 يونيو، خرجنا مرة أخرى نحو الطريق العام رافعين رايات بيضاء ووصلنا إلى حي الشهداء الأولى فكانت الصدمة عندما وجدنا مليشيا حزب الله التي عرفناها من خلال راياتها الصفراء. وعندما وصلنا وضعونا في علوة (مخزن) الحبوب أمام مقبرة البو عكاش ثم عزلوا النساء والأطفال تحت سن العاشرة ونقلوهم في باصات وقالوا إنهم سيأخذونهم إلى المخيمات". ووفقاً للشاهد نفسه، ارتفع عندها صوت بكاء النساء والتوسل لعناصر المليشيا والشرطة الاتحادية الذين معهم للإفراج عن أزواجهن وأولادهن، إلا أن أحد عناصر المليشيات قال لهن لا تحفن سيتم نقلهم معكن إلى نفس المخيم لاحقاً.
وعقب رحيل النساء، يقول المحمدي إنهم "بدأوا بوضعنا في مكان مخصص لبيع الخضر في المنطقة بجانب مخازن الحبوب، وبعد فترة جاء عدد من المعممين في أربع سيارات نوع بيك آب وتم استقبالهم من العناصر، فقال لهم أحد المعممين العدد جيد هؤلاء سيكونون حصة السيد أبو داوود. بعد ذلك رحلوا عقب هتافهم بشعارات طائفية وتوجيه الشتائم لنا ولأهل الفلوجة وتهديدنا بأخذ الثأر عن جريمة معسكر سبايكر"، بحسب روايته.


بعد ذلك، وبحسب رواية المحمدي، أحضر عناصر المليشيات "6 سيارات كبيرة، خمسة باصات وشاحنة، تم تكديسنا فيها ونقلنا إلى قرية الصبيحات في ناحية الكرمة شمال شرق الفلوجة ثم وضعونا في أرض زراعية."

يقول المحمدي إنه "بعد ذلك اتصل أحد عناصر المليشيات عبر جهاز اللاسلكي بعنصر آخر قائلاً له لقد أحضرنا عددا كبيرا منهم، فقال له العنصر الثاني لا تقتلوهم إلا بعد حضوري ثم سأله هل جهزتم الحفرة، فأجابه العنصر الذي معنا نعم كل شيء جاهز". ويتابع الشاهد روايته قائلاً: "بعدها نقلونا إلى المنازل التي تحولت إلى مقرات لهم بعد نزوح أهلها، وقاموا بتقسيم الأعداد على كل منزل. عند دخولنا وجدت في أرضية المنزل آثار دماء وهنا بدأت فصول التعذيب بشكل سادي ثم جاء أحد الأشخاص الذي كان يبدو أنه من القادة في مليشيا حزب الله، ومن لهجته يبدو أنه غير عراقي أو أنه من التبعية الإيرانية التي غادرت العراق في نهاية السبعينيات، ثم وجه سؤالاً يحمل صبغة طائفية لنا، وعندما أجابه أحد الأشخاص انهال عليه القيادي نفسه بالشتائم الطائفية ثم ضربه بأنبوب ماء حديد على رأسه حتى الموت ثم تم دفنه خارج المنزل مع عدد من الذين ماتوا من باقي المنازل الأخرى جراء وحشية التعذيب".
يستكمل المحمدي روايته قائلاً "عندما قاموا بنقلنا إلى قرية الفياض أخرجوا عددا من المعتقلين الذين ماتوا جراء التعذيب وتم دفنهم في مقبرة جماعية في نفس القرية الواقعة بقرب معسكر المزرعة شرق الفلوجة". ويشير إلى أنه "بعد ثلاثة أيام من التعذيب جاءت قوات الشرطة الاتحادية وقامت بنقلنا إلى معسكر المزرعة ولولا إرادة الله ثم تدخل بعض أعضاء مجلس محافظة الأنبار لقامت المليشيات بقتلنا جميعاً"، على حد وصفه.
وفضلاً عن شهادة المحمدي، فقد أكد ناجون آخرون من مجزرة الصقلاوية لدى وصولهم إلى بلدة عامرية الفلوجة "أنهم عذبوا بطرق وحشية، وهناك من تم ذبحهم بالسكاكين وآخرون دفنوا وهم أحياء في مقابر جماعية وآخرون عذبوا بطرق وحشية وكسرت أطرافهم كان من بينهم أربعة اشخاص فارقوا الحياة بعد تعرضهم للتعذيب".
وفي السياق، يقول النائب عن محافظة الأنبار، أحمد السلماني، لـ"العربي الجديد" إن أعداد المفقودين من أهالي الصقلاوية لا يزال غير معلوم ومصيرهم لا يزال مجهولا بالنسبة للمسؤولين في الحكومة المحلية وحتى المسؤولين في الحكومة العراقية. ويشير إلى أن "التنسيق مستمر مع الجهات الأمنية لمعرفة مصير أبناء المحافظة المفقودين". 

كما يتهم  السلماني الحكومة العراقية بأنها بعد تشكيل لجنة تحقيق بهذا الخصوص، "لم تتخذ أي إجراء قانوني بحق المسؤولين عن اختطاف أهالي الصقلاوية، على الرغم من أنها تعلم الجهات المتورطة في الحادث". وفي السياق، يلفت إلى أن "المليشيات التي اعتقلت المئات من أهالي الصقلاوية أثناء عمليات التحرير قامت نفسها بتوثيق الجرائم، الأمر الذي يوجب على الحكومة العمل من أجل تقديم من ظهر في مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى العدالة".

وكان المتحدث باسم عشيرة المحامدة، الشيخ علي حماد الشلال، قد اعتبر أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي هو شريك في جريمة خطف وقتل النازحين بسبب سكوته عن هذه الجريمة وعدم تقديمه الجناة للعدالة". ووصف الشلال "ما جرى لعشيرته في منطقة الصقلاوية بأنه جريمة إبادة جماعية تستحق التدخل الدولي من أجل الكشف عن مصير المخطوفين من أبناء عشيرة المحامدة".
وكانت القوات العراقية ترافقها قوات كبيرة من مليشيات الحشد الشعبي قد فرضت سيطرتها على مدينة الفلوجة في 26 يونيو/حزيران الماضي بعد معارك عنيفة مع عناصر تنظيم "داعش" استمرت لأربعين يوماً. واسفرت معركة الفلوجة عن تهجير أكثر من 90 الفاً من سكان الفلوجة وضواحيها واعتقال الآلاف من سكانها بتهمة الإرهاب.