نجاحات تتحدى ألم الغربة

18 مارس 2019
اللجوء السوري ليس بؤسا وشكوى فحسب(ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -
قبل أيام مر ذكرى خروج السوريين في بلدهم طلبا لنظام يحترم آدميتهم وكرامتهم فوق أرضهم. لم تمر أشهر حتى وجد عشرات الآلاف أنفسهم عرضة لتهجير أول نحو تركيا، وتوالت الفصول ليصبح هؤلاء بالملايين، تحت وقع التدمير.


إلى الشمال أكثر، نحو أوروبا، والقارة الأميركية وغيرهما، وصل مئات آلاف السوريين يبحثون عن حياة ونجاة، ريثما يعود وطنهم يحتضنهم. تعرض كثيرون من سوريي اللجوء والهجرة لحملات تشويه، ليس فقط في دول الجوار، حيث أطلت عنصرية مقيتة اضطرت بعضهم للرحيل مجددا، بل حتى في دول أوروبا. ورغم ذلك لم يخلُ لقصص لاجئي سورية أن تفرض نفسها، خبرا وواقعا في بلدان غربية، تذكر مجددا أن كل ما لدى الإنسان من طاقات ومواهب وقدرات لا تتفجر إلا إذا وجد الناس أجواء حرية ونظاماً يحترم قيمتهم وقيمة الأفكار والإبداعات.

كثيرة هي قصص نجاحات سوريي المهجر، ولعل ما يميزها أنها لم تتوقف عند جانب على حساب آخر. فآخر ما قدمته تجربة هؤلاء في فرنسا، على سبيل المثال، ذهاب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شخصيا، لتكريم طبيب الأعصاب عفيف محمد عفيف، بعد أن أجرى عملية جراحية دقيقة في الدماغ لإنقاذ حياة شاب فرنسي تعرض لاعتداء. تعبير الطبيب عفيف عن حزنه على بلده، سورية، اختصره بكلمة تختزل مشاعر مئات آلاف السوريين أن يكون الإنسان الناجح "غير مرغوب فيه في بلده الأم".

لم يكن سرا أن هذا الطبيب الذي عاد في 2011 لمساعدة الضحايا السوريين الفقراء واجه كغيره منظومة الفساد الطاردة لأبناء البلد. ترك عفيف سورية وعاد إلى فرنسا في 2012، ليخسره مجتمعه كما خسر العرب آلاف العلماء المضطرون للبحث عن بيئة حاضنة تفهم معنى وأهمية العلم. فكم طبيباً قتل تحت التعذيب في بلده، وهم يحاولون تطبيق قسمهم لمساعدة البشر دون تمييز؟
ليس الطب والعلوم وحدها ما في جعبة نجاحات سوريي أوروبا. ففي مجالات دراسة الشباب وتحصيلهم العلمي تقول الأرقام أنه حتى هؤلاء الذين يجدون أنفسهم مهددين، بسبب قوانين الإقامة المؤقتة، في ألمانيا والدنمارك، يصرون على ارتياد الجامعات ومعاهد التعليم. وفي الفنون ها هو النحات السوري، القادم من يبرود، إلياس نعمان، يحصل على جوائز في معرض ميلانو على أعماله الفنية، وجائزة أخرى في الأرجنتين، في ملتقى "التشاكو" من خلال تصويت الجمهور، واحتضان الجاليتين السورية واللبنانية لعمله.

وفي مجال الاختراعات يبرز اسم نور مجبور في نهائيات مسابقة "نجوم العلوم"، كأول عربية وصلت إلى تلك المسابقة عن اختراعها جهاز كشف مبكر لمرض "باركنسون". وكان الشاب السوري، يمان أبو حبيب فاز في المركز الأول للموسم السابع من البرنامج في 2015.

وفي الرياضة، يبرز اسمان أثارا إعجاب الألمان وهما علاء الكراد وابنه تيم، 8 سنوات، حيث فاز الابن، بدعم وتشجيع الأب، في المصارعة الرومانية بالمركز الأول، وتُوّج بطلًا لمسابقة مقاطعة شمال الراين- ويستفاليا عن وزن 30 كيلو.

قائمة النجاحات لأناس عاشوا القهر واضطرتهم ظروف بلدهم نحو الغربة، تستحق أن يسلط عليها، لتكون حافزا لآخرين، ولتنشر فسحة من الأمل، أن في المستقبل فجراً لا بد أنه آتٍ على ملايين المهجرين واللاجئين من سورية.