هنا كانت محاضرات أساتذة كبار، أمثال لويس ماسينيون، وجاك بيرك، وجاك مونو وموريس ميلو بونتي وميشال فوكو وكلود ليفي ستوراس وأمبرتو إيكو ورولان بارت وريمون آرون وبول فاليري وبيير بورديو، إضافة إلى الشاعر الفرنسي الكبير الراحل، منذ أيام، إيف بونفوا.
هؤلاء وآخرون من ألمع أساتذة الفلسفة والفكر والآداب والدراسات الاجتماعية والعلوم، كانوا الباقة الذهبية للكوليج دو فرانس، المؤسسة الأكاديمية التي يعتبر المرور منها علامة على التميز والنبوغ.
وقد سعى الكوليج دو فرانس إلى كسر هيمنة مؤسسات التعليم العالي المعروفة، أن أتاح الفرصة حتى للجمهور الواسع لكي يتابع محاضرات ودروس مشاهير الفلسلة والفكر، حتى أن الحضور إلى بعض المحاضرات كان يقتضي المبيت في المدرجات أو القدوم قبل ساعات طويلة لحجز مكان، ونيل شرف الاستماع إلى أحد هؤلاء النوابغ الذين ألهبوا الفكر الإنساني وحشدوا الأسئلة الكبرى.
يقع الكوليج دو فرانس، وهي مؤسسة فرنسية تختص بالبحث العلمي والتعليم العالي في المنطقة الخامسة بالحي اللاتيني بباريس، وتهتم الكوليج دو فرانس في الأساس بالبحث العلمي، وتقوم، أيضاً، بالتدريس، ولكن على مستوى الباحثين وطلبة الدراسات العليا.
يعود تاريخ إنشاء الكلية لسنة 1530 بمرسوم من الملك فرانسوا الأول، ملك فرنسا، لتكون على غرار الكوليجيوم تريلينج (الكلية ذات اللغات الثلاث) (باللاتينية: Collegium Trilingue) في لوفان ببلجيكا.
في البداية كان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الكلية تشجيع دراسة علوم معينة كاللغة العبرية واللغة الإغريقية والرياضيات. سميت الكلية في البداية بالكلية الملكية (بالفرنسية: Collège Royal) ثم كلية اللغات الثلاث (بالفرنسية: Collège des Trois Langues، وباللاتينية: Collegium Trilingue) ثم الكلية الوطنية (بالفرنسية: Collège National)، ثم الكلية الإمبراطورية (بالفرنسية: Collège Impérial)، ولم تتخذ اسم الكوليج دو فرانس (كلية فرنسا) إلا سنة 1870.
شعار الكلية "نعلِّم كل شيء" (باللاتينية: Docet Omnia)، ومن المهم الانتباه إلى أن الحضور في الكوليج دو فرانس إلى محاضرات الأساتذة مفتوح للجميع بالمجان، مع أن بعض الدراسات المتخصصة جداً لا تتاح للجمهور.
بالنسبة لمعايير اختيار هيئة التدريس، فإن الكلية تطبق معايير صارمة جداً وتنتخب في صفوفها الأفضل في مجالاتهم العلمية والإنسانية.
الأمر الآخر المثير للانتباه أن هذه المؤسسة العلمية لا تمنح درجات علمية، غير أنها تضم معامل بحثية عالية المستوى ومكتبة تعد من أفضل المكتبات البحثية في أوروبا، كما تحتوي على كتب نادرة في مجالات متنوعة، ويعتبر الانتساب إلى صفوفها فخراً في حد ذاته.