نحن والغرب

14 أكتوبر 2015
+ الخط -
جميع خطايا المسلمين تقريباً حُمِّلت لعبد الله بن سبأ، ولم يأتِ البرهان القاطع على وجود هذا الشخص. وجميع مشكلات العرب حُمِّلت أيضاً للاستعمار ولإسرائيل. ومع أن كثيراً من مصائبنا يتحملها الاستعمار وإسرائيل حقاً، إلا أننا تفوقنا عليهما بأشواط في إنزال البلايا والرزايا بشعوبنا وأقطارنا.
في لقاء مع الأخضر إبراهيمي، في أواخر القرن المنصرم في بيروت، بحضور أنيس صايغ وشفيق الحوت، سألته عن الإرهاب الذي دمّر الجزائر، وأغرقها بالدم طوال سنوات، ومن أين أتت تلك الكائنات القاتلة التي ولغت بدماء الناس. فقال: المصيبة أننا، نحن جيل النضال ضد الاحتلال الفرنسي، نشأنا في ظل الاحتلال، ودرسنا في مدارسه، وتعلمنا لغته، ثم قاتلناه حتى حرّرنا بلادنا. بينما نشأ هؤلاء الإرهابيون في العهد الوطني، وكانت النتيجة كما ترى. نحن إذاً المسؤولون عما حلّ بالجزائر، وليس الاستعمار.
نعم، نحن المسؤولون عما فعلت أيدينا، وعما فعل السفهاء منا، وليس الغرب وحده. هل الغرب مسؤول عن فساد القضاء ونهب الأموال العامة وغياب الحريات وإهدار حقوق الإنسان؟ هل الاستعمار مسؤول عن انتهازية المثقفين العرب، وخيباتهم المعرفية وتقلّبهم يميناً ويساراً؟
هل إسرائيل هي التي ترعى التنجيم والشعوذة والدجل والفن الهابط؟ هل الاستعمار هو الذي دمّر التعليم العربي، ورفع الأمية إلى مائة مليون؟ وهل هو الذي تسبّب بالجوع في الصومال، وبالانحطاط المذهبي المروِّع في العراق؟ هل الغرب هو الذي اخترع الحرق والصعق والتغريق والتحريق والتخنيق والتعليق؟ هل الاستعمار هو الذي قتل شهدي عطية وسيد قطب وفرج الله الحلو وحسين مروة ومهدي عامل وسلمان يوسف سلمان (فهد) وعبد الخالق محجوب والمهدي بن بركة وفرج فودة ومحمود محمد طه؟
هل الاستعمار والغرب وإسرائيل هم الذين هزموا قاسم أمين، ورفاعة الطهطاوي، وفرنسيس مراش، وبطرس البستاني، وسلامة موسى، ولطفي السيد، ومنصور فهمي، وشبلي الشميل، وفرح أنطون، وعبد الرحمن الشهبندر، وعلي الوردي، وعبد الرحمن الكواكبي، وعبد الرحمن بدوي، وطه حسين، وعلي عبد الرازق، وعصام الدين حنفي ناصف، ولويس عوض، وأدونيس، وعبد الله العلايلي، وأجلسوا في مكانهم أسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو بكر البغدادي، وأبو محمد الجولاني، وأبو حمزة المصري، وأبو بكري السوري، وأبو قتادة الفلسطيني؟ هل المستشرقون "المشبوهون" هم الذين يتمسكون بالرق والعبودية، ويكفّرون من يطالب بإلغائها؟ هل هم الذين يحرقون المكتبات ويدمرون الأوابد والآثار، ويعالجون الصرع بالضرب والرقى والتعزيم؟
من يحرق الكتب لا يتورع عن حرق البشر، وهو ما نشاهده بأم العين في كل يوم. ربما يصحُّ الكلام على مسؤوليةٍ ما للاستعمار ولإسرائيل في ما نحن عليه من هوان وخسران وموت ومكابدة، ولا سيما في فلسطين، لكن البعرة تقود إلى البعير، والأثر يدل على المسير. نحن أساس المصائب التي حلّت بنا من كل جانب؛ فرج فودة قتله سبّاك لم يقرأ حرفاً مما كتبه. ونجيب محفوظ حاول قتله أمِّيٌّ لم يقرأ "أولاد حارتنا"، ولعل إشارة شيخه، عمر عبد الرحمن، حين قال: "لو قتلنا نجيب محفوظ لما تجرأ سلمان رشدي" دفعته إلى ذلك. فليس غريباً إذاً أن يأتي عمرو خالد سادس أهم العرب تأثيراً في العالم في الاستطلاع الذي أجرته مجلة فورين بوليسي (مايو/أيار 2008) متفوقاً على طه حسين وأدونيس وعزمي بشارة وعبد الله العروي ومحمد أركون وهشام جعيط، وغيرهم.
هكذا ينتصر الاستعمار حقاً، وتنجح إسرائيل في تفكيك المشرق العربي، لا بخططها ومؤامراتها، وهي موجودة بالتأكيد، بل بأيدينا. لقد انتصر الخبال على العقل مراراً، فكانت انتصاراته أشنع من الهزائم. وما دمنا لم نربح شيئاً طوال سبعين سنة، لأننا أمة متقهقرة وشعوب مقهورة، لنتعلم، إذاً، كيف نتراجع بأقل الخسائر.
دلالات