لا يعرف أكثر الأردنيين نزل وادي فينان البيئي الواقع في محمية ضانا للمحيط الحيوي (تقع على بعد 230 كيلو متراً عن العاصمة عمان)، على الرغم من أن هذا النزل البيئي مرشح لنيل جائزة "وورد ليجاسي" العالمية عن فئة "المجتمعات المحلية" والمقرر إعلانها نهاية الشهر الحالي، وتنظمها "ناشيونال جيوغرافك" بالتعاون مع "آي تي بي برلين" بهدف التعريف بالشركات الرائدة في مجال السياحة المستدامة، حيث يتم اختيار الفائزين الثلاثة من بين 150 موقعاً بالعالم، وسيُعلن عن ترتيب الفائزين في ملتقى آي تي بي برلين.
ويقدم النزل فرصة فريدة لزواره لتعلم بعض عادات المجتمع المحلي من خلال زيارات يقوم بها الزوار لأفراد العائلات الموجودة حول النزل، وفرصة لاستكشاف المناطق الطبيعية الخلابة داخل المحمية برفقة أدلاء من سكان المجتمع المحلي، وبإمكان الزوار أيضاً مرافقة أحد أفراد المجتمع المحلي في جولته لرعي الأغنام.
ويقدّر عدد العائلات التي يوفر نزل فينان البيئي منفعة مباشرة لها بثمانين عائلة في المنطقة، أي ما يعادل تقريباً 400 فرد. ويعود ذلك للإستراتيجيات التي تتبع في النزل من توظيف أفراد من المجتمع المحلي، والاستعانة بسكان المنطقة في توفير وسيلة نقل لزوار النزل، إضافة إلى شراء العديد من المنتجات والمواد المستخدمة في النزل من السكان المحليين.
ويحتوي النزل على مَعمَلين صغيرين يوظفان نساءً من المجتمع المحلي، يقمن بصنع الشموع المستخدمة في إنارة النزل وأيضاً يقمن ببعض الصناعات الجلدية اليدوية والتي تباع في دكان النزل والمعارض المختلفة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة.
يحيى خالد المدير العام للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، قال لـ"العربي الجديد"، إن مجال السياحة البيئية يعود بالنفع على المجتمعات المحلية الموجودة في محمية ضانا للمحيط الحيوي، حيث تقل فرص مصادر الدخل لهذه المجتمعات المحلية التي لا تزال تعيش حياة البداوة التقليدية، إضافة إلى حصول نزل فينان على العديد من الجوائز ومن ضمنها جائزة "من أفضل 25 نزلاً بيئياً في العالم" لعام 2013 وجائزة أحد أفضل المشاريع في محاربة الفقر عام 2011.
ويقول نبيل الطرزي المدير العام لشركة الفنادق البيئية والتي تقوم بإدارة نزل فينان البيئي، إن اختيار "ناشيونال جيوغرافيك" لفينان ضمن المرشحين للجائزة العلمية، يعود لأهمية نزل فينان، حيث يُعتبر المكان من رواد السياحة البيئية، فضلاً عن كون المجتمع المحلي هو أساس ما يقوم عليه النزل، إذ إن التوظيف الحصري من سكان المجتمع المحلي، وعملية الحصول على المواد، والقيام بالنشاطات التي تحافظ على التقاليد المحلية، هي التي تجعل منه مكاناً مميزاً.
وقال كريس كوستاس، رئيس مجلس إدارة جائزة "وورد ليجاسي" وأحد المحررين في "ناشيونال جيوغرافيك ترافيلر": "إن السياحة المستدامة تطورت من مجرد توجه البعض نحو ممارستها إلى تطبيقها على نطاق أوسع عالمياً، سواء في طريقة عمل قطاع السياحة والسفر أو الأثر الذي يتركه هذا القطاع على الناس والأماكن التي يزورونها، مشيراً إلى أن هذه الجائزة من "ناشيونال جيوغرافيك" احتفاء بهذا التطور في القطاع، ومحفز له بجعله أحد متطلبات التقدم في هذا المجال".
ويقع النزل في منطقة تدعى وادي عربة محاذية لمنطقة القريقرة، وقد اكتشف عام 1996، وأجريت فيه أربعة مواسم من الحفريات عامي 1997 و1998. وكشفت الحفريات في الخندق الأول عن مبنى دائري جدرانه مبنية من الحجارة فوق الأرض مباشرة، أما في الخندق الثاني فقد تم الكشف عن مبنى دائري جدرانه مبنية تحت سطح الأرض يحتوي على أرضية ومدفن محفور في الأرضية، وعثر داخل المبنى على مجموعة من الأدوات الحجرية والصوانية. ودلّت مخلفات العظام الحيوانية على أن سكان الموقع اعتمدوا على صيد الماعز البري، والثعلب البري، والطيور، واعتمدوا على جمع والتقاط النباتات والحبوب البرية كالشعير. كما اكتُشف فيه أقدم منجم لتعدين النحاس.
ونظراً لجمال الموقع الخلاب، أصبح محط أنظار من ينشدون السياحة البرية. لذا أقيم فيه مخيم "نزل فينان" الذي يمتاز بتصميمه الفريد، وبإستثمار الطاقة الشمسية لتشغيل بنيته التحتية بعيداً عن الكهرباء التي تُستبدل ليلاً بالشموع. ويحتوي النزل الذي يبعد نحو 160 كيلو متراً عن مدينة العقبة الساحلية، والذي أقامته "برية الأردن"، على 26 غرفة، ويعتمد على الطاقة الشمسية في إدارة مرافقه، ويحظى زائروه بخبرات فريدة من نوعها، بأقل أثر على البيئة وببرنامج سياحي يشمل رحلات استكشافية سيراً على الأقدام أو على الدراجات الحديثة التي تتلاءم مع وعورة الوادي، ويسهم في حماية الطبيعة وتوفير فرص عمل ودخل لأفراد المجتمعات المحلية المحيطة بالنزل.