10 نوفمبر 2024
نهاية تنظيم الدولة الإسلامية
كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أول من ألمح إلى أن نهاية تنظيم الدولة الإسلامية قد اقتربت، وذلك في اجتماع دولي لقادة التحالف ضد التنظيم عُقد في السادس من شهر فبراير/شباط الجاري، وحدد فترة أسبوع لإعلان التخلص منه.
مضى الآن أكثر من أسبوعين، وما زال الإعلام يتناقل أخباراً عن قتال في قرية الباغوز الفوقاني التي تُعرف بالجيب الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية في سورية، التنظيم الذي احتل قبل سنوات مساحاتٍ شاسعةً من البوادي السورية والعراقية، واتخذ لنفسه عاصمتين، الموصل والرقة، واستطاع التحكّم في كمياتٍ هائلة من نفط سورية والعراق، وانتشرت قواتُه على جانبي الفرات من مكان دخول النهر في جرابلس شمال سورية إلى تعرّجاته بالقرب من بغداد في وسط العراق، ما يعني السيطرة على الجزء الأكبر من مسار النهر.
ما بين لحظة إعلان أبو بكر البغدادي من مسجد النوري في الموصل، في 29 يونيو/ حزيران 2014، قيام خلافته، والسادس من فبراير/ شباط 2019، لحظة إعلان ترامب عن نهاية التنظيم بعد أسبوع، أربع سنوات ونصف السنة، كان التنظيم قبلها حركةً جهاديةً محليةً ينقضّ على بعض المفاصل الرخوة في الدولة العراقية بين حين وآخر، حتى لحظة تخلخل النظام السياسي في العراق، حين نصّب نفسه بديلاً عنه، وقام بهجماتٍ صاعقة على وحداته المتمركزة في شمالي العراق. وتكرّر الحال في سورية، فقد نتجت عن عنف النظام في ردّه على الثائرين والقصف الكبير على البنى في المناطق المعارضة، مساحاتٌ جغرافيةٌ ملأها تنظيم الدولة الإسلامية بفكر شديد التطرف، ذي شكل إسلامي أصولي جذاب، استفاد بشكلٍ كبير من تناقضات السياسات المحلية في المنطقة وصراعات الدول الكبرى، والتقاتل على مراكز النفوذ. ولعبت أجهزة المخابرات في سورية ودول الجوار دوراً في تفخيمه.
هذه عوامل حسمت أمر تكوين تنظيم الدولة الإسلامية الذي اشتهر باسم "داعش"، وبقائه متربعاً طوال تلك الفترة، قبل أن تحل النقمة عليه، ويتحول إلى هدف معلن وشرعي لكل القوى المحلية والعالمية، وقد جنّدت ضده كل القوى المتوفرة من النظام والمعارضة والكتائب الكردية، وأفسح المجال لتدخّل أميركي، وحتى عراقي. أما الروس والإيرانيون فقد كان لوجودهم هدف مختلف، ولكنهم استفادوا من وضعيته في الأرض، لتقوية نفوذهم وتوسيعه إلى أقصى نطاق، كل هذه الحملات جعلته ينكمش بشكل متسارع، تناهى إلى جيبٍ ضيق أخير في قريةٍ سوريةٍ قصية.
سيأتي اليوم الذي سيعلن فيه ترامب أن التنظيم انتهى، ليس بعد أسبوع في كل حال، ولكن العوامل التي أنتجت التنظيم وأشباهه لا يمكن القضاء عليها، فهي تدخل في صلب تكوين النظامين، الإقليمي والثقافي، للمنطقة، بالإضافة إلى طبيعة السياسة الدولية ذاتها، ومنطق أجهزة المخابرات، ومفاهيم الأمن عند سائر الدول المنخرطة في هذا الأتون. وتجعل هذه الاعتبارات هذا التنظيم ينبعث حياً في أي وقت، ضمن ظروف "مخبرية" يمكن توليدها والتحكّم فيها وإطلاقها عند الحاجة.. ولعل ما يجعل الفكرة جذّابة، القدرةُ على خنق مثل هذه التنظيمات، عندما يراد لها ذلك، لتبقى عند حدود عدم القدرة على الانفجار في وجه صانعيها.
يمكن لأيٍّ كان الاستفادة من وجود هذه التنظيمات، والنظام السوري مثال قوي لذلك، فهو غير قادر بالتأكيد على بث الروح في تنظيم من هذا النوع، خصوصا أن هذا التنظيم كان قادراً على ابتلاع النظام نفسه في لحظةٍ ما، ولكنه (أي النظام) تاجرَ بتنظيم الدولة الإسلامية، واستفاد من حالة العداء الدولي له، واستفاد من الأجندة المتطرّفة التي يحملها، وعوّل عليها كثيراً في تسويق نفسه، وقد حقق له ذلك بعض النجاح بالفعل.
ليس هذا هو الفصل الأخير في تراجيديا ما يحدث، لأن قوة التنظيم المادية جرى تحييدها إلى حد كبير، وأدخلت حالياً في سباتٍ إجباري، بعد أن قدمت ما هو مطلوبٌ منها، والمطلوب حالياً تعميم حالة بطولية لمجموعة فئاتٍ محليةٍ أو عالميةٍ، بانتظار أدوار جديدة لمنظمات جديدة.
ما بين لحظة إعلان أبو بكر البغدادي من مسجد النوري في الموصل، في 29 يونيو/ حزيران 2014، قيام خلافته، والسادس من فبراير/ شباط 2019، لحظة إعلان ترامب عن نهاية التنظيم بعد أسبوع، أربع سنوات ونصف السنة، كان التنظيم قبلها حركةً جهاديةً محليةً ينقضّ على بعض المفاصل الرخوة في الدولة العراقية بين حين وآخر، حتى لحظة تخلخل النظام السياسي في العراق، حين نصّب نفسه بديلاً عنه، وقام بهجماتٍ صاعقة على وحداته المتمركزة في شمالي العراق. وتكرّر الحال في سورية، فقد نتجت عن عنف النظام في ردّه على الثائرين والقصف الكبير على البنى في المناطق المعارضة، مساحاتٌ جغرافيةٌ ملأها تنظيم الدولة الإسلامية بفكر شديد التطرف، ذي شكل إسلامي أصولي جذاب، استفاد بشكلٍ كبير من تناقضات السياسات المحلية في المنطقة وصراعات الدول الكبرى، والتقاتل على مراكز النفوذ. ولعبت أجهزة المخابرات في سورية ودول الجوار دوراً في تفخيمه.
هذه عوامل حسمت أمر تكوين تنظيم الدولة الإسلامية الذي اشتهر باسم "داعش"، وبقائه متربعاً طوال تلك الفترة، قبل أن تحل النقمة عليه، ويتحول إلى هدف معلن وشرعي لكل القوى المحلية والعالمية، وقد جنّدت ضده كل القوى المتوفرة من النظام والمعارضة والكتائب الكردية، وأفسح المجال لتدخّل أميركي، وحتى عراقي. أما الروس والإيرانيون فقد كان لوجودهم هدف مختلف، ولكنهم استفادوا من وضعيته في الأرض، لتقوية نفوذهم وتوسيعه إلى أقصى نطاق، كل هذه الحملات جعلته ينكمش بشكل متسارع، تناهى إلى جيبٍ ضيق أخير في قريةٍ سوريةٍ قصية.
سيأتي اليوم الذي سيعلن فيه ترامب أن التنظيم انتهى، ليس بعد أسبوع في كل حال، ولكن العوامل التي أنتجت التنظيم وأشباهه لا يمكن القضاء عليها، فهي تدخل في صلب تكوين النظامين، الإقليمي والثقافي، للمنطقة، بالإضافة إلى طبيعة السياسة الدولية ذاتها، ومنطق أجهزة المخابرات، ومفاهيم الأمن عند سائر الدول المنخرطة في هذا الأتون. وتجعل هذه الاعتبارات هذا التنظيم ينبعث حياً في أي وقت، ضمن ظروف "مخبرية" يمكن توليدها والتحكّم فيها وإطلاقها عند الحاجة.. ولعل ما يجعل الفكرة جذّابة، القدرةُ على خنق مثل هذه التنظيمات، عندما يراد لها ذلك، لتبقى عند حدود عدم القدرة على الانفجار في وجه صانعيها.
يمكن لأيٍّ كان الاستفادة من وجود هذه التنظيمات، والنظام السوري مثال قوي لذلك، فهو غير قادر بالتأكيد على بث الروح في تنظيم من هذا النوع، خصوصا أن هذا التنظيم كان قادراً على ابتلاع النظام نفسه في لحظةٍ ما، ولكنه (أي النظام) تاجرَ بتنظيم الدولة الإسلامية، واستفاد من حالة العداء الدولي له، واستفاد من الأجندة المتطرّفة التي يحملها، وعوّل عليها كثيراً في تسويق نفسه، وقد حقق له ذلك بعض النجاح بالفعل.
ليس هذا هو الفصل الأخير في تراجيديا ما يحدث، لأن قوة التنظيم المادية جرى تحييدها إلى حد كبير، وأدخلت حالياً في سباتٍ إجباري، بعد أن قدمت ما هو مطلوبٌ منها، والمطلوب حالياً تعميم حالة بطولية لمجموعة فئاتٍ محليةٍ أو عالميةٍ، بانتظار أدوار جديدة لمنظمات جديدة.