ما بين الأغنية العربية المعاصرة، وأغاني ذلك الزمن، تضيع تلك الحقبة الانتقالية التي عاشتها الموسيقى العربية في تسعينيات القرن الماضي، وتُهمل أغاني تلك المرحلة التي كونت الملامح الأساسية للأغنية العربية في القرن الحالي؛ فقلما تحضر أغاني تلك الحقبة على المحطات العربية، ونادرًا ما تقوم الأصوات الجديدة بإعادة تقديمها، وتفضّل عليها أعمال منتصف القرن الماضي، كأن المغنين الجدد ولدوا في ستينيات القرن الماضي، ولا تربطهم بأغاني التسعينيات أي ذكرى! لكن المغنية اللبنانية نينا عبد الملك، التي بدأت مسيرتها الفنية في برنامج "ستار أكاديمي" قبل أعوام، سبحت عكس التيار، وأولت أهمية كبيرة لأغاني التسعينيات في ألبومها الأول.
يضم ألبوم "إذا هجرت"، الذي أطلقته عبد الملك في بداية العام، ست أغانٍ، خمس منها هي نسخ مجددة covers لأغانٍ عربية شعبية تنتمي لتلك الحقبة، وهي: "ساكن" لديانا حداد، و"خليني بالجو" لمايا نصري، و"يا شمسي غيبي" للمغنية المعتزلة أميرة، و"ليلي طويل" ليونس ميكري و"انسى اللي راح" لفضل شاكر. أما الأغنية السادسة، فهي إعادة تلحين وتوزيع لقصيدة "إذا هجرت" الصوفية، التي ألّفها الحلاج، وعرفناها بصوت جاهدة وهبي.
تبدو أغنية "إذا هجرت" حالة فنية خاصة؛ إذ تقوم عبد الملك بفتح قصيدة الحلاج على آفاق جديدة تبعدها عن الصورة النمطية للأغنية الصوفية، فيتغلب الإيقاع السريع الراقص على معاني القصيدة، وذلك يفقد القصيدة بعضًا من بريقها، لتبدو قصيدة الحلاج ضمن الأغنية مجرد كلمات فصيحة بلغة موزونة بعيدة كل البعد عن الحالة الصوفية، لتخلق من خلال ذلك الكسر حالة فنية غريبة عن مسيرة الشعر الصوفي.
أما في ما تبقى من الأغاني، فيبدو أن النسخ التي أنتجتها عبد الملك تشكّل امتدادًا زمنيًا لها، لتحملها من مرحلة التسعينيات إلى جمهور العصر الحالي. وبالنسبة للتوزيع الموسيقي في النسخ الأصلية للأغاني التي اختارتها عبد الملك، فهو يميل في معظمها إلى المزاوجة بين الموسيقى الوترية والموسيقى الإلكترونية التي كانت سائدة في تلك المرحلة، والتي تعزف عن طريق آلة "الأورغ"؛ أما في التوزيع الجديد، فإن عبد الملك تعمل على تطوير الموسيقى الإلكترونية الموجودة في الأغنية لتجعلها تنسجم مع "الإلكتريك بوب" المتداول اليوم. بالنسبة للأداء، تميل عبد الملك إلى تخفيف العرب الصوتية، لتجعل الأداء يتلاءم أكثر مع الإيقاع السريع في هذه الأغنيات؛ ويبدو ذلك، إذا ما قارنا بين نسختي "يا شمس غيبي"، حيث تكثر أميرة من استخدام العرب الصوتية، في حين تقوم عبد الملك باختزالها برتمها السريع.
من ناحية أخرى، يبدو من المثير للاهتمام أن نينا عبد الملك تعيد توزيع أغنية لفضل شاكر، في الوقت الذي أعلن فيه عن نيته إنتاج ألبوم يضم أغاني للسيدة فيروز بعد سنوات من الانخراط بممارسات سياسية مثيرة للجدل وابتعاده عن الساحة الفنية.