يثير التخبط والتجريب الذي يعانيه مسؤولو الأسد الاقتصاديون، الشفقة، إذ كلما ابتكروا حلولاً اقتصادية، أو نقدية على وجه التحديد، تنعكس عليهم وبالاً وعلى السوريين مزيداً من الفقر. وأدت سياسات بشار الأسد إلى خسارة الليرة السورية 1300% من قيمتها منذ 2011، كما تعدت نسبة الفقراء وفق المقاييس الدولية، 90% من سوريي الداخل.
وجاءت خطوة طباعة أوراق نقدية من فئة 2000 ليرة الشهر الفائت، وما عكسته من تضخم وغلاء أسعار، كمثال حي على التخبط، فضلاً عن تثبيت سعر الفائدة المصرفية عند حدود 11 و13%، بحسب فترة الايداع، بحيث لا تغري حتى "المقاومجية" ليجازفوا برمي نقودهم بخزائن المصارف بواقع تضخم نقدي يفوق عشرات أضعاف نسبة الفائدة عليها.
قصارى القول: يمثل وصول الكتلة النقدية بسورية إلى نحو 1650 مليار ليرة، وانتقال الدين العام من 360 مليار ليرة عام 2011 إلى نحو 3500 مليار ليرة اليوم (نحو 7 مليارات دولار)، فرصة لطرح الحل الأمثل، وذلك بسحب جل السيولة النقدية من السوق، وبدء تشغيلها، وخاصة أن لا موارد تذكر لدى نظام الأسد، بعد خسارته الصناعة والسياحة وصادرات النفط، التي كانت تدر 5 مليارات دولار سنوياً.
ولعل في حل سحب السيولة فوائد عدة، أو ضرب سرب عصافير بحجر واحد، بحسب أمثال السوريين، منها تحسن سعر صرف الليرة وفق مبدأ العرض والطلب، وبالتالي تقليص نسبة التضخم التي ستنعكس إيجاباً على حياة السوريين، والأهم تكون لدى نظام الأسد سيولة تغنيه عن الاستمرار بالاستدانة، أو طبع أوراق نقدية كبيرة، ستصل من خلالها الليرة إلى التهاوي لا محالة.
نهاية القول: ليس وفق اعتقادنا وحسب علوم الاقتصاد، من أمل يرجى بتحسين سعر الصرف أو الوضع المعاشي، وفق الحلول التي يرتئيها عباقرة الاقتصاد بنظام الأسد، في ظلع تهديم القطاعات الإنتاجية وشلل الصادرات والسياحة، بل على العكس، ثمة من يدفع لمزيد من التضخم والتفقير، عبر حلول رفع سقف القروض المصرفية والتي ستزيد من المعروض النقدي وبالتالي الفقر ورفع الأسعار والتضخم.
بل الحل العقلاني ووفق تجارب الدول ونظريات الاقتصاد، يتأتى من خلال رفع سعر الفائدة إلى 30% كحد أدنى، وصدور قرار بجعل هذه النسبة تطبق بمفعول رجعي ولمدة 5 سنوات، لتشمل كل المودعين الذين أكل التضخم إيداعاتهم ولم تشفع لهم نسبة الفائدة المتدنية، منذ تراجعت الليرة من نحو 50 ليرة للدولار إلى نحو 530 ليرة اليوم.
وعلى سبيل المثال، فإن من أودع مليون ليرة عام 2012، أي نحو 20 ألف دولار بأسعار ذلك الوقت، بفائدة لا تتجاوز 13% وصلت كتلة إيداعه هذا العام إلى نحو 2.8 مليون ليرة، أي بنحو 3700 دولار بأسعار الدولة هذه الأيام، ما يعني، وبحسبة بسيطة، أنه فقد خمسة أضعاف مبلغه الذي من المفترض أن ينمو جراء الإيداع.
ولكن، حين يحاسب المودع وفق أسعار الفائدة المرتفعة وبأثر رجعي يمتد لبداية تراجع سعر الصرف، سيتهافت السوريون على الإيداع، وخاصة بواقع عدم وجود مجالات استثمارية وفرص عمل تحقق لهم ولو جزءا من هذه الفائدة.
ويمكن بالتوازي لحكومة الأسد، أن تتابع بالطريقة ذاتها، أي نسبة فائدة مرتفعة، وتطرح سندات وأذونات خزينة، لتجمع السيولة من السوق وتوظفها بمطارح استثمارية، لتتابع ضرب العصافير بحجر واحد، كما قلنا حسب المثل السوري.
كما يمكن بعد فترة من ضبط المعروض النقدي وتحسن سعر الصرف، أن تلجأ حكومة الأسد إلى إلغاء صفر أو حتى صفرين من العملة، كما فعلت تركيا عام 2003، فتعيد للعملة السورية ماء وجهها الذي أرهقه هواة التدمير والحرب والاقتصاد.
وأما إن بقي التجريب والتخبط أساليب العمل والحل، فربما تشهد الليرة مزيداً من التراجع، أو عدم اعتمادها كعملة للتداول، بواقع اقتسام النفوذ على الأرض السورية، لينتشر بالسوق الدولار الأميركي والروبل الروسي والليرة التركية والريال الإيراني.