وتوضح الأوراق أن المدعي العسكري نسب إلى جنينة تهمة أنه أذاع عمداً في الخارج إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، بأن أبدى تصريحات على موقع "هاف بوست عربي" وأذيعت على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت بعض الأمور المنسوبة "كذباً" للقوات المسلحة وتتعلق بفترة ما بعد أحداث يناير/ كانون الثاني 2011، وكان من شأن ذلك كله إضعاف هيبة أجهزة الدولة والنيل من اعتبارها.
وترجع خطورة هذه المادة لأنها تعاقب مرتكب هذا الفعل بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة تراوح بين 100 جنيه و500 جنيه أو إحدى العقوبتين وفقاً لتقدير المحكمة، وتكون العقوبة بالسجن (أي 3 سنوات فأكثر) إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب.
وهذا الاتهام يفوق في الخطورة والعقوبة الاتهام الذي كان موجهاً في بداية التحقيقات لجنينة وهو مخالفة المادة 102 مكرر من قانون العقوبات، والتي تجرّم "إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة" والتي تعاقب من يرتكب هذه الجريمة عمداً بالحبس حتى 3 سنوات وغرامة ضئيلة لا تزيد على 200 جنيه في الأحوال العادية.
وتظهر الأوراق أن المدعي العسكري اعتبر أن جنينة تعمد إذاعة "أخبار كاذبة" تتمثل في إشارته لامتلاك الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش الأسبق، وثائق ومستندات تفضح بعض تصرفات المجلس العسكري الأسبق الذي كان يضم المشير حسين طنطاوي إلى جانب عنان والسيسي، وشهدت فترة حكمه العديد من الأحداث الدامية والمذابح بحق المتظاهرين بعد ثورة 2011.
كما التفت المدعي العسكري تماماً عن التقرير الطبي الذي تقدم به محامي أسرة جنينة والذي يفيد بأنه أدلى بتصريحاته وهو مصاب بأعراض ما بعد الارتجاج نتيجة الاعتداء عليه من قبل مجهولين، وأنه كان يعاني من أعراض مختلفة بعدم التركيز وعدم الإدراك أثناء التصريحات التي أدلى بها للصحافي معتز ودنان، المحبوس هو الآخر في قضية أخرى، وأن الصحافي هو المسؤول عن نشر تلك التصريحات دون التحقق منها، وتسجيلها وبثها على لسان جنينة دون إذن شخصي منه.
ويوضح مصدر قانوني عسكري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جنينة يخضع للمحاكمة العسكرية تطبيقاً للبند "ب" من المادة الخامسة من قانون القضاء العسكري التي تُخضع لهذا القانون الجرائم التي تقع على معدات ومهمات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها، الأمر الذي ربما يجعل المحكمة تعتبر أن جنينة قد ارتكب جريمة نشر الأخبار الكاذبة في زمن الحرب، باعتبار أن الجيش حالياً منخرط في عملية عسكرية كبرى ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء والصحراء الغربية.
ويضيف المصدر أن "الاتهامات الموجهة لجنينة مرتبطة بنصوص قانونية تترك للمحكمة العسكرية تقدير العقوبة وفترة الحبس أو السجن، إلّا أن المتبع هو معاقبة المتهمين فيها بالحبس أو السجن مدة بين 3 و5 سنوات، وأحياناً توقع عقوبة الحبس لمدة سنة واحدة في حالة الرأفة بالمتهم، أو إذا كان له تاريخ في خدمة الجيش".
ويختلف الحبس عن السجن بشكل أساسي في مكان الاحتجاز، حيث يمكن للمتهم المحكوم بالحبس قضاء العقوبة في أقسام الشرطة فضلاً عن السجن الحربي والسجون العمومية و"الليمانات" المركزية، لكن السجن لا يكون إلا في سجن عمومي أو السجن الحربي، حسب قرار وزير الدفاع.
وقررت المحكمة، أمس، تأجيل محاكمة جنينة إلى جلسة اليوم، الأربعاء، لبدء مرافعة دفاع جنينة، وصرحت بعرضه على مستشفى المنيل الجامعي "محبوساً" لبيان طبيعة حالته الصحية، وما إذا كان بكامل قواه العقلية، أم فاقداً للإدراك والتركيز.
وإذا أدين جنينة في هذه القضية، فلن تكون المرة الأولى التي يدان فيها بإشاعة أخبار كاذبة، إذ سبق وأدين بنشر معلومات غير حقيقية عن حجم الفساد في مصر وحُكم عليه بالحبس سنة مع وقف التنفيذ، على خلفية تصريحات له استغلها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي لإقالته من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات عام 2016.
وكانت النيابة العسكرية قد أجرت خلال التحقيق مواجهة بين جنينة وعنان، نفى فيها الأخير علمه بمعلومات الأول، وأكد رغبته في مقاضاته، وإصراره على البلاغ الذي تقدم به نجله سمير ضد جنينة منذ يومين، وعلى هذا فتحت النيابة العسكرية لجنينة قضيتين ببلاغين منفصلين؛ وتم حبس جنينة على ذمة البلاغ الأصلي المقدم من وزارة الدفاع، وأخلي سبيله صورياً بكفالة 15 ألف جنيه على ذمة البلاغ الثاني المقدم من عنان.