أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فحثّ المجتمع الدولي على اتخاذ إجراء لمنع النظام من شن هجوم على إدلب. وفي مقال نشر بصحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس الثلاثاء، قال أردوغان إن "الهجوم على إدلب سيخلق مخاطر إنسانية وأمنية خطيرة لتركيا وباقي دول أوروبا وما وراءها". وأضاف أن "الهجوم سيكون بمثابة هجمات عشوائية للقضاء على المعارضة وليس حملة حقيقية أو فعالة ضد الإرهاب". وذكر أيضاً أن "روسيا وإيران تتحملان مسؤولية وقف الكارثة الإنسانية". وشدّد على أنه "لا يمكننا ترك الشعب السوري تحت رحمة بشار الأسد".
بدوره، اجتمع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا مع مسؤولين كبار من تركيا وإيران وروسيا في جنيف لإجراء محادثات حول اللجنة الدستورية السورية. وبين الوفود المساعد الخاص لوزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، ومبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، ونائب وزير الخارجية التركي سيدات أونال. ولدى وصوله إلى المحادثات، قال أنصاري إن "إيران تشارك الأمم المتحدة مخاوفها من كارثة إنسانية محتملة في محافظة إدلب وسوف تسعى إلى تجنبها". وسيجتمع دي ميستورا مع ممثلين كبار من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والأردن وألمانيا وفرنسا ومصر، يوم الجمعة المقبل، لمواصلة مساعيه لوضع دستور سوري جديد. ويأتي اللقاء عقب خلافات حصلت في اجتماعات يوم الاثنين الماضي، بين الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة، تركيا وروسيا وإيران، تركزت بشكل رئيسي على اعتراض كل من روسيا وإيران على قائمة المستقلين التي أعدها دي ميستورا.
وواصلت قوات النظام السوري، أمس الثلاثاء، القصف المدفعي على طول خط الجبهة مع فصائل الجيش السوري الحر في ريف حلب الجنوبي، وريف حماه الشمالي، وريف إدلب الجنوبي، موقعة قتلى ومصابين بين المدنيين. وأحصى قسم التوثيق في "مكتب حماة الإعلامي" المختص بإحصائيات القصف، 200 غارة جوية لطائرات النظام وروسيا على ريف حماة الشمالي، تسببت بمقتل 17 مدنياً، بينهم أطفال ونساء، خلال الأيام الأربعة الماضية.
وبدأت قوات النظام منذ أشهر بالحشد من أجل معركة "كبرى" في شمال غربي سورية، يريد النظام حسمها لصالحه للتأكيد على أنه حقق نصراً عسكرياً على السوريين بعد سبع سنوات من حرب مفتوحة، قُتل وشُرّد واعتُقل فيها ملايين المدنيين. ومن الواضح أن طرفي الصراع (النظام والمعارضة)، يدركان جيداً أن المعركة المتوقعة والتي يحاول المجتمع الدولي تفاديها بشتى الطرق ولكنه لم يستطع حتى اللحظة، ستحسم إلى حدّ بعيد الصراع على سورية. لذا يحاول كل طرف وضع كل ثقله العسكري والإعلامي فيها، ومن المتوقع أن يتبع النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة قبل التقدم براً، فيما تؤكد المعارضة أن "لديها القدرة على الدفاع ومن ثم الهجوم ونقل المعركة إلى أرض العدو".
من جانبه، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "معركة إدلب مختلفة عما عداها، سواء للنظام أو للمعارضة"، مشيراً إلى أن "المعارضة المسلحة كانت لديها خيارات في جنوب سورية وريف دمشق وريف حمص الشمالي، منها الانسحاب إلى الشمال". وأضاف "لكن في إدلب انتهى هذا الخيار، ومن ثم ليس أمام المعارضة إلا الصمود والبقاء".
ولفت إلى أن "مسرح العمليات في شمال غربي سورية مختلف تماماً. المنطقة صخرية وفيها جبال ومغاور، تساعد المعارضة على الدفاع، فضلاً عن الكثافة السكانية، إذ تضم المنطقة أكثر من 3 ملايين مدني في بقعة جغرافية ضيقة". وبيّن رحال أن "طول الجبهة العسكرية في شمال غربي سورية يبلغ نحو 180 كيلومتراً"، مضيفاً أن "هناك نحو 150 ألف مقاتل من فصائل المعارضة متمرسون في القتال ولا خيار أمامهم إلا المقاومة في حال شنت قوات النظام هجوما برياً على مناطق المعارضة".
وتابع رحال بالقول إن "فصائل المعارضة السورية استفادت من دروس المعارك السابقة في مناطق سورية عدة انتزعها النظام، فاستعدت جيداً للمعركة من خلال إقامة تحصينات تحميها من الغارات الجوية، المتوقع أن تكون كثيفة في حال اندلاع الصراع". وأوضح العميد رحال أن "قوات النظام لا تعتمد على القوة البشرية في معاركها وتقاتل بالنار والصواريخ والبراميل"، مضيفاً أنه "لا تتقدم هذه القوات براً إلا بعد أن تحرق المنطقة بالقصف الجوي والمدفعي، إذ لم تجر معارك حقيقية في جنوب سورية، لأن الطيران اتبع سياسة الأرض المحروقة هناك، وهو ما يتوقع أن يفعله في شمال غربي سورية في حال بدء المعارك". وأشار إلى أن "النظام سيعتمد على مليشيات محلية، وأخرى إيرانية، لأنه لا يملك القوات الكافية لخوض معركة كبرى كمعركة إدلب"، مضيفاً أنه "ستبقى قوات له في الواجهة لأسباب إعلامية".
وكان قائد العمليات في "جيش العزة"، كبرى فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، العقيد مصطفى البكور، قد أكد أن "مقاتلي الجيش الحر مستعدون للمواجهة العسكرية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "أعددنا ما استطعنا من مقومات الصمود والتحصين، ومقاتلونا مصرون على الصمود والقتال حتى آخر لحظة". وأكد البكور أن "الجيش السوري الحر سينتقل إلى الهجوم مع بدء الهجوم البري للعدو"، مشيراً إلى أن "فصائل الجيش السوري الحر لا تتوقع حالياً هجوماً واسع النطاق، لكن قد يحاول النظام جس نبض المدافعين عن طريق عمليات محدودة".
ويهدد النظام بفتح كل الجبهات مع فصائل المعارضة السورية وتنظيمات متهمة بالتطرف، بدءاً بريف اللاذقية الشمالي ومنطقة جسر الشغور، مروراً بريف حماة الشمالي، وانتهاءً بريف حلب الجنوبي الغربي. لهذا يحاول النظام زج مجموعات من مناطق المصالحات في القلمون الشرقي، وجنوب دمشق، والغوطة الشرقية وجنوب سورية.
وشنّ النظام أخيراً حملات اعتقال لشبان في الغوطة الشرقية، تحديداً في مدينة حرستا، كما ألزم الشبان من عمر 17 وحتى 42 عاماً، بإبراز موافقة من التجنيد في حال مغادرة البلاد، في مؤشر على نيته شن حملات اعتقال في عموم البلاد لزج أكبر عدد ممكن من الأفراد غير المدربين في معركة إدلب.
في المقابل، من المتوقع أن تنقل المعارضة السورية آلافاً من مقاتلي "الجيش الوطني" التابع لها المتمركزين في شمال وشمال غربي حلب إلى منطقة إدلب في حال اندلاع المعارك التي لا يزال الروس يهددون بها. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إنه "من الواضح أنه لا يمكن لنا التسامح مع الحفاظ على بؤرة الإرهابيين هذه، وهذه هي سياسة دمشق وهي صحيحة تماماً".
وادّعى أن "العسكريين الروس يعملون على حلّ هذه القضية بشكل دقيق وفعال مع تقليص الخطر على المدنيين قدر الإمكان ومنع الإرهابيين من فرصة الفرار وإعادة تنظيم صفوفهم". وأقرّ بأن "مواقف روسيا وتركيا بخصوص إدلب لا تتطابق 100 في المائة"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر طبيعي". وأكد "سعي الطرفين عبر الجهود الدبلوماسية والسياسية إلى إيجاد أرضية مشتركة في الموضوع".
في المقابل، واصل الجيش التركي رفع مستوى تعزيزاته في جنوب البلاد، تحسباً من تطورات إدلب. وأكدت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، أمس، وصول قافلة تعزيزات عسكرية جديدة إلى مدينة كلس لدعم الوحدات المتمركزة على الحدود مع سورية. وأشارت إلى أن "التعزيزات العسكرية استقدمت من وحدات مختلفة في البلاد"، موضحة أن "القافلة توجّهت إلى الحدود مع سورية لتعزيز القوات المنتشرة على امتدادها، وسط تدابير أمنية".
ويحتفظ الجيش التركي بـ12 نقطة مراقبة داخل الأراضي السوري وفق اتفاقات أستانة والتي من المتوقع أن تعلن أنقرة انتهاء العمل بها مع انطلاق العمليات العسكرية باتجاه محافظة إدلب. وهو ما قد يدفع الملف السوري إلى مستويات أكثر خطورة، تحذّر منها أنقرة، المتوجسة من موجة هجرة جديدة عبر المتوسط إلى أوروبا. وهو ما يفسر الاهتمام الأوروبي المعلن وغير المعلن والسعي للحيلولة دون انزلاق الوضع في شمال غربي سورية نحو صدام عسكري.