رغم الركود الاقتصادي الحاد والأزمة الخانقة التي يكابدها لبنان، بقيت شركة "سوليدير" المعنية بتطوير وسط بيروت التجاري منذ نهاية الحرب الأهلية، أيقونة عقارية حضارية متميّزة، إلى أن حصل الانفجار الهائل في مرفأ بيروت ليبدّل الصورة. فكيف انعكس عليها؟
حتى الأسبوع الماضي، كانت شركة العقارات اللبنانية الرائدة "سوليدير" نقطة مضيئة للمستثمرين الذين يتطلعون إلى حماية أموالهم مع تدهور الأوضاع المالية للبلاد. الانفجار الهائل الذي دمر مساحات شاسعة من العقارات في بيروت غيّر فجأة الكثير من ذلك.
رغم انتقادات كثيرة لمشروعها، أُسّست "سوليدير" عام 1994 بهدف إعادة تطوير وسط العاصمة اللبنانية الذي دمّرته الحرب الأهلية، بعد قدوم رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري إلى السلطة من باب رئاسة الحكومة. لكن الكثير من أعمال البناء التي نفذتها تعرّض لأضرار جسيمة، بفعل انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب، الذي أودى بحياة أكثر من 170 شخصاً وتسبّب بخسائر هائلة في الممتلكات والمساكن.
العضو المنتدب لإدارة الثروات في "شركة ضمان للاستثمار" في دبي، نبيل الرنتيسي، قال لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية، إن "حجم الضرر في بيروت هائل وكارثي"، مضيفاً أن "سوليدير هي شركة عقارية تعيش من التطوير والتأجير. إنما مع غياب الأنشطة التجارية في إطارها الجغرافي، لن تتلقى مدفوعات، وسيستمر ذلك لبعض الوقت".
و"سوليدير" التي بلغت قيمتها السوقية نحو 2.3 مليار دولار حتى يوم الأربعاء، تمثّل أكثر الأسهم المتداولة سيولة في لبنان. ومنذ تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، مع تصاعد التضخم والقيود المفروضة على سحب الودائع، تحوّل العديد من المستثمرين إلى أسهمها المقوّمة بالدولار الأميركي كملاذ آمن، ما أدّى إلى ارتفاع سعر سهمها بأكثر من 150% منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2019.
رفيق الحريري الذي قضى بتفجير إرهابي كبير في 14 فبراير/شباط 2005 مقابل فندق "سان جورج" الذي عجزت الشركة عن الاستحواذ عليه، كان قد أسّس الشركة بعدما صنع ثروة من خلال إعادة بناء قصور العائلة السعودية المالكة، وكانت أسرته المساهم الأكبر في "سوليدير" حين وفاته.
وتم تكليف "سوليدير" بإعادة بناء 1.8 مليون متر مربع (19 مليون قدم مربعة) من وسط بيروت الذي دمّرته صراعات محلية مدعومة خارجياً خلال حقبة الحرب الأهلية التي امتدت بين عامَي 1975 و1990، إلى أن أصبحت منطقة وسط المدينة التي أُعيد تأهيلها نقطة جذب سياحي، حيث حلت المتاجر الراقية محل السوق التاريخي للمدينة، كما أنها تحتضن مقر مجلس النواب الذي يُعد هدفاً متكرراً للحراك الاحتجاجي على فساد السلطة.
مؤلف كتاب "الحريري المواطن: إعادة الإعمار- النيوليبرالية في لبنان" المحاضر البارز في جامعة ليفربول، هانيس بومان، كتب: "لقد أعادوا إلى حد ما بناء مركز مدينة فخم ورائع للغاية. لكن بالطبع، جاء ذلك مع الكثير من الانتقادات، من قبيل أنه أحدث تغييراً كاملاً في البنية الاجتماعية لهذه المنطقة، ناهيك بأنه كان يستهدف غالباً الأفراد ذوي الدخل المرتفع بدلاً من المواطنين أنفسهم".
وتشير التقديرات الأولية لمحافظة بيروت إلى أن الأضرار التي لحقت بالعاصمة جرّاء الانفجار الضخم قد تصل إلى 15 مليار دولار، في حين أن التعهدات بالمساعدة الطارئة للبنان أسفرت فقط عن نحو 300 مليون دولار حتى الآن، علماً أن حكومة حسّان دياب استقالت يوم الإثنين الفائت عقب تظاهر محتجين صاخبين في وسط العاصمة وبلوغهم محيط البرلمان.
وفي حين قد يكون صعباً الحفاظ على أي تفاؤل حيال سهم الشركة بسبب توقعات لبنان القاتمة، قال الرنتيسي: "لا أعتقد أن أي شخص سيقوم بأي استثمار كبير في لبنان قبل أن يرى الكثير من الاستقرار السياسي والتغيير السياسي الفعلي، وليس الوجوه نفسها في بذلات مختلفة"، علماً أن سهم "سوليدير" انخفض 2.6% اعتباراً من الساعة 11:44 صباحاً في بيروت، ماحياً مكاسب كان حصدها في أول يومين من هذا الأسبوع.
بدوره، يرى بومان بعض التناقضات الحادة بين عام 1990 والآن، قائلاً: "تمّت إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية من خلال تكليف مطوّر واحد، هو سوليدير، بهذه المسؤولية. أما الآن، فعندما تنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح الناس منظمين لبذل الجهود في إعادة الإعمار بأنفسهم، فهم ينظفون ويتخلصون من الحطام ويحاولون القيام بكل ما في وسعهم".
يُشار إلى أنه عندما طُرحت للاكتتاب في أواخر التسعينيات، كانت أسهم "سوليدير" محجوزة في البداية للمواطنين اللبنانيين والأشخاص من أصل لبناني، ولا يزال مستثمرو التجزئة اللبنانيون والمصارف والمؤسسات يمتلكون 89% من الشركة حتى ديسمبر/كانون الأول.
وكان لدى الشركة نحو 2.2 مليار دولار من الأصول، مع جرد من الأراضي والمشاريع قيد التنفيذ بلغ إجماليه 1.1 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي، وقد جمعت نحو 360 مليون دولار منذ بداية عام 2019 حتى فبراير/شباط 2020 عن طريق بيع الأراضي.
وتُقدّر حصة "سوليدير" في تطوير الواجهة البحرية لبيروت وحدها، والتي تجمع بين أماكن سكنية وتجارية وترفيهية بالقرب من شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، بنحو 165 مليون دولار بحلول نهاية عام 2019، علماً أن الواجهة البحرية هذه تضرّرت كثيراً من انفجار مرفأ بيروت الذي لا تزال خسائره قيد المسح حالياً.