هلع أسعار النفط في السعودية
أثار الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط، في الأسواق العالمية، مخاوف عديدة بين السعوديين، وتحدث نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وكتاب ومحللون اقتصاديون، عن الخوف من عجزٍ في الميزانية، يسببه انخفاض سعر البرميل، وتزايد أوجه الإنفاق الحكومي، وما يمكن أن يحدثه الانخفاض من تأثير في معيشة الناس. في الوقت نفسه، تحاول تحليلات كثيرة فهم أسباب انخفاض السعر، وما الذي تهدف إليه السعودية من خفض الأسعار، منطلقين من التسليم بأن تراجع سعر البرميل تم برغبة السعودية، ما يعني أنها لا تجد ضرراً من تراجع الأسعار.
لابد من التعريج على ما يحدث، ومحاولة فهمه، قبل الحديث عن أثره على الاقتصاد السعودي. تراجعت أسعار النفط في الأشهر الأربعة الماضية، مسجلة مستويات متدنية، لم تصل إليها في أربع سنوات، ما يجعل الأنظار تتجه، أولاً، إلى معادلة العرض والطلب. هناك ضعف في الطلب على النفط، نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتراجع المؤشرات الاقتصادية في دول أوروبية، بالإضافة إلى إجراءات قامت بها دول، منذ سنوات، لترشيد استهلاك النفط. في المقابل، هناك طفرة على مستوى العرض، على الرغم من الحروب في المناطق النفطية، إذ زاد الإنتاج النفطي في عدد من البلدان، وارتفع الإنتاج الليبي، مثلاً، ليصل إلى 800 ألف برميل نهاية الشهر الماضي، واستئناف إنتاجٍ متوقف يحدث تصحيحاً في أسعار السوق عادةً. كذلك تبرز مسألة النفط الصخري، والتي رفعت المعروض النفطي في السوق، فقد زاد إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري في السنوات الأخيرة، ويقود هذا إلى الحديث عن أحد التحليلات الرائجة، بخصوص الدور السعودي في تراجع الأسعار.
استخراج النفط الصخري شهد طفرة، في السنوات الأخيرة، في محاولة أميركية لإنهاء الارتهان في مجال الطاقة لنفط الآخرين، وتطورت تقنيات الحفر والاستخراج، وقلت كلفتها مع الوقت، وزاد الإنتاج الأميركي. لكن، بقيت كلفة إنتاج هذا النفط عالية جداً بالمقارنة مع كلفة إنتاج النفط التقليدي التي لا تتجاوز ثلاثة دولارات للبرميل، فالنفط الصخري يكلف ما بين 60 – 70 دولاراً، بحسب عدة تقارير، لكنه استفاد من ثبات سعر البرميل على مائة دولار. الانخفاض الحالي يمكن أن يضر بشركات إنتاج النفط الصخري، إذا وصل سعر البرميل إلى ما دون 70 دولاراً. وحتى الآن، ليس واضحاً ما إذا كان الانخفاض يمكن أن يصل إلى هذا الحد.
يقول محللون إن السعودية تهدف من خفض الأسعار إلى تثبيت حصتها في السوق، والحد من زيادة العرض، والتأكيد على أهمية نفطها وقدرته التنافسية، ويعتقد خبراء اقتصاديون أن هذه فعلاً أهداف السعودية من تخفيض الأسعار، لكنهم يرون أن إخراج النفط الصخري من المعادلة مبالغة غير دقيقة، والدخول في حرب أسعار لإزاحة النفط الصخري قد يحتاج فترات طويلة، والمسألة لا تتعدى إحداث توازن في السوق.
من جانب آخر، تُركز تحليلاتٌ على الجانب السياسي، وتؤكد أن السعودية تسعى، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، إلى ضرب روسيا بتخفيض سعر البرميل، وانتزاع تنازلات سياسية منها، خصوصاً أن اقتصادها تحت تأثير العقوبات الأخيرة المفروضة عليها بعد الأزمة الأوكرانية، وتُذكّر هذه التحليلات، المنتشرة في أهم الصحف الأميركية، بما فعلته السعودية من إغراق للسوق النفطي بإنتاجها منتصف الثمانينات، لضرب الاقتصاد السوفييتي. هناك حديثٌ، أيضاً، عن تأثر إيران بدرجة أقل، واستخدام تخفيض الأسعار للضغط عليها في المفاوضات بشأن برنامجها النووي. لكن، لا يمكن تَبَيُّن مدى دقة هذه التحليلات، في الوقت الحالي.
في المحصلة، التحليلات التي تتحدث عن الإضرار بالنفط الصخري، أو التي تؤكد وجود مخطط سياسي، أو حتى التي تعتمد على قراءة العرض المرتفع والطلب المنخفض، لا تشير إلى أزمةٍ، يمكن أن تواجهها السعودية، نتيجة انخفاض سعر البرميل، فالمملكة تملك احتياطياً نقدياً ضخماً، بسبب الفوائض المالية التي حققتها من بيع النفط في السنوات الأخيرة، وتفيد التقديرات بأن الاحتياطي يصل إلى 750 مليار دولار، وهو يكفي لتجنب أي عجز في الموازنة، ما يبدد المخاوف التي أبداها بعض الكتَّاب ورجال الأعمال.
لكن، على الرغم من ذلك، لا يجب أن تنصب المخاوف على سعر البرميل، بل إن الخوف يفترض أن يتوجه إلى بقاء السعودية، معتمدة على النفط مصدراً شبه وحيد للدخل، خصوصاً أن وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف المالي تؤكد أن 85% من الصادرات السعودية، و90% من الواردات الحكومية، تأتي من قطاع النفط، وهذا يلفت النظر إلى فشل الخطط الخمسية المتوالية في تنويع مصادر الدخل، والتوقف عن الاعتماد الكلي على ريع النفط، وبقاء الاقتصاد السعودي مرتهناً لانخفاض الأسعار وارتفاعها في السوق النفطي.
أتاح النفط استيعاب الدولة أعداداً كبيرة من السعوديين، في الجهاز البيروقراطي، لتوزيع موارد الريع النفطي عليهم، ضمن علاقة زبائنية. لكن، مع مرور الوقت، أصبحت أجهزة الدولة ضخمة ومترهلة، ولا تستطيع استيعاب أعداد أكبر، لكنها لا تتحرك لتغيير النمط الريعي، ولا توجد رؤية اقتصادية بديلة، وهذا، بالتحديد، ما يجب أن يثير القلق.