14 نوفمبر 2024
هل انتهت ظاهرة عمرو خالد؟
الله أعلم بالنيات.. كلها، ما ظهر منها وما بطن، ما استقرّ في الفؤاد أو انتشر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بين العباد، ومنها نية الداعية الإسلامي التلفزيوني الشهير، عمرو خالد، الذي تعرّض خلال موسم الحج أخيرا إلى ما يشبه الحملة الساخرة، على خلفية مقاطع الفيديو التي صوّرها لمتابعيه على صفحته في "فيسبوك"، وحسابه في "تويتر" في أثناء أدائه شعائر الحج.
بدا عمرو خالد، في تلك المقاطع، مغالياً جداً في التعبير عن عواطفه الدينية الجياشة في أثناء العبادات، فظهر في واحدٍ منها مستدبرا الكعبة المشرفة، متجها بكل جوارحه إلى الكاميرا التي حملها أحد مرافقيه، وبصوت متهدّجٍ شديد الافتعال، بدأ يدعو الله دعواتٍ كثيرة خصص بعضها لمتابعي صفحته على "فيسبوك" من الشباب والبنات!
وفي مقطع آخر، بدا أكثر افتعالا، وهو يختلس النظرات لبؤرة الكاميرا التي ما إن دارت حتى تغيرت نبرة صوته بشكل واضح، وانتقل بها من الحالة الطبيعية إلى ما يشبه البكاء بلا دموع. بدا المشهد مضحكا، بدلا من حالة الخشوع المفترضة، ما ضاعف من جرعة السخرية تجاهه.
إلى سنوات قليلة، لم يكن أحد ليجرؤ على انتقاد ظاهرة الشيوخ الجدد "الكول" الذين ظهروا فجأة في معظم القنوات الفضائية، ساحبين البساط من تحت أقدام الدعاة التقليديين، فضلا عن السخرية منهم على سبيل المثال. كانوا نجوما يُضاهون، في نجوميتهم، الممثلين والمغنين، بل إن ممثلين ومغنين كثيرين كانوا من أشهر معجبيهم وزبائنهم، وقد ساهموا في انتشارهم وترويج ندواتهم ومحاضراتهم وبرامجهم التلفزيونية. أما أسلحتهم التي قدمتهم إلى جماهيرهم العريضة من الشباب والبنات بالذات فكانت بعض القصص الدينية ذات السمت العاطفي، التي كانوا يقصّونها بأداء درامي، ولهجة عامية، بمصطلحات شبابية، توافقت مع مظهرهم العصري، ووجوههم الحليقة وأزيائهم وتسريحاتهم الغربية المستلة من منصات عروض الموضة، مستغلين حالة جمعية من الإقبال على مظاهر التديّن، توافقت مع صور مختلفة لما تسمّى الصحوة الدينية التي عبرت عن نفسها في بلدان عربية كثيرة، لأسباب مختلفة.
ولم تكن الحماية التي اكتسبها هؤلاء الدعاة الجدد ضد النقد، تعتمد على جماهيريتهم الكاسحة بين الشباب والبنات وحسب، بل أيضا على الرضا الصامت أحيانا، والمعلن أحيانا أخرى عليهم من الدعاة والفقهاء التقليديين الذين وجدوا فيهم أدواتٍ تساعدهم على تبليغ رسائلهم بعد تهيئة الجماهير لها. وأتذكر على هذا الصعيد مقالة شديدة اللهجة، كتبها أحد مشايخ الكويت قبل سنوات ضدي، حيث اتهمني فيها بأنني من زمرة "المستهزئين بأصول العقائد الدينية وإعلان الجحود بمسلماتها"، لمجرد أنني انتقدت عنوان محاضرةٍ كان قد ألقاها عمرو خالد ضمن أنشطة معرض الكتاب في الكويت.
وفي ظل حمايةٍ كهذه، نمت تلك الظاهرة التي حولت الدين إلى سلعة استهلاكية و"بزنس" ناجح جدا يمكن استحلاب الأرباح منه بكل الأشكال الممكنة، ما دامت الجماهير تدفع بحماسةٍ شديدةٍ، بعد أن أوهمها هؤلاء أنهم هم المخلصون، وأن دعواتهم يمكن أن تضمن لأصحابها الجنة بلا حساب، فتضخمت أرصدة هؤلاء الدعاة البنكية في مقابل تضخم أحاديثهم عن قيمة التواضع، وتنوعت مظاهر ثرائهم مقابل تنوع وسائلهم في اللهاث وراء الشهرة والنجومية والمعجبين والمعجبات.
لا جديد إذن في ما قام به عمرو خالد، فهذه هي بضاعته التي اشتهر بها هو ورفاقه منذ ظهورهم قبل عقدين، وكل ما حدث أن الجماهير، قبل عشرين عاما، ليست هي الجماهير الآن، فقد كبر المعجبون والمعجبات على هامشٍ من وعي جديد، ساهمت في إحداثه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي الذي سمح للجماهير أن تتفاعل مع النجم بالنقد المباشر، وأسقط هالة السحر عنهم. كما أن انكشافهم العلمي والمعرفي على مدى سنين استنفدوا فيها كل حكاياتهم الساذجة، جعلهم ولأول مرة مكشوفي الظهر أمام الجماهير التي، وإن ما زالت تتفضل عليهم بـ "اللايكات"، أصبحت تحاكمهم في مقابل ذلك على كل خطأ يرتكبونه بقسوة ظاهرة، وكأنهم ينتقمون لأنفسهم من ماضٍ قريب، كانوا فيه يصفقون لهؤلاء الدعاة "الكول" في مقابل صكوكٍ للغفران الوهمي.
بدا عمرو خالد، في تلك المقاطع، مغالياً جداً في التعبير عن عواطفه الدينية الجياشة في أثناء العبادات، فظهر في واحدٍ منها مستدبرا الكعبة المشرفة، متجها بكل جوارحه إلى الكاميرا التي حملها أحد مرافقيه، وبصوت متهدّجٍ شديد الافتعال، بدأ يدعو الله دعواتٍ كثيرة خصص بعضها لمتابعي صفحته على "فيسبوك" من الشباب والبنات!
وفي مقطع آخر، بدا أكثر افتعالا، وهو يختلس النظرات لبؤرة الكاميرا التي ما إن دارت حتى تغيرت نبرة صوته بشكل واضح، وانتقل بها من الحالة الطبيعية إلى ما يشبه البكاء بلا دموع. بدا المشهد مضحكا، بدلا من حالة الخشوع المفترضة، ما ضاعف من جرعة السخرية تجاهه.
إلى سنوات قليلة، لم يكن أحد ليجرؤ على انتقاد ظاهرة الشيوخ الجدد "الكول" الذين ظهروا فجأة في معظم القنوات الفضائية، ساحبين البساط من تحت أقدام الدعاة التقليديين، فضلا عن السخرية منهم على سبيل المثال. كانوا نجوما يُضاهون، في نجوميتهم، الممثلين والمغنين، بل إن ممثلين ومغنين كثيرين كانوا من أشهر معجبيهم وزبائنهم، وقد ساهموا في انتشارهم وترويج ندواتهم ومحاضراتهم وبرامجهم التلفزيونية. أما أسلحتهم التي قدمتهم إلى جماهيرهم العريضة من الشباب والبنات بالذات فكانت بعض القصص الدينية ذات السمت العاطفي، التي كانوا يقصّونها بأداء درامي، ولهجة عامية، بمصطلحات شبابية، توافقت مع مظهرهم العصري، ووجوههم الحليقة وأزيائهم وتسريحاتهم الغربية المستلة من منصات عروض الموضة، مستغلين حالة جمعية من الإقبال على مظاهر التديّن، توافقت مع صور مختلفة لما تسمّى الصحوة الدينية التي عبرت عن نفسها في بلدان عربية كثيرة، لأسباب مختلفة.
ولم تكن الحماية التي اكتسبها هؤلاء الدعاة الجدد ضد النقد، تعتمد على جماهيريتهم الكاسحة بين الشباب والبنات وحسب، بل أيضا على الرضا الصامت أحيانا، والمعلن أحيانا أخرى عليهم من الدعاة والفقهاء التقليديين الذين وجدوا فيهم أدواتٍ تساعدهم على تبليغ رسائلهم بعد تهيئة الجماهير لها. وأتذكر على هذا الصعيد مقالة شديدة اللهجة، كتبها أحد مشايخ الكويت قبل سنوات ضدي، حيث اتهمني فيها بأنني من زمرة "المستهزئين بأصول العقائد الدينية وإعلان الجحود بمسلماتها"، لمجرد أنني انتقدت عنوان محاضرةٍ كان قد ألقاها عمرو خالد ضمن أنشطة معرض الكتاب في الكويت.
وفي ظل حمايةٍ كهذه، نمت تلك الظاهرة التي حولت الدين إلى سلعة استهلاكية و"بزنس" ناجح جدا يمكن استحلاب الأرباح منه بكل الأشكال الممكنة، ما دامت الجماهير تدفع بحماسةٍ شديدةٍ، بعد أن أوهمها هؤلاء أنهم هم المخلصون، وأن دعواتهم يمكن أن تضمن لأصحابها الجنة بلا حساب، فتضخمت أرصدة هؤلاء الدعاة البنكية في مقابل تضخم أحاديثهم عن قيمة التواضع، وتنوعت مظاهر ثرائهم مقابل تنوع وسائلهم في اللهاث وراء الشهرة والنجومية والمعجبين والمعجبات.
لا جديد إذن في ما قام به عمرو خالد، فهذه هي بضاعته التي اشتهر بها هو ورفاقه منذ ظهورهم قبل عقدين، وكل ما حدث أن الجماهير، قبل عشرين عاما، ليست هي الجماهير الآن، فقد كبر المعجبون والمعجبات على هامشٍ من وعي جديد، ساهمت في إحداثه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي الذي سمح للجماهير أن تتفاعل مع النجم بالنقد المباشر، وأسقط هالة السحر عنهم. كما أن انكشافهم العلمي والمعرفي على مدى سنين استنفدوا فيها كل حكاياتهم الساذجة، جعلهم ولأول مرة مكشوفي الظهر أمام الجماهير التي، وإن ما زالت تتفضل عليهم بـ "اللايكات"، أصبحت تحاكمهم في مقابل ذلك على كل خطأ يرتكبونه بقسوة ظاهرة، وكأنهم ينتقمون لأنفسهم من ماضٍ قريب، كانوا فيه يصفقون لهؤلاء الدعاة "الكول" في مقابل صكوكٍ للغفران الوهمي.