هل تقضي كورونا على أحلام ترامب؟

06 يوليو 2020
ترامب يبدو كئيباً في عيد الاستقلال الأميركي
+ الخط -

ربما تكون جائحة كورونا وما ترتب عليها من إغلاق الاقتصاد والاحتجاجات الأميركية ضد التمييز العنصري التي تلت قتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد، قضت على معجزة "ترامب الاقتصادية" التي كان يعول عليها في كسب معركة انتخابات الدورة الرئاسية الثانية التي باتت على الأبواب وستجرى في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني.

فالاقتصاد الأميركي يتجه نحو ركود عميق بسبب عودة تفشي جائحة كورونا في العديد من الولايات، خاصة ولايات كبرى يعتمد عليها ترامب ومرشحو الحزب الجمهوري في كسب الانتخابات، من بينها ولايتا تكساس وفلوريدا.

وتفشي الفيروس التاجي مجدداً في أميركا، يعني أن خطط فتح الاقتصاد وتشغيل المصانع والمتاجر سيتأجل في العديد من الولايات. كما أن نسبة البطالة في أميركا ستواصل الارتفاع، إذ بلغت حتى الآن نحو 40 مليون عاطل، وأن حوالى 20% من هؤلاء العاطلين عن العمل من أصحاب الياقات الزرقاء والوظائف التي تدفع بالساعة في الفنادق والمطاعم والمصانع. ومثل هذه المهن ستتأخر حتى في حال فتح الاقتصاد الأميركي بكامل ماكينته التشغيلية. وبالتالي، فإن تعويل ترامب على إنجازاته في عالم المال والتجارة، التي كان يأمل أن تحمله بسهولة للفوز بدورة ثانية، تبخّر على نار كورونا، وربما سيتحول ما كان يعده إنجازاً اقتصادياً إلى دمار اقتصادي سيحسب عليه وليس له.

أما بالنسبة لأسواق المال التي ظل ترامب يتغنّى بها طوال الأربع سنوات الماضية وشغله ارتفاع مؤشراتها وتغريداته اليومية عن أداء مهامه الرئاسية، فإنها لا تبدو أفضل حالاً من الاقتصاد، رغم التريليونات التي ضخها مصرف الاحتياط الفدرالي ويواصل ضخها على أمل إنقاذها من جائحة كورونا. إذ عادت سوق "وول ستريت" للتأرجح بمعدلات خطيرة خلال النصف الثاني من شهر يونيو/حزيران الماضي بعد التحسن خلال شهر مايو/أيار.

وفي مقابل الصعوبات التي يواجهها ترامب في حملته الانتخابية، يطرح الديمقراطيون ومرشحهم للرئاسة جو بايدن برنامجاً اقتصادياً وسياسياً بسيطاً يتألف من تصحيح مسار الولايات المتحدة، مستفيدين من أخطاء ترامب. ويتألف برنامج الحزب الديمقراطي من عدة نقاط، أهمها إعادة النفوذ الدبلوماسي للولايات المتحدة الذي قوّضه الرئيس ترامب عبر تغريداته وإهانته للشعوب ورؤساء الدول، وكذلك إعادة "القوة الناعمة" التي خسرتها أميركا عبر السياسة الانعزالية والانسحاب من المؤسسات الدولية متعددة الأطراف التي كانت تستخدمها الإدارات الأميركية المتعاقبة في إضفاء الشرعية على سياساتها. كما يطرح الديمقراطيون كذلك في برنامجهم الانتخابي إعادة العلاقات مع حلفاء أميركا التقليديين مع أوروبا واليابان ودول النمور الآسيوية.

وبينما يرى الديمقراطيون أن هذه الأجندة أساسية لعودة أميركا للمحيط الدولي ولعب دورها كدولة عظمى وقيادة العالم في هذه اللحظات الحرجة التي تعاني منها البشرية من جائحة كورونا وتتطلب التضافر والتعاون وبحاجة إلى قيادة دولة عظمى مثل أميركا وليس الخلافات والحظر الاقتصادي، يرى ترامب أن هذه الأجندة هي التي أضرت بالولايات المتحدة طوال العقود التي تلت نهاية الحرب الباردة، وبالتالي يعمل على تفكيك كامل النظام العالمي القديم وإعادة تركيبه من جديد. ولكنه يسعى لتنفيذ ذلك عبر سياسات عدوانية انعزالية ربما تهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي العالمي في حال فوزه بدورة رئاسية ثانية.

ويعتقد التيار اليميني الذي يمثله ترامب أن العولمة هي العدو الأول لبناء "أميركا العظيمة"، لأنها أدت إلى تمدد التنين الصيني تجارياً واقتصادياً على حساب أميركا والمعسكر الرأسمالي. وبالتالي، يرى ترامب وأنصاره من اليمين المتطرف في أميركا، ضرورة القضاء على مشروع العولمة عبر تفكيك منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة وتحجيم دور صندوق النقد والبنك الدوليين، حتى تتمكن أميركا من بناء نظام عالمي جديد يكرس الهيمنة الأميركية المطلقة في فترة ما بعد القضاء على جائحة كورونا.

وفي الواقع، فإن العولمة خدمت المشروع الاقتصادي الصيني في التمكين والتمدد، ولكن التمدد الصيني لم ينجح فقط بسبب هذه المؤسسات، وإنما نجح كذلك بسبب أخطاء السياسات الأميركية التي اعتمدت على الاستخدام المكثف للدولار في السياسة الخارجية، عبر الحظر المالي والتجاري لدول العالم التي ترفض الانصياع لسياساتها العدوانية.

وبالتالي، لجأت العديد من دول العالم إلى استخدام آليات المقايضة والصفقات التبادلية في التسويات المالية والتجارية والبحث عن بديل. كما أن إدارة ترامب استغلت مكانة الدولار كـ"عملة احتياط" دولية تحتاجها البنوك المركزية والتجارية العالمية في عمليات التسوية التجارية وتسويات أسواق الصرف، وتوسعت في التمويل عبر الاستدانة حتى رفعت حجم الدين الأميركي إلى 26 تريليون دولار. وبالتالي، أصبح الدولار يمثل ورطة للنظام النقدي العالمي وللدول في آن معاً.

ويلاحظ أن الحملة الانتخابية لتولي ترامب دورة رئاسية ثانية تواجه ثلاث عقبات كؤود، وهي:

أولاً: العداء السافر مع الجماعات العرقية غير البيضاء أو غير ذات الأصول الأوروبية التي لم يوفر ترامب احتقاره لها والسخرية منها كلما سنحت له فرصة التعليق على حدث سياسي أو اقتصادي.

ثانياً: العداءات المتجذرة مع النخب الأرستقراطية والثرية في أميركا وتصفية حساباته القديمة معها، خاصة وأنها لا تعترف به كجزء منها رغم ما يملكه من مليارات.

ثالثاً: يواجه ترامب معركة مع التيار الليبرالي في أميركا الذي يتشكل من المهنيين البيض من أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين. ويعتقد هؤلاء أن ترامب لا يحترم الدستور الأميركي وحريات الرأي ومبادئ حقوق الإنسان التي يفتخر بها المواطن الأميركي على نظرائه في دول العالم. وينضم إلى هؤلاء تيار الإعلاميين العريض في أميركا الذي تعرّض للإهانات والسخرية من ترامب طوال فترة الأربع سنوات الماضية. إذ لديه عداء سافر مع كل من صحيفة "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" والقنوات التلفزيونية الرئيسية.