هل قرّرت تركيا الحرب ضد داعش؟
منذ نجاح تركيا في الإفراج عن رهائنها الـ 49 الذين خطفهم تنظيم داعش في الموصل، تغيّرت لهجة المسؤولين الأتراك إزاء مشاركة بلادهم في التحالف الدولي ضد التنظيم. فقد وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الغارات الأميركية ضد مواقع داعش في سورية بالإيجابية، وقال رئيس حكومته، أحمد داود أوغلو، إن بلاده تدرس كيفية المشاركة، ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، كشف عن أن أنقرة اعتقلت أكثر من ألف مقاتل من 75 بلداً، ورحلتهم إلى الخارج. وجاءت هذه الإشارات المتتالية بالتزامن مع مشروع قدمته الحكومة التركية إلى البرلمان، لنيل تفويض يتيح للجيش القيام بعمليات عسكرية في سورية والعراق، وإقامة منطقة أمنية عازلة على حدود تركيا مع البلدين.
بعيداً عن الاعتراضات والمخاوف التركية من المشاركة في التحالف الدولي، فإن سؤالاً سيطرح: هل من علاقة بين قرار تركيا إقامة منطقة أمنية عازلة وقرارها المشاركة في التحالف؟ ومع أن المسؤولين الأتراك لا يتحدثون صراحة عن هذا الأمر، فإن من الواضح أنه يصب في الرؤية التركية هذه. فأنقرة، منذ البداية، تقول إن داعش نتيجة وليس سبباً، والهدف النهائي ينبغي أن يكون السبب، وليس الاكتفاء بالنتيجة. بمعنى آخر، إنها تريد ربط استراتيجية الحرب ضد داعش بوضع نهاية للأزمة السورية، سواء في تسوية سياسية أو في حرب ضد النظام لإسقاطه. وعليه، يأخذ الدور التركي الحالي المتردد في الحرب ضد داعش شكل البحث عن الدور اللاحق لجهة المشاركة في الحرب ضد النظام السوري. ولا تتطابق الرؤية التركية هذه، حتى الآن، مع الرؤية الأميركية التي تتعمد الغموض، خصوصاً وأن الاستراتيجية الأميركية تتحدث عن حرب ضد داعش، قد تطول ثلاث سنوات، وعن حل سياسي للأزمة السورية، من دون رؤية واضحة لكيفية هذا الحل وشكله وآليات تحقيقه، خصوصاً وأن تجربة جنيف كانت فاشلة بامتياز.
الثابت، أيضا، أن حسابات تركيا من الحرب ضد داعش تتجاوز القضاء على هذا التنظيم المسلح، إلى قضية أساسية وجوهرية للسياسة التركية، هي كيف ستكون نتائج هذه الحرب على صعيد القضية الكردية، فإلى جانب حرج تركيا من أن تجد نفسها في صف واحد إلى جانب حزب العمال الكردستاني، المصنف على قائمة الإرهاب في الحرب ضد داعش، تخشى، في العمق، من أن يكون الأكراد المستفيد الأكبر من هذه الحرب، بحصولهم على أسلحة متطورة أو أن تؤدي الأحداث إلى ولادة إقليم كردي في سورية، بات يتواصل جغرافياً مع أكراد العراق وتركيا، وهو ما ترى أنقرة أنه سينعكس على قضيتها الكردية في الداخل، خصوصاً بعد إعلان حزب العمال الكردستاني عن وقف عملية السلام الكردية التركية، على وقع هجوم داعش على عين العرب – كوباني الكردية السورية، واتهام الأكراد تركيا بدعم داعش، والتهديد بالعودة إلى العنف مجدداً.
استراتيجيا أيضاً، ترى تركيا أن التحالف ضد داعش من دون وجود خطة واضحة لإسقاط النظام السوري سيؤدي إلى تعزيز قدرات بغداد ونفوذ طهران، حليفتيه، والنتيجة الطبيعية لمثل هذا الأمر إضعاف تركيا وأدوات قوتها الناعمة، وهي، في العمق، تحس أن دورها في التحالف المذكور ليس كما ينبغي، فهي تعتقد أن موقعها الجغرافي المجاور لسورية والعراق، وعضويتها في الحلف الأطلسي ينبغي أن يضمنا لها دوراً مؤثراً ويحفظا لها امتيازات كثيرة في هذه الحرب ونتائجها، في حين ترى أن مثل هذا الدور أعطي للسعودية، بعد استضافتها مؤتمر جدة.
والواضح أن تركيا ترى أن التحالف الدولي ضد داعش يجب أن يكون مزدوجاً لجهة الأهداف، ووفق خطة واضحة، وتفضي إلى نتائج محددة، وهذا هو السبب الرئيسي في الجدل الأميركي التركي المتواصل بخصوص مشاركة أنقرة في التحالف الدولي. ووسط هذا الجدل والضغوط الأميركية، تبدو تركيا وكأنها بين سندان الضغوط الأميركية للمشاركة في التحالف وحساب التداعيات والمصالح، حيث ترجح التصريحات التركية المشاركة، خصوصاً وأن الغارات الأميركية تتواصل بكثافة على مواقع التنظيم في سورية، والحرب باتت واقعة، وتركيا العضو في الحلف الأطلسي لا تريد، في النهاية، أن ترى نفسها خارج هذا التحالف. ويبدو أن القرار التركي بالمشاركة في هذه الحرب بات مرتبطاً بموقف واشنطن من المنطقة الأمنية العازلة التي تعد أنقرة لها، ما يعني انتقال الحرب إلى مرحلة ما بعد الحرب ضد داعش.