13 نوفمبر 2024
هل هي رصاصة الرحمة خليجياً؟
دعا العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبد العزيز، في الجلسة الافتتاحية للقمة العادية لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في ديسمبر/ كانون الأول 2011، الدول الأعضاء إلى الانتقال بالمنظومة الخليجية من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، لأن الخليج العربي “مستهدفٌ بأمنه واستقراره". وعلى الرغم من أن تلك الدعوة مثلت، بنظر بعضهم، محاولة سعودية لاحتواء ارتدادات الربيع العربي الذي كانت رياحه تهبّ قويةُ من "الشام... لتطوان"، إلا أن الهواجس الخليجية كانت أعمق من ذلك، مع اكتمال الانسحاب الأميركي من العراق، وتنامي المخاوف من احتمالات الهيمنة الإيرانية على المشرق العربي مع اندلاع الثورة السورية. فوق الضرورات العسكرية والأمنية لتبرير مقترح الاتحاد الخليجي، كانت هناك ضروراتٌ اقتصادية أيضاً، عنوانها الرئيس التكامل وتنويع مصادر الدخل لمواجهة عصر ما بعد النفط الأحفوري. المدهش أن الدول الخليجية الصغرى والأكثر غنى (خصوصا قطر وإلى حد ما الكويت) كانت الأكثر حماسة لمقترح الاتحاد مع "الشقيقة الكبرى"، علماً أنها يجب أن تكون أكثر توجساً مخافة احتمالات الهيمنة. الأكثر اعتراضاً كانت الدول الخليجية الأكبر (عُمان ثم الإمارات)، كلٌ لأسبابه.
بعد نحو خمس سنوات على طرح مبادرة الارتقاء نحو الاتحاد، يبدو مجلس التعاون في طريقه إلى الارتقاء فعلاً، إنما إلى الرفيق الأعلى، على ما توحي به أزمة حصار قطر. لماذا؟ السبب ببساطة هو العامل الخارجي، فعلى الرغم من أن فكرة إقامة منظومة أمن إقليمي خليجي جاءت من داخل البيت الخليجي (اقترحها أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد) إلا أنها نشأت بفعل عامل خارجي، وكذا جاءت فكرة تحويلها إلى اتحاد، وها هي تواجه احتمال التفكّك، لا قدّر الله، بفعل العامل الخارجي أيضاً.
قبل بضعة وثلاثين عاماً، تداعى قادة الدول الخليجية الست للاجتماع في الرياض للتباحث في فكرة إنشاء منظومة أمن جماعي لمواجهة تهديديْن عظيمين، إقليمي ودولي. إقليمياً، نشأ المجلس ردة فعل على الثورة الإيرانية، ومحاولات تصديرها إلى دول الجوار. وكانت بعض مظاهر تأثيرات هذه الثورة قد ظهرت فعلاً على شكل حوادث أمنية، كان أبرزها حادثة اقتحام الحرم المكي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، ثم تعاظمت المخاطر مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية. أما دولياً، فقد تأسّس المجلس في أجواء ما تعرف بالحرب الباردة الثانية التي انطلقت مع الغزو السوفييتي لأفغانستان أواخر عام 1979، وتصاعد المخاوف من إمكانية اجتياح السوفييت باكستان، والوصول من ثم إلى تخوم الخليج. طبعاً لم تكن، في ذلك الوقت، أوهام لدى أحد بأن دول المجلس قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم إيراني مثلاً، دع جانباً مسألة التصدّي لهجوم سوفييتي. وقعت مهام الدفاع عن المنطقة على عاتق الولايات المتحدة، التي أنشأ رئيسها في ذلك الوقت، جيمي كارتر، قوات الرد السريع (Rapid Deployment Force) للدفاع عن الخليج في وجه هجوم سوفييتي أو إيراني محتمل.
لكن مجلس التعاون لعب، مع ذلك، دوراً مهماً في احتواء الخطريْن، الإيراني والسوفييتي، إذ ساند العراق في حربه مع إيران، كما دعمت السعودية، خصوصا، جماعات الجهاد الأفغاني لتعطيل أي تفكير سوفييتي نحو مزيدٍ من التغلغل باتجاه المياه الدافئة. لكن المجلس، مثل كل المنظومات الأمنية والسياسية التي نشأت في ظروف الحرب الباردة، دخل في حالة ضياع بعدها، وأبدى عدم كفاءةٍ في التعامل مع الأحداث الكبرى التي أعقبتها، بما في ذلك الغزو العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، وصولا إلى ثورات الربيع العربي. مع ذلك، وعلى الرغم من الخلافات والشقاقات التي كانت تذرّ أيضاً بقرنها بين حين وآخر، وعلى الرغم من لجوء بعض الأعضاء إلى البحث عن الأمن خارج إطار المنظومة الخليجية، إلا أن تجربة التعاون صمدت وعمّرت.
ما يجري اليوم حالة مختلفة عن كل ما سبق، ذلك أن دولاً أعضاء استثمرت في متغير دولي (وصول إدارة أميركية جديدة إلى الحكم) وراحت تحشد وتستعين بقوى خارجية، لتطويع دولة عضو ومحاصرتها. هذه سابقة لم تحصل في تاريخ مسيرة التعاون الخليجي، وما لم يتم تجاوزها بسرعة، قد تكون بمثابة رصاصة الرحمة التي تأتي على آخر مظاهر العمل الإقليمي العربي المشترك.
بعد نحو خمس سنوات على طرح مبادرة الارتقاء نحو الاتحاد، يبدو مجلس التعاون في طريقه إلى الارتقاء فعلاً، إنما إلى الرفيق الأعلى، على ما توحي به أزمة حصار قطر. لماذا؟ السبب ببساطة هو العامل الخارجي، فعلى الرغم من أن فكرة إقامة منظومة أمن إقليمي خليجي جاءت من داخل البيت الخليجي (اقترحها أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد) إلا أنها نشأت بفعل عامل خارجي، وكذا جاءت فكرة تحويلها إلى اتحاد، وها هي تواجه احتمال التفكّك، لا قدّر الله، بفعل العامل الخارجي أيضاً.
قبل بضعة وثلاثين عاماً، تداعى قادة الدول الخليجية الست للاجتماع في الرياض للتباحث في فكرة إنشاء منظومة أمن جماعي لمواجهة تهديديْن عظيمين، إقليمي ودولي. إقليمياً، نشأ المجلس ردة فعل على الثورة الإيرانية، ومحاولات تصديرها إلى دول الجوار. وكانت بعض مظاهر تأثيرات هذه الثورة قد ظهرت فعلاً على شكل حوادث أمنية، كان أبرزها حادثة اقتحام الحرم المكي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، ثم تعاظمت المخاطر مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية. أما دولياً، فقد تأسّس المجلس في أجواء ما تعرف بالحرب الباردة الثانية التي انطلقت مع الغزو السوفييتي لأفغانستان أواخر عام 1979، وتصاعد المخاوف من إمكانية اجتياح السوفييت باكستان، والوصول من ثم إلى تخوم الخليج. طبعاً لم تكن، في ذلك الوقت، أوهام لدى أحد بأن دول المجلس قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم إيراني مثلاً، دع جانباً مسألة التصدّي لهجوم سوفييتي. وقعت مهام الدفاع عن المنطقة على عاتق الولايات المتحدة، التي أنشأ رئيسها في ذلك الوقت، جيمي كارتر، قوات الرد السريع (Rapid Deployment Force) للدفاع عن الخليج في وجه هجوم سوفييتي أو إيراني محتمل.
لكن مجلس التعاون لعب، مع ذلك، دوراً مهماً في احتواء الخطريْن، الإيراني والسوفييتي، إذ ساند العراق في حربه مع إيران، كما دعمت السعودية، خصوصا، جماعات الجهاد الأفغاني لتعطيل أي تفكير سوفييتي نحو مزيدٍ من التغلغل باتجاه المياه الدافئة. لكن المجلس، مثل كل المنظومات الأمنية والسياسية التي نشأت في ظروف الحرب الباردة، دخل في حالة ضياع بعدها، وأبدى عدم كفاءةٍ في التعامل مع الأحداث الكبرى التي أعقبتها، بما في ذلك الغزو العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، وصولا إلى ثورات الربيع العربي. مع ذلك، وعلى الرغم من الخلافات والشقاقات التي كانت تذرّ أيضاً بقرنها بين حين وآخر، وعلى الرغم من لجوء بعض الأعضاء إلى البحث عن الأمن خارج إطار المنظومة الخليجية، إلا أن تجربة التعاون صمدت وعمّرت.
ما يجري اليوم حالة مختلفة عن كل ما سبق، ذلك أن دولاً أعضاء استثمرت في متغير دولي (وصول إدارة أميركية جديدة إلى الحكم) وراحت تحشد وتستعين بقوى خارجية، لتطويع دولة عضو ومحاصرتها. هذه سابقة لم تحصل في تاريخ مسيرة التعاون الخليجي، وما لم يتم تجاوزها بسرعة، قد تكون بمثابة رصاصة الرحمة التي تأتي على آخر مظاهر العمل الإقليمي العربي المشترك.