على الرغم من تسارع التطورات السياسية في الجزائر، لا يبدو أن الجيش الجزائري يستعجل التخلص من التركة السياسية التي خلفها رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على غرار ما قام به في المؤسسة العسكرية، بعد إلحاق جهاز الاستخبارات مجدداً بوزارة الدفاع، واستبعاد قائد الجهاز اللواء بشير طرطاق من مهامه.
وفي الوقت الذي لا توجد فيه قوة سياسية، أو مؤسسة، يمكنها أن تُمثل ثقلاً موازياً للجيش، فإن جزءاً واسعاً من المتظاهرين والنشطاء والنخب السياسية لا يبدون مطمئنين بالكامل إلى تطورات الموقف، وسط خشية من أن يتمكن الجيش من فرض شروطه وخياراته وتحديد المستقبل السياسي للجزائر. وتتعزز المخاوف بعدما تم رصد إلقاء رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح 13 خطاباً، تتضمن قضايا ومواقف سياسية ليست من صلاحيات الجيش.
الموقف السياسي للجيش والمتعلق بالتمسك بالحل الدستوري، وإعلانه بصرامة رفض أي حل غير دستوري، قد يضع المؤسسة العسكرية في حالة تصادم مع المطالب الشعبية، الرافضة لتولي بن صالح رئاسة الدولة مؤقتاً. كما أعلن المتظاهرون رفضهم للحكومة الحالية بجميع مكوناتها، وهو ما ظهر بشكل أكثر وضوحاً في الشعارات والهتافات في مسيرات الجمعة السابعة من الحراك الشعبي، إذ أقيمت محاكم شعبية لما وصفه المتظاهرون بـ"الباءات الثلاث"، وهم رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح.
ويعتقد مراقبون متابعون لتطورات موقف الجيش أن قيادات المؤسسة العسكرية لا تبدي حتى الآن مطامح سياسية واضحة، لكن تقديرات الموقف السياسي قادتها إلى ضرورة السعي لإنهاء سريع للمرحلة الانتقالية والذهاب إلى انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً كما ينص الدستور، وتحميل الرئيس المنتخب مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية. وهو ما يعني رفض الجيش إطالة عمر مرحلة نقل السلطة إلى رئيس منتخب، أو تحمل أعباءً إضافية في المرحلة الانتقالية طويلة الأمد نسبياً، زيادة على أعبائه الأمنية والعسكرية الداخلية وعلى الحدود الإقليمية، وفي ظل توترات مستمرة في ليبيا وشمالي مالي والنيجر. كما أنه لا يريد تكرار تجربة العام 1992 التي تحمل الجيش لاحقاً كامل أعبائها السياسية والأمنية.