تعاني "صناعة الكتاب السينمائيّ" في العالم العربي مآزق عديدة: غياب مفهوم ثقافي للإصدار بحدّ ذاته، وانعدام وجود سياسة نشر وتوزيع سليمة، ولامبالاة مؤسّسات أبحاث ودراسات لهذا الجانب من القراءات النقدية والتحليلية والتأريخية، وفقدان عناوين حيوية من الإصدارات الموجودة، يُفترض ببعضها على الأقلّ مواكبة تقنيات العصر.
فباستثناء مدينتي القاهرة ودمشق، الزاخرتين بإصدارات يحتاج معظمها إلى تأهيل جذري يتناول الشكل والمضمون، يكاد الكتاب السينمائي العربي يختفي في بلدان مستمرّة في إنتاج أفلام محلية، كدول المغرب العربيّ وفلسطين، علماً أن وتيرة الإصدار في بيروت ضعيفة جداً، تعتمد أساساً على "مزاجية" كاتب ودار نشر، كما على "علاقات خاصّة" قائمة بين الطرفين. وإذا اعتادت مهرجانات سينمائية عربية كالقاهرة ودمشق أولاً، ودبي وأبوظبي ثانياً، والإسكندرية غالباً، إصدار كتب أو كتيّبات تزامناً مع دوراتها السنوية، فإن الغالبية الساحقة من دور النشر العربية تتجاهل هذا الجانب الثقافي ـ الفني، وإذا لم تتجاهله كلّياً، فهي لا تكترث بأن تكون الإصدارات متكاملة في صناعتها.
فباستثناء مدينتي القاهرة ودمشق، الزاخرتين بإصدارات يحتاج معظمها إلى تأهيل جذري يتناول الشكل والمضمون، يكاد الكتاب السينمائي العربي يختفي في بلدان مستمرّة في إنتاج أفلام محلية، كدول المغرب العربيّ وفلسطين، علماً أن وتيرة الإصدار في بيروت ضعيفة جداً، تعتمد أساساً على "مزاجية" كاتب ودار نشر، كما على "علاقات خاصّة" قائمة بين الطرفين. وإذا اعتادت مهرجانات سينمائية عربية كالقاهرة ودمشق أولاً، ودبي وأبوظبي ثانياً، والإسكندرية غالباً، إصدار كتب أو كتيّبات تزامناً مع دوراتها السنوية، فإن الغالبية الساحقة من دور النشر العربية تتجاهل هذا الجانب الثقافي ـ الفني، وإذا لم تتجاهله كلّياً، فهي لا تكترث بأن تكون الإصدارات متكاملة في صناعتها.
يتحدّد المأزق بغياب سياسة ثقافية ـ فنية لدى دور النشر العربية بخصوص الكتاب السينمائيّ والفني، بحجّة أن هذا النوع من الإصدارات لا يؤمّن إيرادات كافية لتغطية النفقات (كأنّ الكتب الأخرى متمكّنة من ذلك، علماً أن مسألة تمويل إصدارات كتب كثيرة في تلك الدور معروفة للمعنيين بصناعة الكتاب). دور نشر عديدة تقول صراحة إن العائق الأساسيّ ماليّ، وتؤكّد أنها لا تستلم، غالباً، مخطوطات أو اقتراحات أو مشاريع متعلّقة بكتب سينمائية.
أمران واقعيان يحولان دون إيجاد خطّة عمل متكاملة، خصوصاً أن تأليف كتاب سينمائيّ أو ترجمته إلى العربية محتاجان إلى جهد ووقت، أو إلى تفرّغ. لا يعني هذا أن النقّاد ومؤلّفي الكتب السينمائية أو مترجميها في الغرب "متفرّغون" كلّياً لهذا النوع من العمل الضروريّ والمطلوب (مع أن بعضهم متفرّغ، خصوصاً العاملين في الترجمة).
لكن دور النشر الأجنبية تبدي اهتماماً كبيراً بهذا الجانب، وتخصّص له ميزانيات، وتهتمّ بإصداره وتوزيعه بالطرق السليمة، الكفيلة ببلوغ أكبر شريحة ممكنة من القرّاء. التنويع الغربيّ في مواضيع الكتب السينمائية مثيرٌ للاهتمام، وقادرٌ على تقديم معرفة صحّية وعلمية وفكرية بشتّى العناوين: سِيَر ذاتية ـ حياتية، حوارات طويلة، قراءات نقدية لمواضيع أو أفلام أو سينمائيين، صُوَر فوتوغرافية، فكر وفلسفة متعلّقان بالصورة وجمالياتها وارتباطها بمتلقّيها وبقضايا الحياة العامّة، أصول المهنة، مذكّرات، سيناريوهات الأفلام.
لكن دور النشر الأجنبية تبدي اهتماماً كبيراً بهذا الجانب، وتخصّص له ميزانيات، وتهتمّ بإصداره وتوزيعه بالطرق السليمة، الكفيلة ببلوغ أكبر شريحة ممكنة من القرّاء. التنويع الغربيّ في مواضيع الكتب السينمائية مثيرٌ للاهتمام، وقادرٌ على تقديم معرفة صحّية وعلمية وفكرية بشتّى العناوين: سِيَر ذاتية ـ حياتية، حوارات طويلة، قراءات نقدية لمواضيع أو أفلام أو سينمائيين، صُوَر فوتوغرافية، فكر وفلسفة متعلّقان بالصورة وجمالياتها وارتباطها بمتلقّيها وبقضايا الحياة العامّة، أصول المهنة، مذكّرات، سيناريوهات الأفلام.
في الغرب، قليلةٌ هي الكتب المتضمّنة مقالات صحافية منشورة هنا وهناك، على نقيض ما يحصل لدينا، إذ يكتفي نقّاد عديدون (غالبيتهم الساحقة من المخضرمين) بجمع مقالاتهم وإصدارها في كتب، أو العمل على بعض المقالات بهدف تحويلها إلى كتب. السِيَر الذاتية ـ الحياتية شبه مختفية، تماماً كالمذكرات، لأن ثقافة التربية العربية لا تزال تمنع حرية البوح وقول ما جرى كما جرى (مع وجود استثناءات). الفكر والفلسفة العربيان شبه غائبين، فلهذا يُصبحان غائبين أيضاً عن السينما وجمالياتها وأفكارها وتأثيراتها.
تجربة إصدار ترجمات عربية لسيناريوهات أفلام أجنبية، عرفتها بيروت والقاهرة سابقاً. الناقد اللبناني إبراهيم العريس أشرف على سلسلة سينمائية صادرة عن "دار الطليعة" في ثمانينيات القرن المنصرم، ضمّت حينها دراسات ومقالات صادرة في كتب، إلى جانب ترجمات مختلفة، منها سيناريوهات أفلام. هذا ما فعله المصري عصام زكريا أيضاً في القاهرة، في التسعينيات الفائتة.
الاطّلاع على الكتب الصادرة في دمشق، مثلاً (سلسلة "الفن السابع" الصادرة عن "وزارة الثقافة" و"مهرجان دمشق السينمائي الدولي")، يوضح صورة المأزق: إهمال في الطباعة والتبويب وأنواع الورق وأشكال الحروف، ولامبالاة في سياسة توزيعية سليمة، وغياب مطلق لتحرير المادة المؤلَّفة أو المترجمة، وعشوائية المواضيع المختارة وركاكة معالجة معظمها. الترجمات ليست كلّها صحيحة، إذ يُمكن العثور بسهولة على أخطاء فادحة في النقل من لغة أجنبية إلى اللغة العربية، متعلّقة بجوهر المضمون أو بالمعاني العربية للنصّ الأصليّ. صحيحٌ أن عناوين مهمّة جداً مُترجمة في السلسلة هذه، لكن غياب التحرير يُفقدها متانة النص العربيّ، ويُغيّب متعة القراءة والمعرفة.
انغلاق السلسلة على كتّاب ومترجمين سوريين عامل سلبيّ، قبل أن تنفتح إدارة السلسلة والمهرجان الدمشقيّ على كتّاب فلسطينيين ومصريين ولبنانيين تحديداً. هذا كلّه موجودٌ في غالبية الكتب الصادرة في القاهرة ومدن عربية أخرى. اللغة العربية السليمة غائبة عن معظم الكتب المغاربية، والفرنسية تطغى على الإصدارات بأسلوب أخف وطأة سلبية.
انغلاق السلسلة على كتّاب ومترجمين سوريين عامل سلبيّ، قبل أن تنفتح إدارة السلسلة والمهرجان الدمشقيّ على كتّاب فلسطينيين ومصريين ولبنانيين تحديداً. هذا كلّه موجودٌ في غالبية الكتب الصادرة في القاهرة ومدن عربية أخرى. اللغة العربية السليمة غائبة عن معظم الكتب المغاربية، والفرنسية تطغى على الإصدارات بأسلوب أخف وطأة سلبية.
يُحاول البعض العثور على وثائق ومعطيات أرشيفية لقراءة جزء من تاريخ السينما العربية، فيعثر على فراغ أو ما يُشبه الفراغ المطلق، أو على القليل المشكوك في مدى صحّة معلوماته. غياب المذكّرات والسِيَر عامل سلبي إضافيّ، إذ تغيب الحكايات التي يُفترض بمن صنعوها أو عاشوها أو عرفوها أن يتولّوا بثّها عبر إدخالها في المكتبة السينمائية العربية.
التحليل النقدي السليم نادر الوجود، والقراءة العلميّة ـ الفكريّة ـ السجاليّة لا تزال عاجزة عن بلورة مشروع ثقافي ـ فكريّ يتناول جوانب الحياة اليومية كلّها، وليس فقط السينما. هذا عائدٌ إلى غياب نتاج فكري ـ فلسفي عربي يُمكن الركون إليه كامتداد تجديديّ للنتاج السابق.
التحليل النقدي السليم نادر الوجود، والقراءة العلميّة ـ الفكريّة ـ السجاليّة لا تزال عاجزة عن بلورة مشروع ثقافي ـ فكريّ يتناول جوانب الحياة اليومية كلّها، وليس فقط السينما. هذا عائدٌ إلى غياب نتاج فكري ـ فلسفي عربي يُمكن الركون إليه كامتداد تجديديّ للنتاج السابق.
(كاتب لبناني)