تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر ومقروئيته.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- قارئي هو المنحاز لشعر يعبُر الجغرافيا، وينحاز للتاريخ والأساطير معاً. وهنا أدين للشعر بمصاحبتي في رحلة الكتابة، فجعل الحياة عاجزة عن أن تمسّني بضر، لذلك، ودون إكليشيهات، فإن القصيدة التي أكتبها هي قارئي الأول والأساس، لأنها تقرؤني بصمت وتحثني بقوة على الكتابة. لقد توقفت عن إصدار مجموعات شعرية لكنني لم أتوقف عن النشر، لذلك أعد نفسي مقروءاً في ذلك المضمار الضيّق للمجلات المتخصّصة بالأدب، بعضها كان يوزّع أكثر من 180 ألف نسخة، وبعضها قد لا يصدر أكثر من ألف نسخة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- تعدّد ناشرو شعري باللغة العربية، فليس لديّ ناشر محدد، ولو اخترت لفضلت داراً تنحاز للشعر أكثر من الرواية فأنت تريد عرض ماساتك عند بائع الألماس. "دار الجديد" في بيروت هي دار نوعية لو خُيِّرتُ لفضَّلتُها.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- هذه هي المساحات البديلة، وهي النوافذ المُشرَعة أبداً للطبيعة الشعرية بكواكبها ونجومها ونيازكها أيضاً.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- من الطريف أن تجد بين الحين والآخر اتهامات متبادلة بسرقات واقتباسات شعرية، بين مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي من كتاب أفكار الشعر ونصوصه. لكنني أنظر إليه كوسيلة إعلامية تروّج للشعر والشاعر أكثر من كونه حكماً قيمياً له بجودته وانتشاره. وقد شجّعت قوالب النشر الإلكتروني السريع على إسباغ مسمى الشعر الجديد / الحديث / النثر على مقولات تشبه مانشيتات الصحف!
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- قارئ تحركه وسائط الإعلام الأقوى من الكتابة، يبحث عن ضيوف البرامج، والفائزين بالجوائز، وكتّاب الأغنيات، مثلما يبحث أيضاً عن شعر سمعي إيقاعي، لأنه لا يزال مرهوناً بما تعلمه عن الشعر.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- نقلتُ عبر الإنكليزية تجارب مختلفة؛ فترجمت ديوان اليونانية سافو ونشرته مجلة "الشعراء" في رام الله، وترجمت مختارات الشاعر الكوري الجنوبي كو أون بعنوان "ألف حياة وحياة"، ونشرت ديوان "قدّيس يحلق بعيداً" للشاعر والراهب الراحل تشو أو هيون، وأخيراً ترجمت "فضاء رتيب يبعث على الكآبة" للشاعر الهندي هيمانت ديفاتي. هكذا جاء الشعر من سماوات مغايرة ونشر في أكثر من بقعة، لكنني وجدت صدى إيجابياً لأنني كنت أترجم وكأني أكتب الشعر ذاته، كما أن إنسانية القصيدة في النماذج جميعاً، وحكمتها، اليومية والسرمدية، وجدت لها قراء أكثر.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- الشعر العربي يُروى من مصادر قد تصبح مصدر قوّته وضعفه في آن؛ فاللغة الثرية قد تكسبه عمقاً، ولكنها قد تطيح به إلى المعجمية، والتاريخ بنوازله يمكن أن يكون ملهماً، لكنه بمكروريته قد يخاطر بأن يكبّل نفسه، والكتابة بالتحرر من قيود الواقع قد تجدّد وتطوّر وتكسر الرتيب والمألوف، لكنها تخاطر بإحالته إلى قطعة من سرد وحسب. وأعتقد أنه في ثقافة ذروة بلاغتها هي اللغة، تظل المعاناة التي تعانيها هذه الأبجدية منسحبة على المتون الشعرية، وإذا بالشعر في مجمله إعادة تدوير لغوي، يلهو باللغة الشعرية عبر المفاجأة والمفارقة وغيرهما من صفات كنا نحسبها تدين لبدايات القصة القصيرة، مثلاً، لذلك ينهار الشعر الذي لا يغرف من لغة متجددة، ويكتفي بأن يقرأ النصوص، لا أن يقرأ الحياة.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- دعني أتحدّث عن شاعرة مصرية، كانت تكتب بالفرنسية، هي جويس منصور (1928 ـ 1986)، وأهمية استعادتها تكمن في روح الطفرة التي تلبّستها فكسرت قيود اللغة وحلقت بالخيال والجسد معاً، وامتلكت ذلك الحس السوريالي المتمرّد بقسوة على واقع لا يقل بؤساً؛ إنها جديرة بأن تكون شاعرة لحظتنا العربية اليوم، بكل متناقضاته التي تثقله.
■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
- كثر المقلدون لصيغ الشعر الشرقي المترجم، مثل هايكو اليابان، وشطحات الرومي، وعبارات الصوفية، لكننا لم نجد مثلاً من قرأ شيموس هيني كما كنا نقرأ وندرس في شبابنا إليوت وعزرا باوند. أعتقد أن أزمة أولى تبدأ بتعريف الشعر لدى الشاعر نفسه، فليس الشاعر بالمنظِّر والناقد والرسول المنزّه، وإنما هو مدوّن صاحب تجربة قادر على صوغها بطريقته التي لا تشبه سواها، لذا يكون بناء الشعرية من جماع هذه التجارب التي تعيد تشكيل وتعريف الشعر دون توقف. دعنا نخرج من التقليد!
بطاقة
شاعر وصحافي وروائي وكاتب لأدب الرحلة. من مجموعاته الشعرية: "وشوشة البحر" (1989)، و"الأصداف" (1996)، و"ذاكرة الصمت" (2000)، و"فوق صراط الموت" (2001)، و"ذاكرة الفراشات" (2005). ومن رواياته: "شماوس" (2008)، "التُّرجُمان" (2017). من منشوراته الأخرى: "الشيخ مصطفى عبد الرازق مسافراً ومقيماً" (تحقيق، 2009)، و"طريق الحرير" (موسوعة ثقافية مصورة، 2013)، و"نجيب محفوظ: السَّارد والتّشكيلي" (2018).