في مثل هذا اليوم من عام 1931، وُلدت في الإسكندرية مَن أصبحت لاحقاً "ملكة الإغراء" في السينما العربية... هو أحد ألقاب هند رستم، التي من بينها "مارلين مونرو الشرق" و"جميلة جميلات السينما". لكنّه بقي اللقب الأبرز، تحديداً حين تنازلت رستم عن اللقب ولم ينجح أحد في أن يرثه، حتّى بدا أنّه جزء من زمن ولّى بكلّ مفرداته ومعانيه.
كان لذلك اللقب وقع جميل يومها، بين خمسينيّات وسبعينيّات القرن العشرين. فَقَدَ وقعَه اليوم، وصار بحقّ لقباً مؤذيّاً لكلّ من يلتصق به.
حين قابلتُ هند رستم في القاهرة عام 2004، فهمتُ أكثر، كيف اختلفت المعايير الإنسانية بين زمننا وزمنها. إذ كانت رستم في شقّتها عند ضفّة النيل تعيش في ذاك الزمن، وهو كان يسكنها. ما حدث أنّها حين فتحت الباب سمحت لي بزيارة عالمها لفترة وجيزة. كانت ودودة جدّاً، رقيقة، كريمة ومضيافة، وكانت تشعر بأنّها تحمل أمانة ثقيلة، أن تكون وجه زمنها الذي ولّى... اعتذرت عن عدم السماح لي بتصويرها، وكانت محاطة بكثير من صورها القديمة، ثم دعتني إلى الشرفة المطلّة على النيل، وشرحت لي كيف تطفئ الأنوار ليلاً وتجلس في العتمة وتراقب الكورنيش وتفرح بمرور العشّاق المتنزّهين.
ثم أخبرتني عن "الإغراء" بابتسامة عريضة، لم تُبدِ انزعاجاً من اللقب الذي وصل في زمننا حدّ الشتيمة لما فيه من ابتذال. قالت لي، إنّ الناس، اليوم، لا يعرفون معنى هذه الكلمة. وروت لي أنّ الإغراء في السينما والفنّ عموماً هو تقديم مادة ما أيّاً كانت، بأسلوب جميل ومتقن وساحر للعين والحواس والعقل قبلها.
هذا ما تعلّمته الممثلة الفاتنة من صانعي السينما المصرية الذين واكبوها وساعدوا في صنع نجوميتها.
في أثناء اللقاء، أي قبل عشر سنوات، كان الإغراء قد استقرّ على اللعب في ملعب إثارة الغرائز وإغراق أيّ قيمة جمالية، وتغليف سلعة قبيحة بورق لامع قصير العمر، سرعان ما ينكشف زيفه ويظهر قبح ما قدّمه.
باحت هند رستم لي بعشقها للسينما الأميركية ونجماتها، مارلين مونرو وأودري هيبورن وريتا هيوارث... لم تخجل من قول، إنّها قلّدتهن في بداياتها، لأنّها أحبّتهن، وأرادت أن تكون "مونرو الشرق". لكن بعدما تحقّق لها هذا قرّرت أن تكون في مكان أفضل، وأن تتخطّى الألقاب والأطر.
هنا يظهر تفرّد هند رستم، واستثنائيتها. لم تفتنها الألقاب وتفقدها توازنها. رفضت أن تُسجن في "دور الإغراء" المغري لأيّ ممثلة. كانت مقوّماتها الجسديّة وأنوثتها طاغية، ولم يكن يمكن إخفاؤها أمام الكاميرا، لكنها لم تكن هذا فقط. كانت تفيض أنوثة وجمالاً وذكاءً، ذكاء توظيف الجمال والأنوثة.
منذ اعتزلت رستم التمثيل وحتى وفاتها عام 2011 وإلى اليوم، لم يأخذ أحد مكانها أو لقبها، وبقي العرش خالياً. وحتّى تبقى هند رستم، إلى اليوم، متألّقة بلقبها ومحفورة في ذاكرة السينما، فلا شكّ أنّ ذكاءها كان يسيطر على غريزتها ومواهبها، وهو خوّلها أن تختار أثواباً أخرى تناسبها، مثل أثواب الراهبة والمدرّسة والشاعرة والزوجة والأمّ.
تعترف بأنّ الأمر لم يكن ليحدث من دون مساعدة المخرج حسن الإمام، وهذا طبيعي في مسيرات سينمائية كثيرة. يأخذ المخرج بيد النجم وليس العكس، يقوده نحو اكتشاف المزيد عن نفسه.
إلا أنّ الخطوة الأذكى والأجرأ في مسيرتها كانت قرار اعتزالها. ليس فقط توقيت الاعتزال المرتبط على الأرجح بعمر النجمة التي كانت تخطو نحو عقدها الخامس، بل القرار في حدّ ذاته، الذي صدم الوسط الفنّي قبل الجماهير.
قالت لي، إنّ العمل كان يأخذها من عائلتها ومن نفسها. وقالت إنّها ليست كمريم فخر الدين ومحمود المليجي اللذين تمنّيا الموت في الاستديو. لم تعشق هند رستم السينما أكثر ممّا عشقت حريّتها. وباعتزالها لم تخسر لقبها ومجدها بل العكس. بقاؤها ربما كان سيسلبها الكثير.
لقد بقيت، في ذاكرة السينما العربية، أيقونة جمال وأنوثة وموهبة فطرية واجتهاد... أما العرش المهجور فقد تقوّض دونها.
كان لذلك اللقب وقع جميل يومها، بين خمسينيّات وسبعينيّات القرن العشرين. فَقَدَ وقعَه اليوم، وصار بحقّ لقباً مؤذيّاً لكلّ من يلتصق به.
حين قابلتُ هند رستم في القاهرة عام 2004، فهمتُ أكثر، كيف اختلفت المعايير الإنسانية بين زمننا وزمنها. إذ كانت رستم في شقّتها عند ضفّة النيل تعيش في ذاك الزمن، وهو كان يسكنها. ما حدث أنّها حين فتحت الباب سمحت لي بزيارة عالمها لفترة وجيزة. كانت ودودة جدّاً، رقيقة، كريمة ومضيافة، وكانت تشعر بأنّها تحمل أمانة ثقيلة، أن تكون وجه زمنها الذي ولّى... اعتذرت عن عدم السماح لي بتصويرها، وكانت محاطة بكثير من صورها القديمة، ثم دعتني إلى الشرفة المطلّة على النيل، وشرحت لي كيف تطفئ الأنوار ليلاً وتجلس في العتمة وتراقب الكورنيش وتفرح بمرور العشّاق المتنزّهين.
ثم أخبرتني عن "الإغراء" بابتسامة عريضة، لم تُبدِ انزعاجاً من اللقب الذي وصل في زمننا حدّ الشتيمة لما فيه من ابتذال. قالت لي، إنّ الناس، اليوم، لا يعرفون معنى هذه الكلمة. وروت لي أنّ الإغراء في السينما والفنّ عموماً هو تقديم مادة ما أيّاً كانت، بأسلوب جميل ومتقن وساحر للعين والحواس والعقل قبلها.
هذا ما تعلّمته الممثلة الفاتنة من صانعي السينما المصرية الذين واكبوها وساعدوا في صنع نجوميتها.
في أثناء اللقاء، أي قبل عشر سنوات، كان الإغراء قد استقرّ على اللعب في ملعب إثارة الغرائز وإغراق أيّ قيمة جمالية، وتغليف سلعة قبيحة بورق لامع قصير العمر، سرعان ما ينكشف زيفه ويظهر قبح ما قدّمه.
باحت هند رستم لي بعشقها للسينما الأميركية ونجماتها، مارلين مونرو وأودري هيبورن وريتا هيوارث... لم تخجل من قول، إنّها قلّدتهن في بداياتها، لأنّها أحبّتهن، وأرادت أن تكون "مونرو الشرق". لكن بعدما تحقّق لها هذا قرّرت أن تكون في مكان أفضل، وأن تتخطّى الألقاب والأطر.
هنا يظهر تفرّد هند رستم، واستثنائيتها. لم تفتنها الألقاب وتفقدها توازنها. رفضت أن تُسجن في "دور الإغراء" المغري لأيّ ممثلة. كانت مقوّماتها الجسديّة وأنوثتها طاغية، ولم يكن يمكن إخفاؤها أمام الكاميرا، لكنها لم تكن هذا فقط. كانت تفيض أنوثة وجمالاً وذكاءً، ذكاء توظيف الجمال والأنوثة.
منذ اعتزلت رستم التمثيل وحتى وفاتها عام 2011 وإلى اليوم، لم يأخذ أحد مكانها أو لقبها، وبقي العرش خالياً. وحتّى تبقى هند رستم، إلى اليوم، متألّقة بلقبها ومحفورة في ذاكرة السينما، فلا شكّ أنّ ذكاءها كان يسيطر على غريزتها ومواهبها، وهو خوّلها أن تختار أثواباً أخرى تناسبها، مثل أثواب الراهبة والمدرّسة والشاعرة والزوجة والأمّ.
تعترف بأنّ الأمر لم يكن ليحدث من دون مساعدة المخرج حسن الإمام، وهذا طبيعي في مسيرات سينمائية كثيرة. يأخذ المخرج بيد النجم وليس العكس، يقوده نحو اكتشاف المزيد عن نفسه.
إلا أنّ الخطوة الأذكى والأجرأ في مسيرتها كانت قرار اعتزالها. ليس فقط توقيت الاعتزال المرتبط على الأرجح بعمر النجمة التي كانت تخطو نحو عقدها الخامس، بل القرار في حدّ ذاته، الذي صدم الوسط الفنّي قبل الجماهير.
قالت لي، إنّ العمل كان يأخذها من عائلتها ومن نفسها. وقالت إنّها ليست كمريم فخر الدين ومحمود المليجي اللذين تمنّيا الموت في الاستديو. لم تعشق هند رستم السينما أكثر ممّا عشقت حريّتها. وباعتزالها لم تخسر لقبها ومجدها بل العكس. بقاؤها ربما كان سيسلبها الكثير.
لقد بقيت، في ذاكرة السينما العربية، أيقونة جمال وأنوثة وموهبة فطرية واجتهاد... أما العرش المهجور فقد تقوّض دونها.