عندما تنظر وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون إلى لائحة منافسيها داخل "الحزب الديمقراطي"، تدرك جيداً أن تحديها الأبرز سيبقى التموضع السياسي في إدارة علاقتها ومواقفها من إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما.
من ولاية نيوهمبشير، رسمت هيلاري عنوان معركتها الانتخابية الرئاسية لعام 2016. قالت لمناصريها: "حين تنظرون إلى سجلي في الوقوف والقتال من أجل القيم التقدمية، لا أكون جالسة في المقعد الخلفي لأي شخص"، مضيفة: "سأحارب بشدة الظلم والإجحاف في مجتمعنا". هذا أول دروس معركتها ضد سيناتور شاب اسمه باراك أوباما عام 2008، وكان "الحزب الديمقراطي" هزيلاً في تلك الفترة، خصوصاً بعد مرور ثماني سنوات خارج الحكم، في ظلّ هيكلية قيادية تدين بولائها للرئيس الأسبق بيل كلينتون. كما كانت حملة هيلاري حينها، مليئة بالفوقية تجاه منافسيها الليبراليين، إذ كان الحديث عن "حتمية" نيلها ترشيح الديمقراطيين، وبالتالي حملت مشروعاً وسطياً يحاكي الناخب العام وليس الحزبي. لكن في غضون أسابيع، تسلّل أوباما إلى يسارها وحمل راية رفضه حرب العراق، مستغلاً أخطاء حملتها ليقوم بانتفاضة ضد ماكينة آل كلينتون داخل الحزب.
يتحلّى هذا الخطاب الجديد لهيلاري بنبض ليبرالي، يعكس قبل كل شيء التحول في ديمغرافية المموّلين في "الحزب الديمقراطي". الأمر لم يعد يتعلق بشركات "وول ستريت" والرعاية الصحية وشركات التعاقد العسكرية والمصانع الكبيرة التي نقلت دعمها إلى الجمهوريين، بحسب مركز "السياسة المتجاوبة". هناك الآن قدرات تمويلية بديلة داخل "الحزب الديمقراطي" تحمل تطلعات ليبرالية واضحة، مثل قضايا البيئة والاتحادات العمالية وحقوق المرأة والمثليين. أمّا الدافع الثاني لخطاب هيلاري، هو صعود المرشح الرئاسي السيناتور بيرني ساندرز في استطلاعات الرأي، وهو الذي يقول عن نفسه بأنه "اشتراكي ــ ديمقراطي"، وقد فاز عن ولاية فيرمونت كمستقل، لكنّه قرر الانضمام إلى كتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ.
حملة هيلاري لا تأخذ تهديد ساندرز بجدية، لكنها أيضاً لا تغامر بعدم استيعابه، وبالتالي رفعت هيلاري سقف الخطاب الليبرالي من دون انتقاد ساندرز شخصياً، لأنها تحتاج إلى تصويت مناصريه في وقت لاحق. كما أنّ دخول السيناتور السابق عن ولاية فيرجينيا، جيم ويب السباق الرئاسي عن الديمقراطيين، سيفرض على هيلاري الدفاع مجدداً عن قرارها التصويت لصالح غزو العراق عام 2003، لا سيما أن ويب كان من المعارضين لهذه الحرب.
اقرأ أيضاً: تبرعات غامضة وسخرية أوباما تلاحقان هيلاري كلينتون
في ظلّ معركة الكونغرس الانتخابية العام الماضي، أخذ الديمقراطيون، ومن بينهم هيلاري، مسافة من أوباما، إذ كانت إنجازاته نادرة والانتقادات الموجّهة ضده كثيرة. لكن أوباما يعيش اليوم، ماراتون إنجازات داخلية تنعكس ارتفاعاً في شعبيته، وبالتالي لا تتردد هيلاري خلال حملتها بدعم كل سياسات البيت الأبيض، من الرعاية الصحية والاقتصاد إلى كوبا وإيران. هي تدرك أن "الحزب الديمقراطي" اليوم هو حزب أوباما وليس كلينتون، وبالتالي دعمها لأوباما ضرورة لضمان التفاف الحزب حولها.
وفي لقاءاتها مع الأثرياء من اليهود الأميركيين داخل "الحزب الديمقراطي"، لمّحت هيلاري إلى أنه مهما كانت نتيجة المفاوضات النووية مع إيران في جنيف، ستكون صديقة لإسرائيل أفضل من أوباما. وقد يربك أي اتفاق نووي تصل إليه واشنطن مع طهران، حملة هيلاري خلال الحملة الرئاسية، على الرغم من أنها تحرص على القول إنها هي من أطلق هذا المسار خلال توليها وزارة الخارجية. لكن حملة هيلاري تؤكد العكس خلال تصريح لمجلة "بوليتيكو" الأميركية، إذ أشارت الحملة إلى أنّه ليس هناك تناقض بين تأييدها لمسار التفاوض ودعمها إسرائيل، "اتفاق قوي جيد لإسرائيل".
طبعاً، "هيلاري ــ ليكس" كشفت بعداً آخر للجفاء بين فريقي أوباما وهيلاري. نشرت وزارة الخارجية الأميركية، وامتثالاً لأمر قضائي، 3000 رسالة من حساب بريدها الإلكتروني الخاص، كشفت من خلالها عن دينامية علاقتها مع البيت الأبيض. ما تلخصه هذه الرسائل هو عدم وجود قناة مباشرة بين وزيرة الخارجية السابقة والرئيس أوباما، وبالتالي عانت ما كان يعانيه أكثر من وزير خارجية سابق. هناك فريق عمل صغير حول أوباما يغربل كل ما يصل إلى طاولته. هذا الفريق خاض مع أوباما معركته الرئاسية الأولى ولديه شكوك مزمنة تجاه هيلاري ونيّاتها. كُشف في الرسائل كيف أنّ البيت الأبيض أحال ملف العراق إلى نائب الرئيس جو بايدن، وكيف كانت هيلاري عاجزة عن اتخاذ قرار حول أفغانستان، تحسباً لأي خطوة منها قد تزعج البيت الأبيض.
اقرأ أيضاً "إيميل" كلينتون: أوباما يهمشها وصديق زوجها مستشار غير شرعي
لكن وجود كبير مستشاري البيت الأبيض سابقاً، والليبرالي المخضرم، جون بوديستا على رأس حملة هيلاري سيساعد على إدارة العلاقة مع البيت الأبيض خلال الحملة الرئاسية. كان بوديستا رئيس موظفي بيل كلينتون، كما أدار الفترة الانتقالية لحملة أوباما قبيل استلامه السلطة عام 2009، قبل أن يتولى منصب كبير مستشاري أوباما. حملة هيلاري بدأت تستعيد بعض توازنها، لا سيما في دوزنة الخطاب. تمكّنت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من جمع مبلغ 45 مليون دولار، تفتخر الحملة أنّ 91 في المائة منه، يعود إلى تبرعات بـ 100 دولار وأقل، ما يوحي أنّ ليس هناك أثرياء كبار يديرون الحملة. لكن حملة هيلاري تدرك أنها لا تزال تعيش شهر عسل ترشّحها، وأن الهجمات السياسة قادمة لا محالة، حين يتفرغ الجمهوريون من ترتيب مرشحيهم.
ولكلينتون، قضايا كثيرة لتصويبها من بنغازي والرسائل الإلكترونية المنشورة إلى دورها في وزارة الخارجية. حين يأتي هذا الوقت، قد تستعين الحملة بخدمات الرئيس الأسبق بيل كلينتون ليجمع التبرعات الكبيرة للجنة العمل السياسي الذي تؤيد كلينتون والتي ستقوم بالدفاع عنها وإطلاق هجوم مضاد على منافسيها. بالتالي، وعلى الرغم من الخطاب الليبرالي على اليسار، قد لا تقطع هيلاري نهائياً العلاقة مع "وول ستريت" كما فعل أوباما، لأن بيل كلينتون كان من مدرسة تقول إنه يجب إرساء صداقة بين الديمقراطيين والشركات التجارية، وهذا كان سر نجاحه في التسعينيات.
رأى أوباما خلال اتصال مع قدامى فريق عمله في البيت الأبيض أنّ رئاسته "تحولية"، وتحتاج إلى رئيس ديمقراطي جديد يضمن ديمومتها، تماماً كما كانت ولاية جورج بوش الأب بالنسبة إلى ثورة الرئيس الراحل رونالد ريغان. هيلاري تكلمت اللغة نفسها من نيوهمبشير، لكنها أشارت إلى أنها ستكون في حال فوزها، استكمالاً لولاية كل من بيل كلينتون وباراك أوباما.
هي فعلاً علاقة معقدة تجمعهما منذ أكثر من ست سنوات. بعد معركتهما الضارية عام 2008، بدأت هذه الصداقة مع فوائد. في البداية، احتاج أوباما لأصواتها وهي احتاجت إلى قدراته على جمع التبرعات لسد ديون حملتها. بعدها عرض أوباما عليها منصب وزارة الخارجية لضمان ولائها، فوافقت، لأنّها كانت تحتاج إلى منصب يعزّز حظوظها الرئاسية. الآن، انقلبت المعادلة. هي تريد أصواته ودعمه، وهو يريد حماية إرث ولايته.
اقرأ أيضاً: هيلاري وبيل كلينتون يبيعان الكلام بـ 30 مليون دولار