ذات يوم سأغادر هذه المدينة
وإلى أين غير رانجبور سأذهبُ
مدينة رانجبور
هناك حيث تعيش أمّي
وحتى وإن كنتُ بلا عمل، ولا سنتاً في جيبي، ستقول:
تناول غداءكَ، هل تحممتَ اليوم؟، وسأقول:
إنها تمطر، لن أستحمّ اليوم
ستعدّ أمي المائدة
ومن المطبخ
ستجري عبر الحوش
وتلقي بساريّها فوق الطبق لتحمي طعامنا من المطر
على أغصان الشجرة
على السقف الفولاذي المتموج
ستمطر وتمطر وتمطر
سيبتلّ ساريها
ولكن الرز سيكون جافاً
ستنظر أمّي إلى فمي وأنا أتناول الطعام
تراقب أكلي
سيتحرّك فمي
وسأبتلع الرز
ويستقر في معدتها
ستتمتم: امسح الطبق
اعتدتُ أن أمسح الطبق بفمك
وذلك سبب أنك كبرتَ متعافياً
ستكون واقفة إلى جانبي، حاملة قدحاً ممتلئاً ماءً، متأهبة
إن طلبتُ ماءً بعد مضغ الرز في فمي
ولئن عدتُ إلى دكّا
من دون شرب ذلك الماء
ستظلّ واقفة
ستظلّ واقفة
كما لو أنها أبو يزيد البسطامي، الصوفي الحامل قدح الماء طوال الليل
بجوار أمه النائمة.
***
جيبينندا داس*
أوه.. جيدٌ أن تبتعد
نازلاً
وتتجاهل أنه تمّ تجاهلك
وحيداً يقف حمارٌ تحت
الندى والندى والقمر
والقمر والسماء، ولا شيء
آخر هناك
حين تنتهي أيامُ
شقاء الغسّال
عندئذ حماره المسكين:
"أوه.. النوم ليس آتٍ"
حماره البائس
سيُترك مستيقظاً
مستيقظاً بحافر
وحكمة
ولا يوجد غير مكان واحد
في القرية في غبار المساء ما يزال..
حلقات الدخان تتلولب
.. المساءُ ما يزال
مع الوحدة التي غنّى فيها
الشحاذ الأغنية السماوية
هل تتذكّر ذلك
أوه.. أيها الحمار الوحيد البائس
هل تتذكر ذلك
لا.. نحن لا نستطيع
تذكّر ذلك
هل تستطيع؟
ولكن المرء يتذكر أنه تمّ تجاهله
لمجرد أننا لا نستطيع النسيان
.. و.. ذكّرني بالضبط متى
كان هناك خط ترام
في زحام شارع كلكتا العريض؟
* شاعر معاصر من بنغلاديش لم يكتسب شهرة إلا بعد موته في العام 1954، حين صدمه ترام يتحرك ببطء حين كان يعبر الطريق شارد الذهن في كلكتا. هذه القصيدة مكرسة لحياته وأعماله وموته المأوساوي.
***
توازن الحب
أحببتُ بعضهم. لم يحبّوني
أين هم الآن؟ لا أعرف
حين أتذكرهم أبتسم
بعضهم أحبّني. لم أبادلهم الحبَّ
لهذا أحبّوا شخصاً آخر. والآن
يحبّون أن يتذكروني، وكلَّ الآخرين
الذين أحبّوا، وحين يتذكرون يبتسمون
كنتُ في حالة حب مع بعضهم، ولكن لم أجرؤ على البوح
وبعضهم أحبّني، ولكنه لم يُظهر حبّه أبداً
هناك بعض من أحبّني، من بادلته الحب
ولكننا لم نعرف
أحببتها، وأحبّتني، ولكن لا أحد منا عرف
وبعد وقت قصير، أدركتُ أنها أحبّتني، ولكن
زورقي ارتحل (كانت الريحُ تملأ أشرعتي)
من ينتمي إلى منْ في هذا العالم؟
حين أدركتُ
أنني أحبّها
كانت طائرتها تحطّ في مطار كينيدي
ماذا يعني هذا العالم؟
لا أمنحُ أدنى فكرة لمن لم أحبّهم أبداً، ومن لم يحبوني أبداً
لا يفكرون بي أبداً. من أحبني ومن أحببتُ: ضاع الحبُّ بيننا
هل نفكر بهذه الجماعة الصغيرة من الناس التي لا تجد علاقة، من
يفكّر بهم إن لم أكن أنا؟
الحديث بصيغة الأفعال الماضية التامّة مأمون
عن أولئك الذين أحببتُ مرة ولم أعد أحبّهم، عن أولئك
الأحبّوني مرة ولكن لم يعودوا يحبّونني؛ المشكلة هندسة بسيطة.
أولئك الذين أحبّهم الآن ولكن ليس قبل الآن، الذين أحبّوني قبل الآن
ولم يعودوا يحبونني. المشكلة سلطة الزمن. إن أحببتُ أحداً ما، من
لا يحبّني أيضاً، ماذا يمكنني أن أفعل؟
لو يحبّني أحدٌ ما، أشعر أنني أقفُ على قمة العالم
ربما في هذه اللحظة ذاتها، يوجد أحدهم أحبّه، ويحبّني أيضاً
هل يحدث هذا الآن؟ إن لم يحدث، الأمر سيّان.
ولكن إن حدث، ماذا سيكون المبدأ الهادي؟
لا مبدأ يهدينا اليوم
غداً يمكنك قراءة هذه القصيدة من بدايتها مرة أخرى
لذا، علينا أن نستنتج؛
مع أن لدينا عدسة تصوير، هواتف نقالة، إنترنت، إيميل
أغنية طاغور وحدها يمكن أن تحفظنا:
نحن لا نعرف ما الذي ترغب فيه أرواحنا.
***
هل ستكون.. حسرتي أنا؟
هل ستكون حسرتي.. هل ستكون؟
ضائعٌ أنا، أشعث ٌ، عازفٌ مبتهلٌ إلى الله، مشرّدٌ
غبارُ الطريق في شعري
ظلٌّ أسود معلّقٌ تحت عينيّ
ألا مسّدتَ هذه الملامح المشعثة بحنان؟
هل ستكون حسرتي... هل ستكون؟
هل ستكون الدموعَ التغرق عينيّ الجافتين؟
هل ستكون صوتَ رنين هاتفي في الهزيع الأخير من الليل؟
هل ستكون ساعي البريد يطرق بابي في ظهيرة متوحدة؟
هل ستكون حزني اليجيء إليّ في بطاقة بريد زرقاء؟
ألن تمنحني قليلا من الألم؟
ألن تكون صرختي اليائسة، تلك التي تجعلك تعضّ شفتك؟
ألن تمنحني قليلاً من الألم؟
ألن تكون الوعدَ التوقعتهُ في ظهيرة طويلة صفراء بلا جدوى؟
ألن تمنحني قليلاً من الألم؟
ستكون لي كلّ شيء... ألن تكون؟
ستكون حسرتي الوحيدة... ألن تكون؟
* ترجمة عن الإنجليزية محمد الأسعد