هل انتهى الاستشراق باكتشاف أدواته في نهاية سبعينيات القرن الماضي مع عمل إدوارد سعيد؟ لا ينبغي أن نكون سذّجاً إلى هذا الحد، خصوصاً وأن الواقع لا يشير إلى استفادة - خارج الإطار النظري - ممّا تحقّق، وقد تحقّق هو الآخر نظرياً، فلم يتحوّل بعدُ إلى ثقافة شعبية.
يبدو أن الاستشراق، باعتباره "صورة يفرضها الغرب على الشرق"، أخذ يتسرّب في اتجاهات أخرى، ويتّخذ جلداً جديداً يحتاج بالتالي إلى معادلات جديدة لفهمه. ما يجعلنا نقول ذلك، هو أن اكتشاف أداة الهيمنة لم يغيّر من معادلاتها، ما يتمخّض عن سؤال جديد. لماذا؟
في الحقيقة، لقد كان الاكتشاف متأخّراً، ففي نهاية السبعينيات لم يعد الاستشراق بذات البنية التي كان بها في زمن الاستعمار (أداة الهمينة وقتها)، ذلك الزمن الذي كان فيه حليفاً مباشراً للقوة العسكرية، يفتح المدن، ويحبط كل محاولة تعبير ذاتية (ومنها المقاومة).
لن ننكر على صاحب كتاب "الاستشراق" فضل عمله في فتح الأعين على ممارسات الغرب تجاه الشرق. لكن، ينبغي أولاً أن نتفطّن إلى أن الكتاب مُلتفت إلى الماضي، وينبغي أن نتّخذه تماماً مثل العبر التي تحفل بها كتب التاريخ، أي أن نستلهم منه ما يفيدنا؛ منهجياته التفكيكية بالأساس، لا تكرار مقولاته.
لنجب بصراحة، هل ثمة وُرثاء عرب لإدوارد سعيد؟ أليست مفارقة أن المشعل تسلّمه "أعاجم" مثل غياتري سبيفاك وحميد دباشي وغيرهما.