وزير الخارجية اللبناني يقدّم استقالته: لا إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
03 اغسطس 2020
استقالة وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي
+ الخط -

تقدّم وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي، اليوم الاثنين، باستقالته إلى رئيس الحكومة حسان دياب في السرايا الحكومية، قبل أن يتوجه سريعاً إلى مكتبه في وزارة الخارجية، من دون الإدلاء بأي تصريح، مفضلاً توزيع بيان رسمي مكتوب على وسائل الإعلام اقتصرت الأسطر الواردة فيه على توضيح الأسباب العامة المعروفة سلفاً، من دون أن يتجرّأ على الخروج بمؤتمر صحافي يعلن فيه الوقائع مباشرة بالأسماء وهوية المعرقلين الأساسيين لعمله منذ تسلّمه وزارة الخارجية من سلفه صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2020 وحتى اليوم.

واكتفى حتّي في بيان الاستقالة بالتلميح بشكل غير مباشر إلى التدخلات التي تحصل في وزارته وعمله، إذ تحدّث عن وجود "أرباب عمل ومصالح متناقضة إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب، لا سمح الله، سيغرق بالجميع".

ومن الأسباب التي دفعت حتّي إلى الاستقالة، يُحكى عن تدخلات يقوم بها وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية، في كثير من الملفات والتعيينات، وهو الذي يحاول أن يكون الوزير الظلّ في موقع رفض التخلي عنه بسهولة، وتمسّك به حتى النهاية، وخاض معارك من أجل تولي حقيبة الخارجية، علماً أن معظم العاملين في وزارة الخارجية، وفي الدائرة الضيقة لحتّي، هم من فريق باسيل، وأبرزهم مدير مكتب حتّي الحالي هادي هاشم.

وقال حتّي في بيان الاستقالة الذي وُزّع على الإعلام: "لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب، لا سمح الله، سيغرق بالجميع".

وأشار وزير الخارجية إلى أنّ "لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحوّل إلى دولة فاشلة، لا سمح الله، وإنني أسأل نفسي كما الكثيرين كم تلكّأنا في حماية هذا الوطن العزيز وفي حماية وصيانة أمنه المجتمعي". وأضاف: "بعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية، ونظراً لغياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً ومشعّاً في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي طالبنا به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررت الاستقالة من مهامي كوزير للخارجية والمغتربين، متمنياً للحكومة وللقيّمين على إدارة الدولة التوفيق، وإعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات، من أجل إيلاء المواطن والوطن الأولوية على كافة الاعتبارات والتباينات والانقسامات والخصوصيات".

وشدد وزير الخارجية المستقيل على "أن المطلوب في عملية بناء الدولة عقول خلاقة ورؤيا واضحة ونوايا صادقة وثقافة مؤسسات وسيادة دولة القانون والمساءلة والشفافية، ويبقى الأساس كوزير للخارجية الحفاظ على مصالح البلد، وتعزيز وتحصين علاقاته الخارجية، وتحسيس المجتمع الدولي، كذلك العربي، بأهمية تدعيم الاستقرار في لبنان".

يُحكى عن تدخلات يقوم بها وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية، في كثير من الملفات والتعيينات

وقال حتّي: "ما أصعب الاختيار بين الإقدام والعزوف عن خدمة الوطن حتى ولو تلاشت احتمالية تحقيق اليسير في نظام غني بالتحديات المصيرية وفقير بالإرادات السديدة"، مضيفاً: "حملت آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح، ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة، لا، لم ولن أساوم على مبادئي وقناعاتي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة".

وكان هادي هاشم، مدير مكتب حتّي، قد صرح، مساء الأحد، لـ"العربي الجديد"، بأن وزير الخارجية يتجه إلى الاستقالة من منصبه بسبب عدم رضاه عن الأداء الحكومي. ونفى هاشم حصول ضغوطات أو تدخلات لثنيه عن تقديم استقالته، بل احترموا قراره.

وتشير المعلومات إلى أنّ وزير الخارجية تردّد مرّات عدّة قبل اتخاذ القرار النهائي بالاستقالة، لكنّه حسم الموضوع بعد التصريحات الأخيرة التي صدرت عن رئيس الحكومة حسان دياب، في معرض تعليقه على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للبنان، ومواقف الأخير بشأن عدم قيام مجلس الوزراء بأي إصلاح جدّي يدفع الجهات الدولية المانحة إلى دعم لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية، فيما يجاهر دياب يومياً بالإنجازات ويتحجّج بالعراقيل والمؤامرات الداخلية والخارجية لإفشال "عهده"، علماً أنّ الحكومة اللبنانية تخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وجهات دولية، أبرزها فرنسا للحصول على مساعدات مالية عاجلة لكن مشروطة بإصلاحات، ولا سيما على صعيد مكافحة الفساد والهدر، والتزام مبدأ الشفافية في إطار قضاء حرّ ومستقلّ.

وقال حسان دياب، في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون يوم الثلاثاء الماضي، إنّ القرار الدولي بعدم مساعدة لبنان ما زال ساري المفعول، داعياً إلى ضرورة تحصين وضعنا الداخلي في هذه المرحلة، وتوحيد الموقف اللبناني في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والانتقال بسرعة إلى المرحلة الثانية من هذه المفاوضات.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يضع رئيس الحكومة حسان دياب وزير الخارجية ناصيف حتّي في موقفٍ صعبٍ ومحرج بالنسبة إلى الأخير، باعتباره من الدبلوماسيين الذين عُرِفوا بعلاقاتهم الوثيقة مع دول عربية وأجنبية، وهو الذي التحق بجامعة الدول العربية عام 1981 وعمل في مكتب الأمين العام وفي بعثة الجامعة في أوتاوا – كندا، وعُيّن مستشاراً دبلوماسياً للأمين العام لجامعة الدول العربية (1991 – 1999)، ثم رئيساً لبعثة جامعة الدول العربية في فرنسا ومندوباً مراقباً دائماً للجامعة لدى اليونسكو ولدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية وغيرها من المناصب. وسبق لرئيس الحكومة اللبناني أن شنّ هجوماً على السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيه وغيرها من الدبلوماسيين، إذ قال: "سكتنا كثيراً عن ممارسات دبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية والدبلوماسية، حرصاً على علاقات الأخوة والانتماء والهوية والصداقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف بالعلاقات الأخوية أو الدبلوماسية. والأخطر من ذلك، بعض الممارسات أصبحت فاقعة في التدخل بشؤون لبنان، وحصلت اجتماعات سرية وعلنية، ورسائل بالحبر السري ورسائل بالشيفرة ورسائل بالواتساب، ومخططات، وأمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل".

تردّد وزير الخارجية مرّات عدّة قبل اتخاذ القرار النهائي بالاستقالة، لكنّه حسم الموضوع بعد التصريحات الأخيرة التي صدرت عن رئيس الحكومة حسان دياب، في معرض تعليقه على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان

وحدّد المرسوم رقم 6172 الذي صدر بتاريخ 21/1/2020، أسماء الوزراء بالوكالة عند غياب الوزراء الأصيلين لأي سبب كان، وتبعاً لما نصّ عليه، يتسلّم وزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار وزارة الخارجية بالوكالة عند قبول استقالة حتّي. وهنا تتجه الأنظار إلى المسار المقبل، وهل ستطول فترة الوكالة أم سيُصار إلى تعيين وزير جديد نظراً للاستحقاقات التي يواجهها لبنان، حيث إنّ هذه الحقيبة هي من حصّة رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحرّ" الذي يرأسه باسيل، والذي سيكون له الدور في اختيار خلف حتّي، على الرغم من كل محاولاته لنفي وجود أي دور له في حكومة حسان دياب أو تمثيل داخلها.

وتأتي استقالة حتّي قبيل استحقاق السابع من أغسطس/ آب الجاري، الذي يتمثّل بالحكم الذي ستصدره غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري (قتل في 14 فبراير/ شباط 2005)، التي يُحاكم فيها غيابياً أربعة مسؤولين في "حزب الله"، هم سليم جميل عياش، أسد حسن صبرا، حسين حسن عنيسي، وحسن حبيب مرعي. وسيعلَن الحكم في جلسة علنية وسط ترقب لحجم انعكاسات قرار المحكمة على الساحة الداخلية اللبنانية التي يسيطر عليها "حزب الله" ويتحكّم بالقرارين السياسي والأمني فيها.

وأعادت خطوة حتّي إلى الواجهة قضية استقالة وزراء من حكومة حسان دياب التي أثيرت مرات عدّة، من باب التلويح، ما يطرح علامات استفهام عن الوزراء اللاحقين لحتّي ومصير الحكومة بشكل عام، التي يفقد الشعب اللبناني ثقته بها ويطالبها بشكل متواصل بالاستقالة، بيد أن رئيسها يتمسّك بمنصبه، فيما البلد ينهار تدريجاً.

ذات صلة

الصورة
وضع حجر الأساس لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي-الكرنتينا - بيروت - لبنان - 16 سبتمبر 2024 (محمد سلمان)

مجتمع

وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي - الكرنتينا، ومن المتوقّع الانتهاء من إعادة إعماره وتجهيزه بالكامل بتمويل دولة قطر بعد عامَين.
الصورة
لبنان / آثار غارة على زبقين، 25 8 2024 (فرانس برس)

سياسة

شنّ الاحتلال الإٍسرائيلي ضربات استباقية على لبنان، بينما نفذ حزب الله هجوماً واسعاً بإطلاق عدد كبير من المسيرات في إطار رد أولي على اغتيال القيادي فؤاد شكر.
الصورة
عائلات مهجّرة من قرى حدودية تطلب المساعدة في صور (حسين بيضون)

مجتمع

نزح أكثر من 100 ألف شخص قسراً من قرى جنوب لبنان الحدودية بعد التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" وغالبيتهم يعيشون ظروفاً صعبة.
الصورة
أعداد محدودة من المصطافين على شاطئ صور (حسين بيضون)

مجتمع

لم يثن القصف على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعض اللبنانيين عن ارتياد شاطئ مدينة صور من أجل الاستمتاع.