من بعيد، تتطّلع إلى تلك الزاوية. تعجز عن كبح نفسها أكثر، وتقترب من تلك الرفوف حيث تُعرَض الأوشحة. تنتقي واحداً وتلفّه حول عنقها. تنظر إلى المرآة. تبتسم، قبل أن تلتفت من جديد إلى كتل القماش الملوّنة تلك. ستختار وشاحاً آخر.
يقترب البائع منها. "هل تبحثين عن لون معيّن؟". فتجيب سريعاً بالنفي، قبل أن تضيف: "سآخذ هذا. أعجبني". وتبتسم للشاب قبل أن تخبره برغبتها في شراء وشاح ثانٍ. فيبدأ هو بالتحدّث عن الأوشحة وآخر صيحاتها وكيف يمكن الاستفادة منها... لا تركّز على ما يقول. فتلك الأقمشة الملوّنة والمنقوشة تسحرها.
وتغادر المتجر ظافرة، مع ثلاثة أوشحة جديدة. ثلاثة تُضاف إلى اثنَين تلقّتهما هديّة قبل أسبوع وواحد اشترته في التنزيلات الأخيرة، وإلى 121 وشاحاً معلقاً في خزانتها. وتبتسم.
كثيرة هي الأوشحة التي توقّفت عن ارتدائها، وكثيرة تلك التي لم ترتدِها قطّ. لكنها ما زالت تصرّ على الاحتفاظ بها كلها. "ربما أحتاجها في يوم!". هي عاجزة عن التخلّص من قميص لم يعد مقاسه مناسباً وتنّورة بطلت موضتها وسترة بهتت ألوانها، فكيف بالحريّ أوشحتها؟
عندما بدأت تدمن الأوشحة، لم تعرف السبب. لم تسعَ إلى معرفته، لا بل لم تظنّ في يوم أن ثمّة سبباً لولعها هذا. لكن في إحدى جلسات علاجها النفسيّ، راحت تشدّ بوشاحها وهي تُخبر كيف تشعر بأنها عارية إذا لم تلفّ عنقها به.
وعندما راحت ومعالجتها تبحثان معاً عن السبب، تمكنتا من تفسير ذلك الشعور بالعري. هو شعور بعدم الأمان، يرافقها منذ زمن طويل. أما الأوشحة، فطريقة ما لتحصين نفسها في وجه كلّ ذلك القلق. والتمسّك بتلك التي لم تعد ترتديها يندرج في السياق نفسه.
وتوقّف التحليل عند هذه النقطة.
بالنسبة إلى عالم النفس الفرنسي فرانسوا فيغورو مؤلف "روح الأشياء"، فإن "الخشية من التخلّص من الأشياء لا ترتبط بالتعلّق بالشيء نفسه، بل بفعل التخلّي. الخشية كبيرة، لأننا نشعر بأننا نقطع رابطاً عاطفياً". ويشدّد في كتابه على أن "المرء بذلك، يشعر بأنه يتخلى عن جزء من تاريخه، وكذلك عن الشخص الذي قدّم له هذا الشيء". فكيف إذا كان هذا الشخص ليس إلا المرء نفسه، وإذا كان الشيء مانحاً للأمان؟
في المساء، تقف أمام مرآة غرفة نومها. تنهي تبرّجها وتتناول واحداً من الأوشحة الثلاثة التي اشترتها في الصباح وتلفّه حول عنقها. أصبحت جاهزة لحفلة عيد ميلادها. بالتأكيد لن ينسى أصدقاؤها طقوسها.. قالب الحلوى وشموع بعدد سنيّها. ستطفئها كلها بنفخة واحدة. لا بدّ من أن تفعل. لا بدّ من أن تتحقّق أمنيتها في هذا العام.
وتسوّي وشاحها الخمريّ. وتبتسم.