ويقدّم المركز توصيات ونصائح تدعو السعودية إلى تشكيل "مليشيا سنية" في غرب العراق على غرار مليشيات الحشد الشعبي الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني، من أجل السيطرة على الحدود العراقية السورية وقطع الطريق أمام تنفيذ إيران هدفها الاستراتيجي بإقامة هلال شيعي في الشرق الأوسط. لكن الورقة البحثية لا تتحدث عن الدور الإسرائيلي في الحرب السعودية، ولا تنصح الإدارة الأميركية بالدخول مباشرة فيها.
وتقول الورقة الأميركية "إن السعودية تواجه تهديداً قوياً من إيران التي ازدادت قوة بعد عودتها إلى سوق النفط العالمي. فالحوثيون المدعومون من إيران في اليمن يشنّون هجمات بالصواريخ ضد البحرية السعودية، ويمكن استخدام هذه الصواريخ لإغلاق الأسواق النفطية في آسيا بوجه السعودية، وتهديد الدخل القومي السعودي".
وتضيف الورقة: لذلك، فإنه لا يمكن للسعودية تجاهل الجبهة اليمنية خصوصاً بعد سقوط الصاروخ البالستي الذي أطلقه الحوثيون على العاصمة السعودية. "الكفة في اليمن إذاً تميل لصالح إيران. فالسعوديون يُستنزفون هناك ويصرفون مبالغ ضخمة من المال لتغطية نفقات العمليات العسكرية الجوية والبحرية ضد مليشيا الحوثيين، تفوق بكثير الأموال التي تصرفها إيران لتدريب الحوثيين وتسليحهم".
وترى الدراسة الأمنية الأميركية أنّ استمرار تركيز الجهد السعودي على الجبهة الجنوبية، هو أيضاً لصالح إيران الماضية في خطتها لإنشاء الهلال الشيعي في الشمال. ومع سقوط "داعش" وإخضاع الأكراد، اقتربت إيران من تحقيق هدفها الاستراتيجي، وأصبحت السعودية في الشمال بمواجهة منطقة تحت سيطرة إيرانية شبه كاملة. لذلك كان على القيادة السعودية التحرّك، لأن السيطرة الإيرانية على الشمال تسمح لها بالتحكّم بخطوط تصدير النفط إلى آسيا، "الجسر الذي يؤمّنه لها الهلال الشيعي إلى البحر الأبيض المتوسط".
وترى ورقة خبراء الأمن الأميركيين أن الخسائر السعودية في المواجهة الاستراتيجية مع إيران لا تقتصر على الخسائر المالية، ذلك أنّ طهران بدأت بإثارة الجدل حول الإدارة السعودية للمقدسات الإسلامية في مكة والمدينة. وتشير الورقة إلى تصريحات لروح الله الخميني خلال الحرب العراقية الإيرانية قال فيها إنه "قد يتسامح مع صدّام حسين، لكنه لن يقبل أبداً بسيطرة آل سعود على مكة"، وتصريحات أخرى للمرشد علي خامنئي العام الماضي قال فيها إنه "لا يمكن الثقة بإدارة آل سعود للأماكن الإسلامية المقدسة".
الرد السعودي
تقول ورقة "مركز الدراسات الأمنية في واشنطن" إن القيادة السعودية أدركت أنّ الهجوم من اليمن هدفه توريط المملكة أكثر في الجبهة الجنوبية. وجاءت حملة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للسيطرة على مفاصل السلطة كافة في السعودية، تمهيداً للردّ السعودي ضد إيران، فكان إعلان حالة الحرب مع لبنان الذي يسيطر عليه "حزب الله". فاستهداف هذا الحزب هو خطوة في سياق الحملة ضد إيران.
وتقترح ورقة المركز الأمني الأميركي عدداً من الطرق التي يمكن للسعودية أن تلجأ إليها لتصعيد المواجهة العسكرية ضد النفوذ الإيراني المتمدد في المنطقة، منها "دعم سنة العراق وتشكيل مليشيا سنية مدعومة من السعودية على غرار مليشيات الحشد الشعبي الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني". وتشير الورقة إلى أن "غضب سنة العراق من حكومة بغداد الشيعية يعتبر مؤشراً على نضوج ظروف ولادة تنظيم سني في هذا البلد لخلافة تنظيمي القاعدة وداعش، خصوصاً بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها المليشيات الشيعية التابعة لإيران".
وترى الورقة أنّ على السعودية انتهاز هذه الفرصة لتدريب مليشيا سنية عراقية وتمويلها، مستفيدةً من تجربة تأسيس إيران للمليشيات الشيعية. وبعد سيطرة المليشيا الجديدة على مناطق غرب العراق تقوم بدعوة القوات السعودية للمشاركة في العمليات العسكرية ضد "حزب الله" الذي ينشر قواته في سورية. حينها تكون السعودية قد نجحت في خلق جبهة مقابلة ضد "حزب الله" بموازاة الجبهة مع إسرائيل.
وفي التوصيات إلى الإدارة الأميركية، تقول الورقة إن "لا مصلحة أميركية في قيام مليشيا سنية في العراق، ولكنها أيضاً مع الوقوف بوجه حزب الله والحد من طموحات إيران الإقليمية". كما أنّ عملية إعادة بناء المناطق السنية في العراق يمكن أن تتم بسهولة أكبر إذا شاركت السعودية على رأس جبهة سنية واسعة، بإرسال قوات لحفظ السلام إلى غرب العراق وإعادة إعمار المناطق التي دُمّرت خلال الحرب مع "داعش". كما يمكن لهذه القوات أن تلعب دوراً في حماية القبائل العربية السنية على جانبي الحدود العراقية السورية. والسعودية مؤهّلة للعب هذا الدور للاعتبارات الطائفية، وبسبب العلاقات القبلية التاريخية، وامتداد القبائل العربية العابرة للحدود.
وترى الورقة الأميركية أنّ سيطرة السعودية على المناطق القبلية في غرب العراق وجنوب سورية، سيفتح الطريق أمام تواصل جغرافي بين السعودية ولبنان، ما يجعل القوات السعودية قادرة على شنّ هجمات عسكرية ضد "حزب الله" تجعله محاصراً بين جبهتبن: الحرب مع السعودية والجبهة مع إسرائيل. ويصبّ ذلك في مصلحة الأهداف الأميركية التي تسعى لإفشال قيام الهلال الشيعي.
ومع أنّ تدمير "حزب الله" هو مصلحة أميركية قومية، إلا أنّ الورقة لا تنصح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتورط بالحرب السعودية الإسرائيلية ضد "حزب الله"، لأن انضمام واشنطن إلى هذه الحرب يتطلّب أولاً سحب المستشارين العسكريين الأميركيين من العراق الذين قد يتعرضون للتهديد من المليشيات الشيعية، ما يعني الإقرار الأميركي بسيطرة إيران الكاملة على العراق.