تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "لديّ شعور بأنني لم أؤدّ بعد الدور الذي أحلم به. ولا يمنعي ذلك من الشعور برضا نسبي يرتبط أيضاً بانطباعات الناس الإيجابية"، تقول الفنانة المسرحية التونسية.
■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
- الوضع العام في تونس بضبابيّته السياسية. نحن في الدرجة صفر من وضوح الأفق. ناهيك بعد كورونا. أخشى أن تكون من تبعات ذلك فاتورة باهظة تدفعها الأجيال الجديدة. وصراحةً من لم يتعلم من دروس كورونا لن يتعلم أبداً. أما على المستوى الشخصي، فحاولتُ قدر الإمكان الاستفادة من فترة الحجر، ولو أني أشعر بأنَها كانت مثل فترة قطع الأوكسجين، يبدو العالم وكأنَه قد توقف وأمَرك بانتظار الموت. غير أن هذا المزيج من مشاعر الخوف من المجهول ومراجعة الذات كان دافعاً للإبداع أيضاً.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- في المسرح، لديّ ثلاثة أعمال لا تزال تُعرض هي: "نفس" و"قمرة 14" و"عروسة البازار". العمل القادم سيكون بعنوان "قلب الرحى" وإطار حكايتها فرقة موسيقية للنساء تشتغل في الأعراس. تتناول المسرحية مسألة الصراع بين أذواق موسيقية متعدّدة؛ ذات مرجعيات شعبية وأكاديمية وتجارية وغيرها، وهو عمل يعرّي العلاقة بين المشتغلات في الموسيقى والمجتمع، وأيضاً إشكاليات التموقع الفنّي ومنها مسألة "بطاقة الاحتراف" التي تشغل الكثير من الفنانين في تونس. تكون هذه المسرحية جاهزة للعرض في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام. درامياً، كان آخر حضور لي في رمضان الماضي ضمن مسلسل "قلب الذيب" وأدّيت فيه دور أمّ أحد من حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي، أعتقد أن العمل يقدّم إضافة لأنه يعترف بدور المرأة في الحركة الوطنية، وقد بحثتُ في هذه الذاكرة وأنا أشتغل على الدور.
■ هل أنت راضية عن إنتاجاتك ولماذا؟
- لستُ راضية طبعاً. لا أشعر أنني أنجزتُ كل ما يمكنني إنجازه. لديّ شعور بأنني لم أؤدّ بعد الدور الذي أحلم به. لا يمنعي ذلك من الشعور برضا نسبيّ، فهذا الشعور مرتبط أيضاً بانطباعات الناس التي تكون في معظمها إيجابية. أطمح إلى الكثير من الأدوار، مثل تقمّص شخصيات من التاريخ التونسي. لا أحبّ اختصار رموز المرأة في تونس في اسمين أو ثلاثة. هناك الكثير من النساء المهمّات في تاريخنا.
■ لو قيّض لك البدء من جديد أي مسار كنت ستختارين؟
- كنت سأختار المسرح. ليس من السهل أن تختار امرأة من جيلي ممارسة المسرح. علاقتي بالمسرح ليست عابرة أو مجرّد مهنة. إنها حياة، بدأت وأنا في السابعة من عمري، ولم تقبل الأسرة بهذا التوجّه في ما عدا والدي. في ذلك الزمن كان التمثيل يحمل في الذهنية العامة صورة أعمال سينمائية جماهيرية أبرزها الفيلم المصري "أبي فوق الشجرة"، ومن يرد التمثيل تلاحقه توقّعات بأنه يشارك في أعمال مشابهة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- أتمنى أن نبني الإنسان قبل أن نفكّر في بناء المدن والمنشآت. هكذا يبدأ تغيير العالم، نقطة الانطلاق هي بناء الذات. فكيف لذات هشة أن تغيّر العالم، وهو أمر غير مرتبط في اعتقادي بدور الدولة أو المؤسسات، ولكن قبل كل شيء باستعداد الفرد لبناء ذاته ومن لا يستطع هذا فهو من أساسه غير منتم لفكرة تغيير العالم. أنا أستاء من الشباب الذين لا يفكّرون إلا في العمل بالشهادة التي حصّلوها من الجامعة وينتظرون من الدولة أن تشغّلهم. أنا ضد من لا يفكّر ولا يبني ذاته ولا يبادر. بدون ذلك فنحن أمام إنسان ميّت لكنه يتنفّس.
لا أحبّ اختصار رموز المرأة في تونس في اسمين أو ثلاثة
■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها ولم هي بالذات؟
- الكاهنة. كانت قائدة جيش ضخم، كانت حاضرة في الحرب وفي الحب، إنها تركيب عجيب بين المرأة القوية الصامدة والأنثى التي تحبّ أن تمارس حياتها بكل حرية وانطلاق.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
- مرجعي في الفن والحياة هو أبي، وبالتالي أعتبره صديقاً بالمعنى العميق للكلمة، أن يحبّك شخص دون شروط وبكل عيوبك. وكما أشرت، كان وهو من شجّعني على المسرح وواجه معي صعوبات عدة.
■ ماذا تسمعين الآن وهل هناك تجربة موسيقية أو غنائية تودّين أن نشاركك سماعها؟
- أحب الإنشاد الصوفي، هناك تجارب عميقة جداً في الفن الصوفي، من تونس وفي بلاد كثيرة من العالم.
بطاقة
ممثلة ومخرجة مسرحية تونسية من مواليد 1960. من الأعمال التي أخرجتها: "النار تخلف الرماد" (2003)، و"دار حجر" (2004)، و"عطامرين" (2010)، و"ماذا لو مات ظلي" (2013)، و"قمرة 14" (2018)، و"عروسة البازار" (2019). كما شاركت كممثلة في عدة أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، منها: "الدوّار" (1992)، و"جاري يا حمودة"(2004)، و"الكيوسك" (2006)، و"علي شورّب" (2018 و2019)، و"قلب الذيب" (2020).