مرة أخرى، يحاول المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تحريك المياه الراكدة في البلاد، سياسياً، من خلال لقاءات واتصالات يُجريها مع الأطراف اليمنية. ومع ذلك، فإن مقاطعته من قبل تحالف جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وحزب "المؤتمر" الذي يترأسه علي عبدالله صالح، قد جعلت مهمة المبعوث الأممي، أصعب من أي وقتٍ مضى، في واقعٍ يزداد تعقيداً كل يوم.
وقدّم ولد الشيخ، اليوم الأربعاء، إلى مجلس الأمن الدولي، إحاطة حول آخر التطورات في اليمن، وتطرّق إلى الأزمة الإنسانية "المروّعة"، إذ قال إن "20 مليون شخص يتأثرون بأزمة متعددة الوجوه" في البلاد، وتحدّث عن المقترح الأممي الخاص بتأمين ميناء الحديدة، وأشار إلى أن المقترح حظي بترحيب سعودي، وهو المقترح الذي كان قد أعلن عنه، أواخر مايو/أيار الماضي، ورفضه الحوثيون وحلفاؤهم.
وجاءت إحاطة ولد الشيخ بعد أكثر من شهر على آخر جلسة عقدها مجلس الأمن حول اليمن، لكن من دون حدوث أي تقدم يُذكر، وقد جاءت الإحاطة بعد ساعات من لقاء عقده مع ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان. وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن الاثنين بحثا التطورات في اليمن، من دون تقديم مزيد من التفاصيل حول اللقاء.
إلى ذلك، أفادت مصادر سياسية يمنية "العربي الجديد"، بأن ولد الشيخ، الذي نقل مكتبه منذ أسابيع إلى العاصمة الأردنية عمّان، أجرى اتصالات مع العديد من الشخصيات اليمنية، بين مستقلة أو قريبة من أطراف الصراع، في إطار مساعٍ يبذلها لتحريك جهود السلام مجدداً، بعد مرحلة جمود غير مسبوقة منذ شهور.
وعلى الرغم من اللقاءات التي يُجريها ولد الشيخ، والبيانات التي يُصدرها بين الحين والآخر، يبدو أن مهمته باتت أصعب بكثير مما كان عليه الوضع خلال العامين الماضيين، وذلك بعد أن اتخذ حليفا الانقلاب في صنعاء قراراً، منذ فبراير/شباط العام الجاري، بمقاطعة ولد الشيخ واعتباره مبعوثاً غير محايد، ووجّها رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، تطالب بتعيين بديل له.
وكان ولد الشيخ أعلن، في الـ30 من مايو/أيار الماضي، أحدث مقترحاته للتهدئة في اليمن، وتمثلت باقتراح إبقاء ميناء الحديدة، الذي يُعد المرفأ الرئيسي في البلاد، تحت إشراف أممي، مقابل تجنيبه عملية عسكرية يسعى التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة الشرعية لتنفيذها، بالإضافة إلى اقتراح إنشاء صندوق لتحصيل الموارد يتولى تسليم مرتبات الموظفين لحل الأزمة التي خلقت أوضاعاً كارثية، بسبب انقطاع المرتبات عن الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم منذ ما يقارب عشرة أشهر.
وفيما أعلنت الحكومة الشرعية قبولها بالمقترحات الأممية؛ رفضها الحوثيون وحلفاؤهم في صنعاء، بما جعله يلحق بسابقيه من المقترحات الأممية التي واجهت رفضاً؛ سواء من الحكومة أو الحوثيين وصالح.
ويوضح مصدر قريب من الوفد المشترك للحوثيين وحزب صالح في صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن الموقف من المبعوث الأممي لا يتعلق بالمقترحات ذاتها فقط أو بشخص ولد الشيخ، بقدر ما أن الطرفين (الحوثيين وحزب صالح)، يعتبران أن الحوار تحت رعاية الأمم المتحدة بطريقته التقليدية، كما حصل في أكثر من جولة من جنيف إلى الكويت، يؤدي إلى حلقة مفرغة، وأن مجلس الأمن والمجتمع الدولي، بعد عامين من الحرب، لم يثبتا قدرتهما على إيقاف الحرب والعمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية.
ومن زاوية أخرى، جاءت التطورات في الشهرين الأخيرين، جنوبي البلاد، لتساهم في خلط الأوراق، إذ بدا أن هناك أطرافاً، بتأييد دول في التحالف (الإمارات تحديداً)، تدعم فرض أمر واقع جديد، على نحو يفرض ذاته على أي جولة مفاوضات قادمة؛ فإما أن تكون قريبة من الواقع ونتيجة لتفاهمات مسبقة، أو تتحول لتصبح كغيرها من المحطات السياسية التي كانت تبدأ بالدعوة إلى التهدئة وتنتهي ليعود التصعيد العسكري بصورة أشد مما كان عليه في السابق.
ونتيجة لما سبق، لم تعد تحركات المبعوث الأممي في اليمن، في الشهور الأخيرة، تعني الكثير بالنسبة للمتابعين اليمنيين، وتبقى الفرصة الوحيدة تقريباً، لهذه الجهود، أن تكون حصاداً لتفاهمات غير معلنة ومدعومة بحوافز من الرياض. أما على صعيد المفاوضات بين الشرعية والانقلابيين، فمن الواضح أنها لم تحقق أي تقدّم يذكر، منذ مطلع العام الجاري.